Category: سياسة

الجهاد والصناعة النفطية

في حين كانت وسائل الاعلام الغربية تصور الدولة الاسلامية في العراق والشام كمجموعة من الجهاديين الذين يرتلون القرآن, كانت الأخيرة تعد العدة لشن حربها النفطية في العراق. وبمساعدة من اسرائيل, تمكنت داعش على الفور من قطع امدادات سورية من الوقود, وضمان سرقة نفط كركوك من قبل حكومة كردستان المحلية.

على الرغم من ذرفها دموع اللحظة الراهنة لسقوط آلاف الضحايا العراقيين على يد قوات داعش, لم تخف وسائل الاعلام الأطلسية تأثرها من انعكاسات الصراع على أسعار النفط, الذي قفز في غضون أيام فقط إلى 115 دولارا للبرميل, أي أنه عاد إلى نفس مستوى شهر أيلول-سبتمبر من العام الماضي 2013, الأمر الذي دفع الأسواق العالمية للاعراب عن قلقها من المعارك حول مصفاة بيجي بالقرب من تكريت, مع العلم أن انتاج هذه المصفاة مخصص للاستهلاك المحلي الذي يمكن أن يفضي إلى نقص ذريع بالوقود وانقطاع الكهرباء.

هذا الارتفاع الطاريء بأسعار البترول, ليس بسبب توقف الانتاج العراقي, بل بسبب ارتباك عمليات الشحن, وهو لن يدوم طويلا نظرا للفائض المعروض في الأسواق.

مع ذلك, ثمة سؤال يطرح نفسه ولم تجب عليه وسائل الاعلام الأطلسية حتى الآن : كيف يمكن لإرهابيين أن يبيعوا نفطا في أسواق عالمية تسيطر عليها واشنطن؟

في شهر آذار-مارس الماضي, فشل الانفصاليون الليبيون في بنغازي بتسويق النفط الذي استولوا عليه, حين اعترضت احدى السفن الحربية الأمريكية ناقلة النفط مورنينغ غلوري, وأجبرتها على العودة إلى الموانيء الليبية.

فإذا كانت جبهة النصرة وداعش تملكان القدرة على بيع النفط في الأسواق العالمية, هذا يعني أنهما تحظيان بموافقة واشنطن, وأنهما على صلة بشركات بترول وهمية.

شاءت الأقدار أن ينعقد المؤتمر الدولي السنوي لشركات البترول العالمية من 15 حتى 19 حزيران-يونيو في موسكو, لنعلم من خلال المؤتمر أن النفط السوري الذي تسرقه جبهة النصرة يباع لشركة (اكسون موبايل), شركة العائلة روكفلر التي تدير دولة قطر, في حين أن البترول الذي تسرقه داعش يباع لشركة آرامكو الأمريكية التي تدير المملكة العربية السعودية.

هذا ما يجعلنا نقرأ المعارك الجارية الآن على أنها حرب بين شركات بترولية. حقيقة أن شركة آرامكو تمول داعش يكفي ليفسر لنا اعلان السلطات السعودية قدرتها على تعويض انخفاض الانتاج العراقي من النفط : ستكتفي السعودية في هذه الحال بمهر ختمها على براميل النفط المسروقة من العراق.

الاختراق الذي قامت به داعش سوف يسمح للسعودية بالسيطرة على أهم انبوبين للنفط : الأول يذهب باتجاه مصفاة بانياس ليزود سورية بالوقود, بينما ينقل الخط الثاني النفط الخام إلى ميناء جيهان في تركيا. ففي حين قطعت داعش الامداد عن الخط الأول متسببة بذلك بانقطاع اضافي للكهرباء في سورية, تاركة باستغراب الخط الثاني يعمل.

بناء ذلك, فقد شرع اقليم كردستان بتصدير نفط كركوك عبر خط النقل الذي تسيطر عليه داعش, ونجح في غضون أيام قليلة من تعبئة ناقلتين في ميناء جيهان مؤجرتين لشركة بالمالي شيبينغ آند أجانسي جي.اس.سي, وهي شركة مملوكة للملياردير التركي-الآذربيجاني مبرز غوربانوغلو.

غير أن حكومة المالكي-التي لم تطح بها واشنطن حتى الآن- وبعد أن نشرت ملاحظة شجبت من خلالها عمليات السرقة, لم تعد أي من الشركات العاملة بشكل معتاد في كردستان (شيفرون, هيس, توتال) تجرؤ على شراء النفط المسروق. ونظرا لتعذر ايجاد مشترين, فقد أعلن اقليم كردستان عن استعداده لبيع مخزوناته بنصف السعر, وفي السر ظل مستمرا بممارسة تهريب النفط, عبر تعبئة ناقلتين جديديتين حاليا في ميناء جيهان.

إن حقيقة استمرار التهريب في ظل غياب أي منفذ بيع, دليل على أن اقليم كردستان وداعش متيقنان من امكانية توصلهما للبيع في الأسواق العالمية, الأمر الذي يعني أنهما يتمتعان بدعم نفس الدول..

كيف يُصّنع الغرب “حركات المعارضة”

الجمل- آندريه فلتشيك- ترجمة: د. مالك سلمان: 

الأبنية الحكومية تُدَمَر وتُنهَب. هذا ما يحدث في كييف وبانكوك، وفي كلتا المدينتين تبدو الحكومتان عاجزتين وخائفتين من التدخل.

ماذا يجري؟ هل أصبحت الإدارات المنتخبة شعبياً في كافة أنحاء العالم بلا أية قيمة؛ مع تصنيع ودعم النظام الغربي ل “حركات معارضة” مجرمة مصممة لزعزعة استقرار أي دولة تقف في وجه رغباته في الهيمنة على الكوكب؟

* * *

إنهم يصرخون ويهددون أولئك الراغبين في التصويت للحكومة التقدمية المعتدلة التي تقود تايلاند في الوقت الحاضر. ليس هناك خلاف حول العملية الانتخابية – فالتصويت حر بشكل عام، كما يتفق المراقبون الدوليون ومعظم أعضاء “اللجان الانتخابية” المحلية.

الحرية، الشرعية، أو الشفافية … كل هذه ليست مهمة الآن.

تتنوع الشعارات، ولكن من الناحية الجوهرية يطالب “المحتجون” بتفكيك الديمقراطية التايلاندية الهشة. معظمهم يتلقى الأموال من الطبقات الوسطى- العليا والطبقات العليا. بعضم زعران ومجرمون، تم استئجار الكثيرين منهم مقابل جوالي 500 باهت في اليوم (حوالي 15 $) في قرى المحافظات الجنوبية المتململة. وهم معتادون على استخدام العنف، فلغتهم الجسدية وتقاسيم وجوههم تدل على ذلك بوضوح.

على المسؤولين الحكوميين في الحكومة الشرعية أن يتسلقوا المتاريس أو يستجدوا المحتجين لكي يسمحوا لهم بالدخول إلى مكاتبهم.

تم تخويف وإهانة الأشخاص الذين قدموا ليصوتوا في الجولة التي تسبق الانتخابات، وقد تعرض أحد الرجال للخنق حتى كاد أن يموت.

على الرغم من تعطيل الحياة في العاصمة بشكل كامل، لا تتجرأ الحكومة على إرسال الدبابات أو رجال الشرطة لإخلاء الشوارع. يجب عليها أن تفعل ذلك. لكنها خائفة من الجيش والملكية – عمودا هذا الخليط الفظيع من الرأسمالية المتوحشة والإقطاع – الخليط الذي لا تمكن مقارنته إلا بالكوابيس الإقليمية الأسوأ، كما هي الحال في إندونيسيا والفلبين.

كل شيء علني الآن: الحكومة تتحدث عن مخاوفها، بينما يرسل الجيش التهديدات السامة عبر الإعلام التابع الخانع وعبر “التسريبات”.

ماذا يجري، وعلى ماذا يدور الرهان؟ حاول شقيق رئيس الوزراء الأكبر، ثاكسين شيناواترا – عندما كان هو رئيساً للوزراء – أن يؤسس نظاماً رأسمالياً معاصراً في هذه الأمة الخنوعة والخائفة. وليس هذا فقط: أمن مساكنَ للفقراء، وبنى نظام رعاية صحية مجانياً ممتازاً (أكثر تقدماً من أي نظام تم اقتراحه في الولايات المتحدة)، وتعليماً إعدادياً وثانوياً مجانياً ومتقدماً جداً، ومفاهيمَ أخرى حُكمَ عليها بأنها خطيرة على النظام العالمي، وعلى النخب الاقطاعية المحلية، وعلى الجيش أيضاً.

قامت النخب التايلاندية – المهووسة بفرض الطاعة أكثر من هوسها بالثروة، والتي ترغب في توليد الاحترام والخوف – بالتحرك على الفور. تم نفي رئيس الوزراء، ومنع من العودة إلى بلاده، وتعرض لتشويه السمعة. كانت هناك انقلابات عسكرية، و “تحالفات” غامضة، وشائعات و “رسائل سرية” قادمة من “مراكز عليا جداً”. كان هناك القتل، مجازر حقيقية، عندما تعرض ما يسمون “القمصان الحمر”، مؤيدو شيناواترا (من الإصلاحيين المعتدلين إلى الماركسيين)، للقتل على يد القناصين، حيث تلقى بعضهم الرصاص في رأسه.

لكن الناس، الفقراء، الأغلبية التايلاندية، وخاصة في الشمال والشمال الشرقي، ردوا بطريقة رواقية وثابتة. فكلما حدثت الانتخابات، وكلما حظر النظام الأحزابَ السياسية الموالية لشيناواترا، كانت أحزاب جديدة تظهر إلى الوجود، وكانت تفوز بالانتخابات مرة بعد أخرى.

في سنة 2011، أصبحت شقيقة شيناواترا، يينغلوك، رئيسة وزراء تايلندة.

قطع “المحتجون” العديد من شرايين بانكوك المركزية، معلنين أن “تايلندة غير جاهزة للديمقراطية”، وأنه “إذا توقف مستقبل البلاد على الانتخابات، فإن قوى شيناواترا سوف تستمر في الفوز.”

وهذا، بالطبع، غير مقبول بالنسبة إلى النخب والعديد من البلدان الغربية التي أفادت، على مدى عقود طويلة، من النظام الإقطاعي التايلندي.

أحد جنرالات تايلندة “رفض استبعاد إمكانية حصول انقلاب عسكري آخر.”

اقترحت المعارضة مفهوماً غامضاً، حكومة تكنوقراط تحكم حتى تصبحَ تايلندة “جاهزة” للتصويت: اقرؤوا حتى نتمكن من تحطيم سلطة الشعب ونتأكد من أنه سيتم انتخاب “حر” لحكومة مؤيدة للنخب والملكية والجيش.

في هذه الأثناء، يقوم المجرمون بقطع الشوارع العامة، والمراكز الثقافية، مع عدم الاقتراب من “المولات” التجارية. يصفونهم ب “المحتجين” في أوروبا والولايات المتحدة.

وهنا نأتي إلى لب الموضوع: تم إلباس الرعب الذي ينشره الجيش والإقطاع بلبوس التمرد، بل حتى الثورة. كما تم إسباغ الشرعية عليه، بل حتى مسحة من الرومانسية.

تطل الفاشية برأسها القبيح مرة أخرى. والغرب يدرك ذلك جيداً، وهو في الحقيقة يدعم النظام الذي فرض نفسه الآن بحكم الأمر الواقع والذي يحكم تايلندة الآن من خلف الستارة. لأنه النظام الذي ساعد الغربُ في تصنيعه.

من شروط الثورة تمتعها بإجماع وطني عام، أوشبه عام؛ أما التمرد فيعبر عادة عن مصالح وإيديولوجيات أحزاب معينة، أو مجموعات محددة إثنية، أو إقليمية، أو طائفية، إلخ.   – المترجم

 

* * *

غادرت بانكوك، وبينما كنت في الطائرة استمرت فكرة واحدة في الإلحاح علي: العديد من الأماكن التي كنت أكتب عنها مؤخراً تعيش واقعاً مشابهاً لتايلاندة.

المنتخبون ديمقراطياً، وأولئك التقدميون في جوهرهم، هذه الحكومات في كافة أنحاء العالم تتعرض لهجمات شرسة من قبل بعض العصابات المجرمة المسلحة، وقطاع الطرق، والعناصر المعادية للمجتمع، وحتى من قبل الإرهابيين.

رأيت ذلك بأم عيني على الحدود التركية- السورية. سمعت قصص العديد من السكان المحليين، في مدينة هاتاي التركية، وفي الأرياف المحاذية للحدود التركية- السورية.

هناك، تم توقيفي، ومنعي من العمل، واستجوابي من قبل الشرطة المحلية والجيش والعصابات الدينية، عندما كنت أحاول تصوير أحد “مخيمات اللاجئين” تلك التي بناها الناتو خصيصاً للمقاتلين السوريين الذين تم احتضانهم وتدريبهم وتسليحهم في تلك المنطقة.

كانت هاتاي تعج بالعناصر الجهادية السعودية والقطرية، الذين يتلقون الدعمَ اللوجستي الأمريكي والأوروبي والتركي، بالإضافة إلى الأسلحة والأموال.

الرعب الذي ينشره هؤلاء الأشخاص في هذا البقعة المسالمة والمتنوعة ثقافياً والمتسامحة من العالم لا يمكن وصفه بالكلمات.

وصف الأطفال المقيمون في القرية الحدودية الغارات واللصوصية والعنف وحتى القتل الذي كان يقوم به “المتمردون” المناوئون للأسد.

هنا، وفي اسطنبول حيث عملت مع بعض المثقفين التقدميين الأتراك، العاملين في الإعلام والمؤسسات الأكاديمية، شرحوا لي مراراً وتكراراً أن “المعارضة” المناهضة لسوريا قد تلقت التدريب والتمويل و “التشجيع” من قبل الغرب وتركيا (العضو في الناتو)، مما أدى إلى موت وتدمير الملايين في المنطقة كلها.

بينما أكتب هذه الكلمات، تعرض قناة “روسيا اليوم” الفضائية تقريراً حصرياً من مدينة درعا السورية، المدينة التي تعرضت للنهب والتدمير من قبل قوات “المعارضة” المؤيدة للقاعدة والغرب، بما في ذلك “الجيش السوري الحر”.

هذه هي المدينة التي قيلَ، قبل شهر من الآن، أن أشخاصاً قد قتلوا فيها وتعرضوا للرجم وهم أحياء وحرقوا في البراميل وقطعت رؤوسهم.

عوضاً عن وقف الدعم ل “المعارضة” السورية العرقية والمتعصبة والمتوحشة، تستمر واشنطن في شيطنة حكومة الأسد وتهديدها مرة أخرى بالعمل العسكري.

 

* * *

وأولئك المجرمون، في البلدان التي انتخبت حكوماتها الوطنية أو التقدمية، يتم استئجارهم من قبل النخب المحلية بالنيابة عن الإمبراطورية الغربية.

وقبل ذلك، يتم استئجار ما يسمون “النخب” وتمويلهم، أو على الأقل تدريبهم/”تعليمهم” من قبل الغرب.

على مستوى “فكري”، تتنافس الوسائل الإعلامية بشراسة مع بعضها البعض على الخضوع للقوى الأجنبية. إن العسكر والقوى الإقطاعية، وحتى الفاشية، الأكثر رجعية في كافة أرجاء العالم (انظروا إلى أوكرانيا، على سبيل المثال) تعود الآن، حيث تستغل هذه الظاهرة وتفيد منها.

كل هذا يحدث بدرجات مختلفة وبمستويات متفاوتة من الوحشية، في تايلندة والصين ومصر وسوريا وأوكرانيا وفنزويلا وبوليفيا والبرازيل وزيمبابوي وأماكنَ أخرى في كافة أصقاع الأرض.

بعد قراءة مقالتي حول الوضع في تايلندة، المنشورة في 30 كانون الثاني/يناير، علق أحد قرائي البرازيليين بما يلي:

“على غرار بلدي البرازيل: ولكن في بيئة باهتة … وأخف قليلاً ولكن بشكل مماثل … تحاول النخب المحلية، الآن في شهر كانون الثاني/يناير 2014، بكل ما أوتيت من قوة منعَ إعادة انتخاب السيدة ديلما روسف … أنت مراقب خبير لأمريكا اللاتينية، وأنت تعرف ذلك جيداً …”

العملية، الآليات، هي نفسها في كل مرة تقريباً: الإعلام المأجور من قبل الغرب، أو الإعلام الغربي بشكل مباشر، يقوم بتشويه سمعة الحكومات الشعبية المستهدفة، ومن ثم يتم خلق “الفضائح”، ويتم تحديد الألوان لحركة “معارضة” مشكلة حديثاً، ومن ثم يأتي اختيار العصابات وتمويلها، وأخيراً تظهر الأسلحة الفتاكة “بشكل إعجازي” في “مواقع الاحتجاج”.

طالما أن الحكومة “قومية”، ووطنية بحق، وتدافع عن مصالح شعبها ضد النهب العالمي، (على النقيض من حكومة آبي في اليابان التي يتم وصفها، بشكل غريب، على أنها “قومية”، لكنها في واقع الأمر تقف إلى جانب السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة)، يتم تعليمها، ثم تظهر على لائحة اغتيال قوية وغير مرئية، على الطراز المافيَوي القديم.

وكما وصف مايكل بارينتي بشكل صائب وظريف: “إما أن تطيع أوامرنا، أو نكسر ساقك. كبيتش؟”

شهدتُ إسقاط الجيش للرئيس المصري مرسي (كنت أنتقد حكمه في البداية، كما كنت أنتقد حكومة السيد شيناواترا قبل أن يجتاحَ الرعبُ الحقيقي مصرَ وتايلندة)، والذي قام – في فورته تلك – بقتل بضعة آلاف من المصريين الفقراء.

كنت عندها في مصر، أزورها بين الحين والآخر، لعدة أشهر، حيث كنت أصور فيلماً وثائقياً لشبكة التلفزيون الأمريكية الجنوبية “تيليسور”.

بدهشة وخيبة أمل رأيت أصدقائي الثوريين يختبؤون عن الأنظار، ثم يختفون عن وجه الأرض. وقد حصل ذلك على وقع تهليل العائلات المتعجرفة للقتلة العسكريين بلا أي خجل، وعلى الملأ.

كان المنطق والآليات في مصر متوقعة: على الرغم من أنهم كانوا لايزالون رأسماليين وخاضعين – إلى درجة معينة – لصندوق النقد الدولي والغرب، إلا أن الرئيس مرسي وإخوانه المسلمين لم يكونوا متحمسين للتعاون مع الغرب. لم يقولا “لا” أبداً، لكن ذلك لم يبدُ كافياً للنظام الأوروبي- الشمال أمريكي الذي يريد اليوم الطاعة الكاملة وغير المشروطة بالإضافة إلى تقبيل الأيادي وأعضاءَ أخرى من الجسد. يطالب هذا النظام بطاعة على الطراز القديم وبالأسلوب البروتستانتي، مع إذلال للذات وشعور دائم بالذنب؛ فهو يطالب بالخنوع الحقيقي و “الصادق”.

يبدو أنه ليس هناك أية حكومة، أية حكومة محبوبة، يمكنها أن تتجنبَ الإبادة، إن هي لم تخضع بشكل كامل.

وصل الأمر إلى درجة أنه إن لم تقم الحكومة، في بلدان نامية مثل الفليبين أو إندونيسيا أو أوغندة أو راوندة، بإرسال رسالة واضحة لواشنطن أو لندن أو باريس “أننا هنا ببساطة لكي نجعلكم، في الغرب، سعداءَ”، فإنها تجازف بالتعرض للتدمير، حتى لو كانت منتخبة ديمقراطياً، وحتى لو (في الحقيقة “وخاصة إذا”) كانت مدعومة من غالبية الشعب.

لاشيء جديد في هذا بالطبع. ولكن في الماضي كانت الأمور تجري بشيء من السرية. أما في هذه الأيام فكل شيء يحدث في العلن. ربما بشكل متعمد، بحيث لا يتجرأ أحد على التمرد، أو حتى على الحلم.

وهكذا تم حرف الثورة في مصر عن مسارها، وتدميرها، وخنقها حتى الموت. لم يبق هناك أي شيء مما يسمى “الربيع العربي”، باستثناء تحذير واضح: “لاتحاولوا مرة أخرى، وإلا.”

نعم، رأيتُ “النخب” المصرية ترقص وتحتفل بنصرها. النخب تحب الجيش. فالجيش يضمن استمرارهم في القمة، ويضمن سلطتهم. حتى أن النخب تحَمل أطفالها صورَ القادة العسكريين المسؤولين عن الانقلاب، المسؤولين عن آلاف الأرواح المزهوقة، المسؤولة عن تحطيم آمال وأحلام العالم العربي الكبيرة.

ما شهدته في مصر يبعث على القشعريرة، وهو شبيه بانقلاب 1973 في تشيلي (البلد الذي أعتبره “وطني الثاني أو الثالث”)؛ الانقلاب الذي لا أذكره لصغر سني، لكنني رأيت أفلاماً مصورة عنه مرة بعد أخرى برعب صامت ودائم.

“وإلا” يمكن أن تعني تعذيب الناس وقتلهم في البحرين. “وإلا” يمكن أن تكون إندونيسيا في 1965/66. أو يمكن أن تكون “انهيار الاتحاد السوفييتي”. “وإلا” يمكن أن تكون الطائرات المدنية وهي تنفجر في الجو؛ فقد تم تفجير طائرة كوبية من قبل عملاء “سي آي إيه”. يمكن أن تكون العراق المدمر المنهوب، أو ليبيا أو أفغانستان أو فيتنام أو كمبوديا ولاوس، التي يتم قصفها وإعادتها إلى العصر الحجري. “وإلا” يمكن بسهولة بالغة أن تكون بلداً مخرباً بالكامل مثل نيكاراغوا أو بنما أو جمهورية الدومينيك. أو “وإلا” يمكن أن تعني قتل عشر ملايين من الناس في جمهورية الكونغو الديمقراطية، من أجل مواردها الطبيعية ومقابلَ المواقف المعادية للإمبريالية لقائدها العظيم باتريس لومومبا.

الآن في مصر، تعود عصابة مبارك بسرعة إلى السلطة. كان “شيطاناً” موثوقاً فيه، وسرعان ما أدرك الغرب أن مشاهدته وهو يسقط يمكن أن تكون خطأ استراتيجياً كبيراً؛ ولذلك تم اتخاذ القرار بإعادته؛ إما بشكل شخصي، أو على الأقل عن طريق تركته، مقابل آلاف أرواح المصريين (التافهة)، وضد إرادة البلد برمته تقريباً.

ولا يمكن أيضاً السماح بسقوط الجيش في مصر. فقد استثمر الغرب مليارات الدولارات فيه، والعسكر يسيطرون الآن على نصف البلاد. وهي منظمة موثوقة جداً: فهي تقتل دون أي وازع أخلاقي أي كائن يحاول بناء مجتمع قائم على العدالة الاجتماعية في هذا البلد العربي الكبير. كما أنها تلعب مع إسرائيل. وهي تحب الرأسمالية.

بلدان يبعدان آلاف الأميال عن بعضهما البعض، وينتميان إلى ثقافتين مختلفتين، متموقعان في قارتين اثنتين: تايلندة ومصر. في كلا البلدين، تكلم الشعب. صوتوا لقادتهم. لا نتحدث هنا عن حكومة شيوعية، انتبهوا؛ بل مجرد حكومة معتدلة مهتمة بالمجتمع في تايلندة، وحكومة معتدلة قومية/إسلامية في مصر.

في كلتا الحالتين، تحركت النخب الاقطاعية والفاشية على الفور. وأعتقد أنه من الواضح جداً من يقف وراءها، ويمولها، ويدعمها “أخلاقياً”.

* * *

أوكرانيا ليست ضحية جديدة لآليات زعزعة الاستقرار التي يمارسها الاتحاد الأوروبي، الذي أصبح جشعاً إلى درجة مرضية بحيث لم يعد يستطيع ضبط نفسه. لعابه يسيل بغزارة وهو يتخيل الموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها أوكرانيا. إنه يرتعش من الرغبة ويحلم بالأيدي العاملة الرخيصة والمتعلمة.

الشركات الأوروبية تريد الدخول إلى أوكرانيا بأي طريقة ممكنة. ولكن عليهم ألا يسمحوا للقطعان الأوكرانية بالدخول إلى تلك القلعة المقدسة والعرقية بشكل كامل: “الاتحاد الأوروبي”. بوسع أوروبا أن تعمل تخريباً في كافة أنحاء العالم، لكنها متعصبة ووحشية مع كل من يريد أن يدخل و “يسرق وظائفها”.

بالطبع ليس بمقدور أوروبا أن تفعل في أوكرانيا ما تفعله بحرية في العديد من الأماكن الأخرى مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية. لا يمكنها بهذه البساطة أن تأتي وتدفع لبعض البلدان الوكلاء، كما تدفع لراوندة وأوغندة (المسؤولتين سلفاً عن مقتل عشر ملايين إنساناً في أقلَ من عقدين)، لتخريب أوكرانيا وقتل معظم المقاومين فيها.

أثبتت أوروبا، مرة بعد مرة، وعلى مدى قرون، أنها قادرة على إبادة أمم بأكملها بلا أي رحمة، (ودون أن تظهر أي ذاكرة تاريخية) وبلا أي مبادئ أخلاقية تقريباً، على الأقل مقارنة ببقية العالم. لكنها محتالة بارعة، وعلى النقيض من الولايات المتحدة، تعرف الكثير عن التكتيكات والاستراتيجية والعلاقات العامة.

مافعله الاتحاد الأوروبي في ليبيا واضح. وأي شخص يعتقد أن الولايات المتحدة تتصرف لوحدها لا بد وأنه يعمي عينيه عن الارتباط الوثيق بين مصالح وأفعال المغتصبين القدامى والجدد لإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وأوقيانوسيا. عادت فرنسا الآن إلى لعب دور المجرم الكولونيالي الجديد الأكبر، وخاصة في إفريقيا.

ولكن “هاهي” أوكرانيا، “شلفة حجر”، قريبة جغرافياً من الاتحاد الأوروبي نفسه. لا بد من زعزعتها، ولكن يجب أن يبدو الأمر شرعياً للغاية. “التمرد”، “الثورة”، “الانتفاضة الشعبية”؛ هذه هي الطريقة للتعامل مع الأشياء “بالشكل المناسب”.

منذ أكثر من شهر، تم اقتراح صفقة غريبة تدخل بموجبها الشركات الأوروبية وتنظف أوكرانيا من مواردها الطبيعية، ولكن لن يُسمحَ للشعب الأوكراني بالعمل في الاتحاد الأوروبي.

رفضت الحكومة، بشكل منطقي وعقلاني، هذه الصفقة. وبعد ذلك، وبشكل مفاجئ، ظهرت العصابات – على الطراز التايلندي أو المصري – في كافة شوارع كييف، مدججة بالعصي والأسلحة، وشرعت في تخريب العاصمة ومطالبة الحكومة المنتخبة ديمقراطياً بالاستقالة.

شملت مجموعات العصابات العديد من النازيين الجدد، والمعادين للسامية، والمجرمين العاديين. وقد شجعهم على ذلك خوف الحكومة الأوكرانية، على النمط التايلندي، من استخدام القوة. فراحوا يحرقون عناصر الشرطة، ويسدون مداخل المباني الحكومية ويحتلونها، ويمنعون الإدارة من تقديم الخدمات للناس.

على غرار أسلافهم “البرتقاليين”، تم تصنيعهم وتدريبهم بعناية قبل إطلاقهم إلى العالم الخارجي.

* * *

في أفريقيا، لنأتي على بعض الحالات فقط، تعرضت سيكيليس الصغيرة جداً – وهي بلد يتمتع بأعلى مؤشر تنمية بشرية – للنقد المتواصل ومحاولات الزعزعة. تقدم الحكومة عناية طبية ممتازة ومجانية تماماً، بالإضافة إلى التعليم المجاني. كما أن الحياة المعيشية والسكنية للشعب جيدة جداً. إنه بالتأكيد ليس مجتمعاً مثالياً لكنها، مع موريشس، الأفضل في القارة الأفريقية كلها. لكن هذا كله لاقيمة له.

تعمل الدعاية الخارجية، بالإضافة إلى الصحافة المعارضة المدعومة من بريطانيا، على تشويه سمعة النظام القائم.

يتساءل المرء عن السبب ثم، وبعد تفحص دقيق وفهمِ للإمبراطورية، سرعان ما تتضح الأشياء: كانت سيكيليس تتعاون مع كوبا وكوريا الجنوبية، في المجالات التعليمية وحقول أخرى. كانت “اشتراكية” جداً بالنسبة إلى الامبراطورية. وبالنسبة إلى أولئك المتقاعدين الباحثين عن الحياة الماجنة، من المقبول أن يحيط بهم اللون الأزرق، أو حتى البني، ولكن ليس الأحمر.

ربما تكون إريتريا، التي تسمى “كوبا الإفريقية”، بلداً فخوراً ومصمماً، ولكن تم تصنيفها كدولة مارقة من قبل معظم القوى الغربية. فقد خضعت للعقوبات وتمت معاقبتها لسنوات طويلة.

“نحاول أن نشرك الجميع، وأن نكون ديمقراطيين وعادلين”، قال لي مدير التعليم الإريتيري مؤخراً في كينيا. “ولكن كلما تراكمت إنجازاتنا، وكلما اهتمينا بشعبنا، كلما ازداد غضبُ البلدان الغربية.”

كان رجلاً حكيماً، ولهذا السبب لم يبدُ متفاجئاً. كنا كلانا “نقارن ملاحظاتنا”.

زيمبابوي حالة أخرى واضحة ومتطرفة. هناك، يدعم الغرب بشكل واضح “المعارضة” المناوئة للحكومة المحبوبة والمدعومة من قبل غالبية الشعب؛ حكومة النضال التحرري ضد الكولونيالية والإمبريالية.

بعد أن استفزتني الأكاذيب الشنيعة التي ينشرها الإعلام الجماهيري البريطاني بشكل خاص، قمت بزيارة زمبابوي السنة الفائتة، حيث عملت على دحض جميع نقاط هذه الدعاية، واحدة تلو الأخرى، والموجهة ضد هاراري. ليس هناك داع للقول إن تقريري، المنشور على موقع “كاونتربنتش”، أثارَ الاستياء من الدعاية الغربية في كافة أرجاء القارة الإفريقية.

يعمل الغرب على تغذية “التمردات” و “المعارضات” ضد فنزويلا وبوليفيا وكوبا والبرازيل والإكوادور، لنذكر بعض البلدان التي تحتل صدارة لائحة الاستهداف.

في فنزويلا، دعمت الولايات المتحدة انقلاباً تم إجهاضه، كما أنها تدفع بشكل مباشر للمئات من المنظمات، والمنظمات غير الحكومية، والوسائل الإعلامية، بهدف إسقاط العملية الثورية والحكومة.

وفي كوبا، طالما عانى شعب هذا البلد الفخور والإنساني لعقود طويلة. وطالما تحملوا ما يمكن تسميته بالإرهاب ضد بلدهم الجميل. عملت الولايات المتحدة والغرب على دعم الغزو والأعمال الإرهابية، وحتى محاولات التأثير في الأنماط المناخية وتوليد الجفاف المدمر. هذا كله إضافة إلى تسميم المحاصيل الزراعية.

أي “معارض” كوبي، أي مجرم يحمل السلاح ضد النظام الكوبي والحكومة، يتلقى على الفور التمويلَ والدعمَ من الولايات المتحدة.

وحتى الوسائل الإعلامية الغربية، التي تجري استفتاءات سرية في كوبا، غالباً ما تتوصل إلى النتيجة القائلة إن معظم المواطنين الكوبيين يدعمون النظام. لكن هذا يغضب الغربَ أكثر. يدفع الشعب الكوبي ثمناً باهظاً لحريتهم، لكرامتهم، ولاستقلالهم.

هناك أمثلة أخرى كثيرة عن كيفية بناء “المعارضة” والإرهاب ضد الحكومات “غير المرغوبة” (في نظر الغرب).

كاد البوليفيون أن يفقدوا مقاطعة سانتا كروز “البيضاء” اليمينية بسبب دعم، وربما تمويل، “الحركة الاستقلالية” هناك، بهدف معاقبة الحكومة الشعبية التي يرأسها إيفو موراليس لأنه اشتراكي جداً، ومحلي جداً، ومحبوب جداً. وفي استعراض للتضامن والعالمية هددت البرازيل بغزو وإنقاذ جارتها بهدف الحفاظ على وحدتها. وهكذا أنقذ وزن هذا العملاق المسالم والمحترم بوليفيا من الدمار المحتم.

ولكن الآن حتى البرازيل تتعرض لهجمات “صناع المعارضات”!

لاأريد أن أكتب التفصيل عن الصين هنا، في هذا التقرير. فالقراء يعرفون موقفي، ولكن بإيجاز شديد: كلما بنت الحكومة الشيوعية القطارات السريعة، والحدائق العامة، وآلات التمارين المجانية، وخطوط النقل العامة، والأرصفة العريضة، كلما حاولت تقديم العناية الطبية المجانية للجميع مرة أخرى، وكلما حاولت تقديم التعليم المجاني للجميع – كلما تعرضت للتشويه وقيل عنها إنها “أكثر رأسمالية من الدول الرأسمالية” (مع أن أكثر من 50% من إنتاج البلد في أيدي الحكومة).

وعلى غرار الصين وكوبا وفنزويلا، تتعرض روسيا للشيطنة بشكل مستمر، في كل يوم وفي كل ساعة. وأي أوليغاركي، أو أي شخصية شعبية معتوهة تتناول بالنقد حكومة الرئيس بوتين، سرعان ماتلقى التمجيد من قبل الولايات المتحدة وألمانيا والحكومات الغربية الأخرى إلى درجة التقديس.

والسبب في ذلك، بالتأكيد، ليس سجل حقوق الإنسان الروسي بل لأن روسيا‘ على غرار دول أمريكا اللاتينية والصين، تقف في وجه المحاولات الغربية لزعزعة وتدمير البلدان المستقلة التقدمية في كافة أنحاء العالم. كما يرجع ذلك إلى التأثير المتزايد للإعلام الروسي، وخاصة “روسيا اليوم” التي أصبحت الصوت الرئيسي في مواجهة الدعاية الغربية. ولاداع للقول إن كاتب هذه المقالة مرتبط بفخر بهذه المحطة والجهود التي تبذلها.

* * *

من المؤكد أن العالم يعيش الآن ما يمكن تسميته “الموجة الجديدة” لهجوم إمبريالي غربي. يُشن هذا الهجوم على كافة الجبهات، وهو في تسارع. فتحت زعامة الحائز على جائزة نوبل للسلام، باراك أوباما، وحلفائه من المحافظين الجدد الأوروبيين و “الاشتراكيين الفاشيين في جوهرهم”، إضافة إلى رئيس الوزراء الياباني المعاد انتخابه، يصبح العالم مكاناً في غاية الخطورة. يبدو مثل بلدة حدودية تتعرض للغزو من قبل عصابات مجرمة.

المفهوم الإنجيلي القائل “من ليس معي فهو ضدي” يكتسب بشكل متزايد عمقاً جديداً.

واحذروا من الألوان. احذروا من “الانتفاضات”، أو “الاحتجاجات” المناهضة للحكومات. أي منها حقيقي، وأي منها مصنَع من قبل الإمبريالية والكولونيالية الجديدة؟

يبدو الأمر مربكاً بالنسبة لغالبية الناس الذين يتغذون على ما يقدمه لهم الإعلام الرسمي المرتبط بالشركات العالمية. ومن المقرر أن يكون الأمر على هذه الشاكلة! فكلما ازداد الناس تشوشاً، كلما قلت قدريهم على التمرد ضد هذا القهر وهذه المخاطر المحدقة بهم.

ولكن في النهاية، وعلى الرغم من كل شيء، صوت الشعب التايلندي في الثاني من شباط/فبراير! تسلقوا المتاريس، وواجهوا أولئك الذين يحاولون إغلاق مراكز الاقتراع.

وفي أوكرانيا، لاتزال الأغلبية تدعم الحكومة.

ولم تسقط فنزويلا وكوبا.

ولم تتمكن العصابات الجهادية من السيطرة على سوريا بعد.

ولا تزال شعوب إرتريا وزمبابوي تقف خلف قياداتها.

الناس ليسوا قطيعاً. ففي العديد من بقاع العالم بدأ الناس يعرفون أعداءهم الحقيقيين.

 

عندما دعمت الولايات المتحدة الانقلابَ على تشافيز، رفض الجيش الانصياع، ومع أداء رجل أعمال مختار بعناية للقسم الرئاسي بدأ الجيش يحرك دباباته نحو كراكاس، دفاعاً عن القائد الشرعي المنتخب. وبقيت الثورة!

رحل تشافيز، ويقول البعض إنه سُمم، أنه حقن بالسرطان، أنه ضرب من الشمال. لا أعرف إن كان ذلك صحيحاً أم لا، ولكن قبل أن يرحل أخذت له الصور وقد بدا أصلعَ ومتعرقاً ويعاني من مرض لاشفاء منه، لكنه بدا مصمماً وفخوراً. كان يصرخ: “هنا لا يستسلم أحد!” وهذه الصورة، وهذه الرسالة ألهمَتا الملايين من الناس.

أذكر أنني، السنة الماضية في كراكاس، كنت أقف أمام لوحة كبيرة لوجهه، وهو يتلفظ بهذه الكلمات. شعرت أنني أريد أن أشكره وأعانقه لو استطعت، لوكان مايزال حياً. ليس لأنه كان كاملاً – لم يكن كذلك. ولكن لأن حياته وكلماته وأفعاله ألهمت الملايين، وسحبت أمماً بأكملها من لجة اليأس، من الكآبة والموت، من العبودية. هذا ماقرأته في وجهه:“يحاولون أن ينالوا منكم، لكنكم تقاتلون … تسقطون، لكنكم تنهضون وتقاتلون ثانية. يحاولون أن يقتلوكم، لكنكم تقاتلون … من أجل العدالة، من أجل بلادكم، ومن أجل عالم أفضل.” لم يقل تشافيز هذه الكلمات بالطبع، لكن هذا ما شعرت به وأنا أنظر إلى صورته.

لكن معظم أمريكا الجنوبية كانت حرة ومتحدة ضد الإمبريالية الغربية، ومن الصعب هزيمتها. أجل، هنا لم يستسلم أحد!

الكثير من الشعوب الأخرى العالم لاتزال ضعيفة جداً ومقيدة.

يعمل الغرب باستمرار على تصنيع ومن ثم دعم القوى الاستبدادية، سواء كانت هذه القوى إقطاعية أو دينية. فكلما تعرض الناس للقمع، كلما عجزوا عن القتال من أجل العدالة ومن أجل حقوقهم. وكلما كانوا خائفين، كلما كان من السهل السيطرة عليهم.

الإقطاع، والقمع الديني، والدكتاتوريات اليمينية المتوحشة، كل هذه تخدم على أفضل وجه سوق الإمبراطورية الأصولي وهوسه بالهيمنة على الكوكب.

لكن ترتيب العالم بهذا الشكل غير طبيعي، ولذلك فهو مؤقت. الكائنات البشرية تواقة للعدالة، وفي جوهرها جنسٌ محترم وتشاركي. توصل ألبير كامو، في روايته القوية “الطاعون” (التي تشكل دعوة رمزية لمحاربة الفاشية)، إلى هذه النتيجة: “الكائنات الإنسانية تثير الإعجابَ أكثر مما تثير الاحتقار”.

ما يفعله الغرب للعالم الآن، من إشعال النزاعات، ودعم اللصوصية والإرهاب، والتضحية بملايين البشر من أجل مصالحه الاقتصادية، ليس بشيء جديد. كل هذا اسمه: “الفاشية العادية”. أتت الفاشية وهزمت في الماضي. وسوف تُهزم مرة أخرى. سوف تُهزم لأنها على خطأ، لأنها ضد التطور البشري الطبيعي، ولأن الناس في كافة أرجاء العالم بدؤوا يدركون أن البُنى الإقطاعية التي يحاول الغرب تأسيسها في العالم كله تنتمي إلى القرن الثامن عشر، وليس إلى هذا القرن، وهم ليسوا على استعداد لتقبُلها مرة ثانية.

المحللون السياسيون العرب وهوس الـ Happily Ever After

الجمل ـ محمد صالح الفتيح: في القصص الخيالية، وفي الأفلام المقتبسة عنها، حيث يعيش الأبطال الأخيار صراعاً مع الأشرار، ينتهي بالطبع بانتصار الأبطال دوماً، تكون النهاية هي أن يكافئ البطل بأن يعيش، لوحده أو مع حبيبته البطلة، بسعادة وهناء، أو كما تقول أفلام ديزني، يعيشون في الـ Happily Ever After، التي يترجمها العرب “بثبات ونبات” . كانت إحدى إبداعات شركة ديزني هي أنها صورت في بعض أفلامها الـ Happily Ever After على أنه عالم قائم بحد ذاته، له حدوده وسكانه ونواميسه الخاصة، وليس مجرد حالة نفسية أو مرحلة زمنية. هذا العالم، وفق توصيف شركة ديزني، هو المكافأة الحتمية للأبطال الأخيار على جهدهم وعلى انتصارهم على الأشرار.


لاريب أن مثل هذا العالم، كما تصفه ديزني وكما تصفه القصص الخيالية، يسيل لعاب الحالمين والطامحين، ولكن، بدون ريب، لن يتم الحصول عليه بسهولة. ولكن ماعلاقة الـ Happily Ever After بالمحللين السياسيين العرب؟ الرابط في الحقيقة هو ملاحظة الأسلوب الذي يفسر وفقه كثير من المحللون العرب حوادث العالم من حولهم بحيث تكون نتيجة الأحداث، وفق تحليلاتهم، هي الوصول إلى الـ Happily Ever After الذي يحلم به المواطن العربي المعاصر الذي مافتئ يعيش أزمات متتالية، ومستمرة، منذ الثورة العربية الكبرى منذ حوالي قرن من الزمن؛ كثير من المحللين العرب يستمر في تكرار مثل هذه التحليلات حتى لو كانت تنافي المنطق أو قد ثبت عدم صوابها في الماضي. تصلح الأزمة السورية هنا كمثال صارخ على هذا النمط من التحليل. أتذكرون أعزائي القراء كم مرة تسابق المحللون على إعلان نهاية الأزمة السورية أو اقترابها من نهايتها، وربطوها بحدث هنا أو حدث هناك، كإعادة انتخاب أوباما، أو استقالة بندر، وضربوا لذلك مواعيداً وعدادات تنازلية ذات مئة يوم أو مئة ساعة؟ هناك مئات الأمثلة، في الحقيقة، ولكن لو قررنا الاكتفاء بأمثلة الشهرين الماضيين، لتوفير الوقت ولضيق المساحة، لقفز إلى ذهننا فوراً المحللون الذين تسابقوا في الحديث عن بنود التفاهم السعودي الإيراني وماقد يخرج عنه من انتخاب رئيس للبنان وحل للأزمة السورية وحل للأزمة النووية الإيرانية. تفتقت أذهان المحللين العرب عن كل هذا، وأكثر، فقط لأن سعود الفيصل قد دعا محمد جواد ظريف لزيارة الرياض، بالرغم من أن وزارة الخارجية الإيرانية كانت قد ذكرت صراحة أنها سمعت بهذا الدعوة من الإعلام فقط، ولكن لايهم فهؤلاء المحللون كان لديهم الخبر اليقين الذي لاتعرفه الخارجية الإيرانية نفسها عن الاتفاق التي ستتوصل هي إليه مع السعوديين!
تابع المحللون أنفسهم لأيام طويلة يقدمون تصوراتهم، وبعضهم لمح، أو ذكر صراحةً، أنه بحوزته تسريبات من مصادر موثوقة، حول تفاصيل التفاصيل في التفاهم السعودي الإيراني التاريخي، ولكن ماذا حصل فعلاً؟ استمرت الأزمة السورية وازدادت حدة، وخصوصاً في الجبهة الجنوبية التي يفترض أن السعودية تحرك، عبر الأردن، بيادقها هنا، وانفجرت الأزمة العراقية ووقف الشرق الأوسط على ساق واحدة يوم 10 حزيران عندما سقطت نينوى وأصبحت بغداد تحت تهديد الدواعش الذين تولت وسائل الإعلام السعودية عملية تنظيف صورتهم وتلبيسهم ثوب الثوار العراقيين الوطنيين اللاطائفيين. والواضح أن مثل هذه الأحداث تمثل هجوماً سعودياً صريحاً، وعنيفاً في الحقيقة، على إيران في العراق، الذي قد يجوز أن يوصف بأنه عقر دار الحلف التي تطمح إيران لبناءه، أو على الأقل هكذا تنظر إليه السعودية. ولكن هل غيّر هؤلاء المحللون تحليلاتهم؟ للأسف لم يفعلوا!
خرج بعض هؤلاء المحللون، مرة أخرى، للقول بأن مايحصل في العراق سيكون بداية للتفاهم الأميركي الإيراني باعتبار أنه في العراق يمكن لواشنطن وطهران أن تصطفا خلف شخص المالكي الذي يلاقي قبول الطرفين وأن مثل هذا الاتفاق سيمهد لحل الأزمات العراقية والإيرانية، وبالطبع، السورية أيضاً. هناك أيضاً أمثلة أخرى حديثة كثيرة، لعل أفضلها التصورات التي قدمها نفس هؤلاء المحللون لماقد يفعله جمال عبد الناصر الجديد ما إن يتولى سدة الرئاسة. تجاهل هؤلاء المحللون مشهد تقبيل السيسي لرأس الملك عبد الله مظهرين الانشغال بالأزمة العراقية المستجدة.
الشيء المؤسف هو أن مايفعله هؤلاء المحللون لايختلف أبداً عن مايفعله محللو الطرف الآخر، طرف المحللين المتمولين سعودياً وقطرياً وحريرياً، الذين يطلقون تحليلاتهم مدعيين امتلاكهم مصادر مطلعة ووثيقة الصلة بحزب الله وبالسيستاني وبخامنئي، وطبعاً، بكل القيادات المؤثرة في سورية، وتراهم يفسرون كل عطسة تحصل في سورية على أنها البداية الحتمية لتداعي النظام السوري. إذا ما اتفقنا أن ما يفعله أولئك المحللون هو عبارة عن ضحك على عقول جمهورهم فلماذا يتم تبني نفس الأسلوب مع جمهورنا؟ هل نحن مفلسون إلى هذه الدرجة؟ أو عاجزون عن قراءة مايحصل حولنا حتى نلجأ إلى مثل هذه الأساليب؟ حتى وإن بدا أن الخطوب قد ادلهمت من حولنا وأن المستقبل قاتم فلا شيء يبرر اختلاق الروايات والضحك على الذقون وعلى من يفتقد في نفسه القدرة على قراءة الواقع ورؤية الأمل فلينظر إلى الجيش السوري وجنوده وشهداءه. خمسون ألف شهيد فقير من هذا الجيش لايمكن أن يكونوا على خطأ ولا يمكن أن يكونوا قد استشهدوا لأنهم صدقوا رواياتكم وتطميناتكم. هم استشهدوا لأنهم قرروا أن يحولوا الحلم الجميل إلى واقع. ودمهم هو صدقهم وكذبكم مردود عليكم.

أين الشعب السعودي من نهر الدماء يسير من المحيط الى الخليج بأموالهم؟

أين الشعب السعودي من هذا الإرهاب الأعمى الذي يجتاح العالم العربي من المحيط إلى الخليج بأموالهم والبعض من شبابهم؟

أين أنتم من شلال الدماء الذي يغطي المنطقة بأموالكم؟

هل تظنون أن بوسعكم تجنب الدماء في المملكة من خلال التضحية بدمائنا؟

هذا النهر العظيم من الدماء التي تسفك بأموالكم ثقوا تماماً بأنها ستحرقكم طال الزمان أم قصر

لماذا لاتقفون بوجه أل سعود ليس لتثوروا عليهم فأنتم حرين بمن يحمكم ولاكن لتقولوا لهم كفى أرهاب كفى سفك لدماء الابرياء

الشعوب لن تنسى هذه الدماء البريئة التي تسفك بأموالكم وهذه المدن التي تهدم بأسلحتم وارهابيكم

قفوا بوجه الظالم وقولوا كفى قتل وخراب ودمار وتشريد ليكون لكم يد بيضاء في هذه الدول التي تستباح وتنتهك أعراضها وتهدم وتقتل شعوبها وتشرد نسائها واطفالها وشبابها وشيوخها

يا شعب السعودية قفوا وقولوا كفى فتنة كفى ارهاب كفى قتل كفى تشريد كفى دمار

نناشد نخوتكم وايمانكم وعروبتكم واصولكم وقبائلكم وكل عزيز عليكم

مواطن عربي

أزمة صامتة بين السعودية والإمارات بسبب الرئيس الأسد!

الرئيس السوري بشار الأسد

كشفت مصادر إماراتية رسمية عن أزمة صامتة بين السعودية والامارات, مشددة على ان هناك أسباب جدية للازمة أهمها الموقف من الملف السوري وإطاحة “حليف” الإمارات السعودي الامير بندر بن سلطان.

حيث بلغت الازمة حدها بعد ان أبلغت واشنطن الرياض مؤخراً ان ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد قال لوزير الخارجية الامريكي جون كيري خلال لقاء جمعهما أواخر العام الماضي ان الرئيس بشار الأسد “هو الخيار الأفضل لسوريا” على حد قول المصادر.

وتدعم السعودية بقوة خيار الاطاحة بالنظام السوري وهي تمول جماعات المعارضة التي تسميها بـ  “المعتدلة” في الداخل السوري، لإسقاط النظام ومواجهة التنظيمات السلفية “المتطرفة”.

وقالت المصادر ان ما اغضب الرياض من ابو ظبي أيضاً “هو اقتراب الاخيرة من روسيا التي رفضت كل محاولات السعودية للتخلي عن دعم الأسد”.

وأضافت انه في أعقاب الازمة الأوكرانية وبعد العقوبات التي فرضت على الشركات الروسية “تم تهريب 22 مليار دولار من موسكو الى ابو ظبي للإفلات من هذه العقوبات”.

وفي شان اخر، أوضحت المصادر ان رحيل “أصدقاء” ابو ظبي عن مقاعد حكم الرياض في إشارة الى رئيس الاستخبارات السابق الامير بندر بن سلطان وشقيقه سلمان وعديد الرجال المقربين منه، اثار استياء بن زايد “الذي شعر في لحظة ما انه بات بلا أصدقاء حقيقيين في العربية السعودية”.

وقالت المصادر “بعد إطاحة الأمير بندر، وشقيقه سلمان، تيقنت الإمارات خسارتها الكبيرة بإسقاط حليفها السعودي الأول (بندر) وتيقنت أكثر أنها باتت بلا أصدقاء داخل مؤسسة الحكم السعودية”.

وأضافت أن وزير الداخلية القوي محمد بن نايف “لم ينسَ الشتيمة التي وجهها ولي عهد أبوظبي لوالده الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز”، وهو احد أسباب الازمة المتنامية بين السعودية والإمارات.

وكان موقع ويكيليكس الشهير سرب برقية تعود إلى 2003، تحدث فيها محمد بن زايد بسخرية عن الأمير نايف بن عبد العزيز، وذلك خلال حوار دار بينه وبين دبلوماسي أمريكي.

وبحسب الوثيقة، التي نشرها موقع الجمهور في وقت سابق، شبه بن زايد الأمير نايف بأنه مثل “القرد”، قائلا أمام الدبلوماسي الأمريكي “الآن اقتنعت بنظرية داروين التي تقول إن الانسان يتطور من الأسفل إلى الأعلى”.

من جهة اخرى، مارست ابو ظبي منذ مطلع العام ضغوطا مباشرة وغير مباشرة على الرياض لإنهاء الخلاف القديم حول الاراضي المتنازع عليها عند الحدود الإماراتية السعودية لمصلحتها.

وهناك نزاع بين السعودية والامارات بشأن اتفاق حدودي وقع عام 1974، بعد فترة وجيزة من تأسيس دولة الامارات العربية المتحدة، تخلت بمقتضاه عن قطعة ارض كانت تربطها بقطر.

وظهرت ملامح هذا النزاع حديثاً عبر هجوم إعلامي مبطن شنه الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله على السعودية مطلع العام، قائلا ان “شهر العسل بين ابو ظبي والرياض قد يكون في طريقه الى التلاشي”.

وأضاف عبد الله المعروف بقربه من حكومة ابو ظبي “على السعودية ان تبادر الى تشكيل لجنة تحسم كليا ونهائيا الخلافات الحدودية العالقة، التي تعكر بين الحين والآخر صفو العلاقات بين البلدين”.

لن تتحمل الأكثرية طغيان وهيمنة الأقلية ..إنها أزمة (نجد) لا (الحجاز)!

محمد قستي

من مملكة حجازية مستقلة شاركت في تأسيس عصبة الأمم المتحدة، عاصمتها مكة المكرمة، ولها عملتها، وعلمها، وجيشها، ووزاراؤها، واداراتها، وصحافتها، ومؤسساتها الدينية، ومدارسها، وحدودها، وحتى أحزابها، ويتواجد فيها ممثليات دبلوماسية لدول عديدة عربية واجنبية بما فيها سفارة لبريطانيا واخرى لهولندا وثالثة لروسيا.. الى مملكة حجازية تابعة لنجد، بعد احتلالها وإقامة مجازر الطائف وغيرها بحق أهلها.. مملكة يرأسها ملك نجدي، خدع زعماءها ليهضمها ويحولها الى جزء من مُلكه، ويعيد أسلمة مجتمعها على الطريقة النجدية؛ فصار فيها مجلس شورى حجازي، واستولى المحتلون على جيشها، وعيّن ابن سعود ابنه فيصل نائب له ليحكمها، وجيء بقضاة نجد الى جانب قضاة الحجاز ليسهلوا عملية الصهر والضم القسري.

شيئاً فشيئاً تتحول مملكة الحجاز الى جزء من مملكة نجد برئاسة الملك السعودي، وليصبح مجلس شوراها الخاص بها ودستورها الخاص بها الى شراكة مع نجد وملحقاتها (التي هي في الواقع قلبها الاقتصادي/ ونقصد الأحساء والقطيف).

يختفي مسمى (مملكة الحجاز ونجد)، ليحل محله المملكة العربية السعودية، وليسيطر النجديون على كامل مفاصل اجهزة الحجاز، واعلامه، ومدارسه وحرميه الشريفين، ولينزوي رجال الحجاز الى هامش الحياة السياسية، عدا قلة كانت ملحقة بوزارة الخارجية او التعليم او الجيش الحجازي أصلاً، قبل ان يوجه فهد لهم الضرب القاضية اواخر السبعينيات الميلادية.

يأتي بعدها قمع ديني فتسود الوهابية وتلغي كل المذاهب الاسلامية، ويصبح الحرمين المنفتح بمدارسه ورواده ورجاله وقضاته وخطبائه ومؤذنيه بيد مشايخ الوهابية في نجد.

تغلق نجد المدارس الدينية غير الوهابية، فينتهي الجيل القديم من علماء الحجاز بلا تجديد او بدائل، فلا يوجد من يرثهم سوى مشايخ نجد الذين نجدنوا الحرمين والمقدسات، ونجدنوا القضاة، ونجدنوا الجيش، فعُزلوا منه، وتم تطفيش معظم السفراء وموظفي الخارجية ليحل محلهم النجديون.

تتحول المدينة المنورة الى قلعة نجدية، ويستولي النجديون على الأوقاف وعلى أملاك الناس، ويأتي آخرون فيحلوا ساكنين مكانهم.

ترتفع مدارس نجد في قلب الحجاز، ويُمنع ذكر اسم الحجاز واطلاقه حتى على مدرسة. بل ان النجديين صارت لهم مقبرة خاصة بهم، فلا يدفنون موتاهم في مقابر اهل مكة وإن ضمت صحابة وتابعين؛ لماذا؟ لأنها مقابر أهل الشرك! كانوا ولازالوا بنظر الوهابية.

يستولي النجديون على الأراضي في مكة ويصادرون الكثير منها بلا تعويض.

ترتفع الأبراج والفنادق خدمة للسيد النجدي.

ثم تتطور الأمور، فتُمحى هوية مكة والحجاز، ليس فقط بعد تدمير النجديين الوهابيين لتراث الإسلام الخالد الذي كان حيّاً طيلة التاريخ والى ما قبل الحكم النجدي، بل بمحو حارات مكة بحجة تطوير الحرم، فيشتت أهل مكة، عاصمة الحجاز، ويستولي الأغراب على الاراضي ليقيموا أبراجهم، فيما يرحل المكيون عن بلدهم الى مدينة جدة.

يتواصل التدمير النجدي لكل معالم الحجاز، فبعد ان كادوا ينهون نجدنة المدينة المنورة، يتم خلال سنوات قليلة فقط نجدنة مكّة المكرمة بتشتيت اهلها ومصادرة الأملاك وتغيير معالمها الجغرافية، الى حد تدمير الرواسي من الجبال وتحويلها الى أملاك للأمراء ومشايخهم وتجار نجد الذين لا يشبعون.

ترى أي جريمة اقترفنا حتى يعاقبنا الله ويعاقب المسلمين بهذا البلاء الوهابي النجدي؟

الجريمة كل الجريمة تكمن في كلمة واحدة: (الصمت) عن جرائم آل سعود، والصبر الذي لم يعد فضيلة في بلد يسحق الفضائل. انه سكوت عن الظالم ما شجعه على المزيد من الظلم والإجرام.

إنها أزمة دولة تحكمها أقليّة

جذر مشكلة السعودية ليس فقط في الإستبداد بمعناه السياسي العام فقط؛ بل في حقيقة انها لم تتحوّل الى دولة حقيقية بعد.

كيف يمكن لأقلية نجدية لا يصل عدد سكانها الى ربع السكان ان تحكم البلاد وتملك ما فيها وتسيطر على كل شيء من ثقافة ودين واعلام ومال وسلطة وجيش وقضاء وتعليم وغيره، دون ان ينبس احد ببنت شفة؟ والى متى يتوقع النجديون ان الأكثرية ستبقى صامتة؟

بل كيف يتوقع طغاة آل سعود وحاشيتهم المناطقية أن يصدقهم الناس في الحديث عن المساواة في المواطنة، وهم يستأثرون بالسلطة والحكم والثروة، ويكفرون الآخرين ويستصغرون شأنهم مناطقيا وقبلياً ومذهبياً كمبرر لإقصائهم؟

كيف تكون هناك دولة بلا هوية وطنية سوى هوية أقليّة حاكمة تريد ان تفرض هويتها على الأكثرية.. هويتها المناطقية وإرثها الديني المتعصب الذي يكفر الآخرين.

كيف يعتقد الحاكم النجدي وشلّة مشايخه التكفيريين استدامة حكمهم بالقوة فقط، وقبول منطق الحكم لمن غلب؟

وحتى اذا استطاعوا ان يحكموا بالقوة، فإنهم أعجز ان يفرضوا على الناس خياراتهم الثقافية، وأن يحوّلوا الهوية النجدية الى هوية وطنية.. هذا مستحيل.

الأسوأ في كل هذا، أن يأتي آل سعود وطبّالوهم ليفتونا في الوطنية، وليوزعوا صكوكها على من يريدون، وهم من يخرقها طولا وعرضاً. والأكثر سخافة ان احداً حين يهمس ببنت شفة، يعتبر عدواً للوحدة الوطنية!

لا غرو ان يصبح مجرد ان يلبس حجازي العمامة، نذير خطر لدى الحكم الأقلوي النجدي الوهابي. وكأن العمامة أداة احتجاج، أما العقال النجدي فمؤشر ولاء للحكم!

كل من يخرج على الحكم النجدي او يعترض عليه بأداة ثقافية، ولو كان بنشر سطرين عن كيفية تحضير طبق طعام حجازي، عنصرياً لدى علية القوم النجديين، الذين قسموا الشعب الى طرش بحر (حجازيين) و (يهود زيود على حيود) و (شيعة روافض) ولم يبق سواهم موحدين من ذوي الدم الأزرق!

لم يعد اليوم مقبولاً أن تفرض نجد خيارها الثقافي الأقلوي على الشعب؛ فثقافة التكفير والقطيعة والتشدد لا يمكن ان تستوعب شعباً متنوعاً.

ولم يعد اليوم مقبولاً ان تبقى السلطة وغنائمها في يد أقلية نجدية. وسيعترض البقية وسيرتفع صوتها لأنها تمثل الأكثرية.

يستحيل ان يسكت المواطنون على نجدنة الدولة، ووهبنة الثقافة مهما كان القمع.

الوحدة القسرية التي جاءت بها نجد، لم تصبح اختيارية بعد، ولن يختار عاقل أن تحكمه أقلية وتستفرد بالسلطة والثروة وتجوّع بقية المناطق، وتفرض خيارها المذهبي الطائفي وشوفينيتها المناطقية.

هذا الكلام الصريح المؤلم هو ما يجب أن يسمعه طغاة نجد الدينيين والسياسيين معاً.

واذا لم تتم المراجعة، فلا هوية وطنية ستقوم، ولا وحدة ستدوم. لأن ما يجري خلاف قدرة المرء على التحمّل، فكيف بأكثرية تتعمّد أحياناً الصمت، وهي تغلي كالمرجل؟!

حين يفتح الحجازي فمه معاتباً أو متألماً من الضيم والقهر.. تقوم قيامة السيّد النجدي وأدواته؛ ذلك ان الحجازي الجيّد هو الحجازي الميّت الذي يتعامى عما يجري حوله، ويقبل بسيادة الأقلية؛ ويصمت عن تدمير تراثه وهويته.

مجرد النقد الخفيف، يؤدي الى حشد رسمي نجدي في الصحافة والإعلام، وتبدأ الإتهامات العنصرية، وكأن الحجاز صارت جزءً من نجد؛ ويصبح سكانها أجانب يجب طردهم، وليس طرد الغازي المكفراتي. وفجأة تستيقظ لغة الوطنية عند أعدائها وأعداء الشعب، يصبح كل الشعب غير وطني إن رفض المهانة، ويصبح ممزق الوحدة الوطنية، والمستولي على خيرات البلد، هو الوطني؛ ويصبح المكفراتي ممثلاً للإسلام الصحيح. ثم تبدأ التهجمات بالعمالة للأجنبي ضد من يقف بوجه هذا النظام الطاغي، فلا تبقى له من كرامة، باعتباره عدواً للوحدة الوطنية؛ وكأنّ هناك وحدة أصلاً، غير وحدة السيف والقمع.

مشكلة الحجاز مع نجد قديمة قبل الإسلام حتى.

مشكلة نجد مع الجميع، فهي تريد ان تسود بمذهبها وبرجالها وثقافتها على الآخرين دون أن تمتلك من المؤهلات سوى (السيف الأملح) والمذهب التكفيري الذي يبرر قتل الآخر والإستيلاء على أرضه وهتك عرضه، وهو ما فعلوه في كل المناطق التي احتلوها.

مشكلة الحجاز مع نجد ليس استبداداً سياسياً فحسب، بل الهيمنة النجدية والإستحواذ، وفرض الثقافة الواحدية على الأكثرية.

لازال الحجاز أكثر تعداداً في السكان؛ ولازال أكثر تحضراً، وأكثر قرباً من روح الإسلام، وحضارة الإسلام، ورحمة الإسلام.

أقصي الحجازيون عن أجهزة الدولة، ومنذ عهد فهد صارت البلاد كلها نجدية، وكلها مفتوحة على مشاريع الوهابية النجدية المتعاضدة مع المستبد السياسي السعودي.

هذه هي أزمتنا جميعاً!

منطقة تستولي على كل المناطق وتريد ان تواصل حكمها لها بالقوة معتمدة على أحقية تمثيل الدين الصحيح! وعلى (حُكم الغَلَبَة) الذي لا يمنح شرعية لحكم ولا لسلطة ولا لمؤسسة دينية رسمية لاتزال يستفزها أن أكثر اهل الحجاز، بل أكثرية المواطنين، ترفض أن تكون ممثلاً لهم.

تتعالى الأصوات النجدية في الفترة الأخيرة ضد ما تسميه (الخطر الحجازي). لكن الخطر الحقيقي على دولة النجديين ليست من الحجازيين بقدر ما هو الخطر آتٍ من أنفسهم.

هم من يرفضون التنوع الثقافي في البلد.

هم من لا يقبل بالشراكة الدينية.

هم من يقوّض أيّ محاولة لبعث هوية وطنية.

هم باستئثارهم بالسلطة بكل حمولتها من يؤجج طغيان القمع.

هم بمذهبهم من يخنق المجتمع ويبعث على الكراهية والعنف ويصدّر الفائض منه الى الخارج.

هم من يدمر تراث الإسلام في الحجاز، ويشرد أهله، في عمل يشابه مذابح الهوية التي شهدناها في أكثر من بلد من العالم، من أجل إضعاف الآخر، وتأكيد الهوية النجدية على كل شبر من الأرض.

هذه معادلة لا يمكن قبولها.

إما أن تتغير نجد ان كان فيها من عقلاء؛ وإلا فلا ينتظرون من أحدٍ تحمساً لوحدة قسرية تهيمن عليها أقلية ظالمة.

ما هكذا تُبنى الأوطان أو تحفظ.

وما هكذا نقبل بعد اليوم أن تعيش أجيالنا بعد قرن من الضيم والحرمان والإمعان في إضطهاد الآخرين.

أميركا… تركيا… داعش… شراكة أم عداء؟


إذا لاحظتم أن تنظيم داعش يدخل إلى القرى الشيعية والسنية بعرباتهم ويطلقون الرصاص على المارّة ويقطعون الرؤوس ويسوقون صور إجرامهم في الإعلام ليكون بمثابة دعاية لهم. إنهم مجموعة من الأشخاص المنحرفون.
في سوريا يعتقد وجود أكثر من مئة ألف متطرف يقاتلون في صفوف 200 تنظيم إسلامي متشدد مختلف ضد الجيش السوري بقيادة الرئيس بشارالأسد. وأكبرهم جبهة النصرة بخمسة عشر ألف مقاتلاً ويليه تنظيم داعش بسبعة آلاف مقاتل. ولكن أساليب القتل والتعذيب لدى داعش كافية لتصنيفه الأقوى بين جميع هذه الأحزاب والتنظيمات والألوية.
مهما حاول الإعلام التركي المقرب من الحكومة تنسيب داعش إلى إيران, ولكن الحقيقة أن داعش يتلقى الدعم من السعودية وقطر وتركيا. والعامل المشترك بين هذه البلدان هو العداء المشترك اتجاه الأسد والمالكي وإيران.

على ماذا تدل سيطرة داعش على الموصل:
صرّح رئيس البرلمان العراقي (السني) أسامة النجيفي بأن الموصل تواجه إرهاب كبير. وبذلك طلب المساعدة من الولايات المتحدة الأميركية ومن بشمركا البرزاني.
كما طلب رئيس الحكومة العراقية (الشيعي) نوري المالكي من الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي ومن الجامعة العربية مساعدة بلاده في مواجهة الإرهاب. كما أنه قام بتسليح العشائر في الأنبار لمواجهة داعش بعد أن قطع أمله من الجيش العراقي.
تعتبر الموصل إضافةً إلى كركوك من أهم مراكز إنتاج النفط في العراق. كما أنها ثاني أكبر مدينة فيها. منذ عام 2003 نزح إليها وسكنها عدد كبير من أكراد كردستان العراق. كما تعتبر كلاً من الموصل وكركوك بلد الأجداد لتركمان العراق. ولكن بعد احتلال العراق عام 2003 لم يبقى فيها أتراك أو تركمان إلا عدد قليل.
في الفترة الأخيرة وضع البرزاني عينه على الموصل وكركوك ولكن لم يتلق الدعم اللازم من أميركا وإسرائيل.
إن مدينة الموصل ليست قلب العراق السنية فحسب, فهي مركز النضال والمقاومة عبر التاريخ. والآن يتصارع فيها داعش مع الأكراد. ولكن أطراف الصراع الأصليون أكبر من هؤلاء. نستطيع الكلام عن الحرب في الموصل على أنها شبيهة بحرب الوكالة في سوريا (Proxy War). فالحكومة العراقية المدعومة من قبل إيران غير جاهزة للتضحية بالموصل وتركها لتنظيم داعش.

لم تضع تركيا تنظيم داعش في قائمة الإرهاب:
كما الشيعة, كذلك الأكراد ضمن هدف تنظيم داعش. تذكرون الصور التي نشرناها قبل عدة أيام للداعشي الذي يقوم بمهاجمة أحد المواطنين الأكراد في قلب إسطنبول على مرأى الشرطة التركية.
قامت تركيا بوضع جبهة النصرة على لائحة التنظيمات الإرهابية ولكنها لم تضع تنظيم داعش على لائحة الإرهاب. وذلك يفتح المجال أمام التحليلات التي تفيد بأن الحكومة التركية تفضل تنظيم داعش في المنطقة. كما أن ذلك سبب كافٍ لتكذيب الإعلام الحكومي الذي يقول بأن تنظيم داعش مدعوم من قبل النظام السوري والإيراني.

يظهر في الصورة أعلاه عناصر من تنظيم داعش وهم يجرون تكتيكات استراتيجية على الخريطة بهدف تطهير بعض المناطق في سورية من عناصر وحدات الحماية الشعبية الكردية الـYPG. والملفت للانتباه هو استخدامهم للغة التركية في وضع العلامات على الخريطة. وبحسب ادعاء أكراد سوريا أنه يوجد عدد كبير من الأتراك يقاتلون في صفوف تنظيم داعش ضد النظام السوري.

تضليل الجزيرة يطال السياسة التركية:
كانت قناة الجزيرة هي مصدر خبر “وضع الحكومة التركية تنظيم داعش في قائمة المنظمات الإرهابية”. ولكن هذا كان مجرد كذبة. فلم يتواجد اسم داعش في قائمة المنظمات الإرهابية لدى مديرية الأمن العام ولا لدى الخارجية التركية. حتى أنه لم تقم أي وسيلة إعلام تركية بنشر هذا الخبر.
أستغرب كيف لإعلامنا يلحق بأكاذيب قناة الجزيرة. ألا يعرفون أن الجزيرة ليست مجرد جهة إعلامية عادية؟ ألا يعرفون أنها آلة تابعة للـCIA تنفذ عمليات الـCIA النفسية من قطر؟
فعلوها في ليبيا وضحكوا على الناس بالديكورات المزيفة. وأظهروا الناس الذين قتلهم تنظيم القاعدة على أن النظام السوري هو من قتلهم. من يتخذ الجزيرة بوصلة له, لن يتخلص من الكذب.
أعتقد أن موضوع المراسلين الدبلوماسيين لم يعد موجود في تركيا. أستغرب كيف لا يخرج أحد من المراسلين الدبلوماسيين, الذين ينامون ويقومون مع وزير الخارجية, ليسألوه ؛ يا أخي هل أعلنتها أم لم تعلنها ضمن المنظمات الإرهابية؟
حمداً لله خرج أحدهم وسأل… قدم نائب الرئيس العام لحزب الشعب الجمهوري سزكين تانريكول مذكرة استجواب لنائب رئيس الوزراء بولينت أرينتش سأل فيها عما إذا وضعوا تنظيم داعش ضمن المنظمات الإرهابية أم لا. تضم مذكرة الاستجواب أسئلة مهمة جداً:
1.    هل تم إعلان تنظيم داعش من قبل تركيا أنه منظمة إرهابية؟
2.    إذا أعلن, ما هو رقم وتاريخ القرار الوزاري لذلك, وبأي صحيفة رسمية تم إعلان ذلك؟
3.    هل يملك تنظيم داعش أملاك في تركيا؟ إذا وجدت ما هو مجموع مقدار أملاكهم؟
4.    هل تم تجميد أملاك تنظيم داعش في تركيا؟ اذا جمدت, ما هو رقم وتاريخ القرار الوزاري لذلك, وبأي صحيفة رسمية تم إعلان ذلك؟

هل كركوك هي هدف أمريكا التالي؟
بعد سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم, وبعد بقاء الأسد على عرشه لولاية دستورية أخرى, هل تجري أميركا حساباتها البديلة في الموصل وكركوك؟
بعد سيطرة داعش على الموصل, اتجهت الآن نحو كركوك. وفي وجه هذا الإرهاب يطلب البرلمان العراقي الدعم من أميركا وتطلب الحكومة العراقية المساعدة من العشائر. هناك أنباء عن وصول جنود أميركيون إلى بغداد من القاعدة العسكرية الأميركية في قطر.

ليس من المنطق ترك الموصل وكركوك, اللتان تخبئان كنزا من النفط في باطنهما, تحت رحمة عناصر داعش التي يعتقد بأنها تملك 5-10 آلاف عنصر في هاتين المدينتين فقط.
دائما كما عرف عن تنظيم القاعدة بأنه يعمل لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية. أمّن الجو المناسب والحجة الكافية لأميركا في أحداث 11 أيلول. حارب في ليبيا وسوريا ضد نظامي القذافي والأسد. ومؤخراً يحاول الحفر تحت كرسي المالكي المقرب من إيران.
إن الأحداث الجارية الآن هي سيئة بالنسبة للبرزاني بقدر ما هي سيئة بالنسبة للمالكي. منذ فترة طويلة يقوم البرزاني بالتعاون مع تركيا بأعمال تهريب النفط. وذلك لم يكن يرضي أميركا. الواضح بأن أميركا سوف تلغي البرزاني الذي وضع عينه على كركوك. وعلى ما يبدو أن الجيش الأميركي سينفذ عملية مشتركة مع الحكومة العراقية وسينظف الموصل وكركوك من تنظيم القاعدة وسيستقر هناك. وسيعرض النفط العراقي إلى الأسواق العالمية ضمن رقابة شركات النفط الأميركية. والأهم من ذلك سيخف التأثير الإيراني في العراق بنسبة كبيرة.
يدعي الباحث والصحفي فكرت أكفيرات أن عملية احتلال الموصل قد حضر لها منذ فترة طويلة بتخطيط مشترك بين أميركا وحزب العدالة والتنمية والهاشمي والنجيفي.
إن داوود أوغلو (كيسنجر تركيا المزيف), الذي ورط الشعب التركي بسخافات نظرياته” العمق الاستراتيجي” و”العثمانية الجديدة” و”الصفر مشاكل”, لم يلفظ أبداً في خطاباته وتصريحاته بأن تنظيم داعش قاطعي الرؤوس وآكلي الأكباد هو تنظيم إرهابي.

في برقية وصلت من القنصلية التركية في الموصل إلى أنقرة كتب فيها: «لا تقلقوا. تنظيم داعش أصدقاء لنا».
وتدعي الحكومة التركية أنها تحامي عن تركمان العراق… دعوكم من ذلك. فهم طائفيون لدرجة أنهم لا يعرفون سوى الدفاع عن التركمان السنة. فعندما كانت أميركا تقتل التركمان الشيعة في تل عفر, لم يجرأوا على رفع رأسهم حتى. واليوم أهالي تل عفر يتحضرون للدفاع عن أنفسهم من هذه الوحوش البربرية.
هذه هي النقطة التي وصلت إليها الرجعية في تركيا. إن ما يسمى بالعمق الاستراتيجي والعثمانية الجديدة ليست سوى تنظيم القاعدة. وخصوصاً تنظيم القاعدة التي تستخدمها أميركا وإسرائيل. لم يتغير شيء منذ أيام حكمتيار إلى اليوم. كلا الإسلام المتشدد والمعتدل في الطريق ذاته. كلاهما في طريق خدمة الإمبريالية.

( الجمل ـ عن موقع: أوضا تي في التركي)

تقويض العصبة السديرية في السعودية الملك يدير لعبته بهدوء

منذ تتويجه ملكاً في 2 أغسطس 2005، خلفاً لأخيه غير الشقيق فهد بن عبد العزيز (توفي في 31 يوليو 2005) رسم لنفسه سياسة تقوم على أساس تغيير معادلة السلطة، وقرر وضع قواعد جديدة لانتقال الحكم تنطلق من خلفية شبه واضحة في كونها غير منسجمة مع توجّهات الجناح السديري المنافس الرئيس له. وكان التقليد السائد منذ أيام الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة السعودية، باستحداث منصب (نائب ثانٍ) عنه، حيث أصدر أمراً ملكياً سنة 1941 بتعيين نجله سعود ولياً للعهد ومن بعده فيصل، حيث سرى التقليد في العهود السابقة، فكان خالد بن عبد العزيز نائب ثان للملك سعود، ولكن بعد تولي فيصل العرش وانشاء مجلس الوزراء، بات منصب النائب الثاني ينطبق على ولاية العهد ومجلس الوزراء، منذ توحيد منصب الملك ورئاسة مجلس الوزراء في عهد الملك فيصل سنة 1964، فكان فهد أول نائب ثانٍ لرئيس مجلس الوزراء.

ولكن بقي منصب النائب الثاني في عهد الملك عبد الله شاغراً لأربع سنوات، وكان السبب واضحاً أن الملك لم يشأ اختيار شخصية من الجناح السديري بما يمكّنه من بسط سيطرته على مفاصل الدولة في المرحلة المقبلة بما يشكل تهديداً مستقبلياً لجناحه، بعد موته.

توصل مستشارو الملك الى فكرة ذكية، وتحمل بشارة الى الاجنحة الأخرى المهمّشة داخل العائلة المالكة، وهي الاعلان عن تشكيل هيئة البيعة في 20 أكتوبر 2006 برئاسة الأمير مشعل بن عبد العزيز، والتي أريد منها تأجيل البت في مسألة تعيين النائب الثاني، وتفويض الهيئة باختياره ولكن بعد موت الملك. وفكرة الهيئة تقوم على بناء تحالف داخل العائلة المالكة ضد الجناح السديري وإشراك الأطراف الأخرى التي كانت مهمّشة أو التي قررت بمحض إرادتها وبسبب تبدّل قواعد اللعبة في العائلة المالكة الا أن تخوض صراعات السلطة بأن تعود الى الحلبة وأن تشارك على الأقل في دعم هذا الجناح أو ذاك.

صدر الأمر الملكي في 10 ديسمبر 2007 بتكوين هيئة البيعة من أبناء عبد العزيز وأحفاده وعددهم 35 أميراً، وبرئاسة الأمير مشعل بن عبد العزيز. وأوضح البيان الصادر عن الديوان الملكي الخاص بالأمر الملكي بأن نظام هيئة البيعة لا يسري على الملك وولي العهد الحاليين.

وبحسب اللائحة التنفيذية التي تحدد آليات تطبيق نظام هيئة البيعة بعد عام من إصداره، فإن مدة عضوية الأمراء المعيّنين أربع سنوات غير قابلة للتجديد إلا إذا اتفق إخوة العضو المنتهية ولايته على ذلك، وبموافقة الملك.

وبحسب اللائحة، يقترح الملك على هيئة البيعة، إسماً أو إسمين أو ثلاثة أسماء لمنصب ولي العهد. ويمكن للجنة أن ترفض هذه الأسماء وتعيّن مرشحاً لم يقترحه الملك. وفي حال لم يحظ مرشح الهيئة بموافقة الملك فإن (هيئة البيعة) تحسم الامر بأغلبية الاصوات بعملية تصويت يشارك فيها مرشحها ومرشح يعينه الملك وذلك في غضون شهر.

وصف الأمر الملكي حينذاك بأنه يأتي استجابة لتحديات تطوير نظام الحكم السعودي، وحماية للوحدة الوطنية، وأن نظام هيئة البيعة يأتي ليستكمل الانظمة الثلاثة: نظام الحكم، نظام مجلس الشورى، نظام مجلس المناطق. وأمام توصيفات من هذا القبيل يصبح الكلام عن صراع على السلطة أو نزوع نحو استبعاد جناح من معادلة الحكم في المستقبل أمراً غير وارد، طالما أن الأهداف السامية هي المحرّك الرئيس ورراء تشكيل الهيئة. والحال، أن الطرفين المتصارعين: الملك والجناح السديري يعلمان علم اليقين أن الهيئة لم تتشكل الا من أجل تفادي وصول عضو سديري الى ولاية العهد وبذلك تصبح الدولة سديرية بامتياز.

بقي منصب النائب الثاني شاغراً من بعد تأسيس الهيئة لنحو سنتين. وفي حقيقة الأمر، أن الاحتفالية التي رافقت الاعلان عن هيئة البيعة كانت مفتعلة، وربما شعر بذلك أولئك الذين انغمسوا في تلك الاحتفالية مدحاً واطراءً بصورة مبالغة لقرار تشكيل هيئة البيعة ثم وجدوا أنفسهم مضطرين لأن يستخدموا الأسلوب ذاته في المديح والإطراء لقرار يتناقض مع بنود الهيئة بتعيين الأمير نايف نائب ثان، فيما ظهر لاحقاً أن عملية تسويّة شاملة تجري في الخفاء بين الملك عبد الله والأمير نايف.

وجد أعضاء هيئة البيعة أنفسهم إما في وضعية شهود زور أو في وضعية التقاعد المبكر، فقد فقدت الهيئة وظيفتها في مرحلة مبكرة، وبدا أنها لم تتأسس على قناعة من الملك أو من أي من الأمراء الكبار، بل كانت أداة لمهمة محددة ولمدة محدّدة، وربما سوف تبقى كذلك كلما اندلع نزاع داخل العائلة المالكة، وقد تكون بمثابة بديل عن مجلس العائلة الذي لم يكتسب صفة قانونية، ما يجعل الهيئة بديلاً عن المجلس ويتحوّل الى ما يشبه هيئة لفض المنازعات داخل العائلة المالكة.
بعد الإستئثار بالسلطة.. لن يكون صوت طلال النافر الوحيد

مهما يكن، فإن أول ضربة وجهّها الملك عبد الله لهيئة البيعة كان في 27 مارس 2009، بإصداره أمراً ملكياً بتعيين الأمير نايف بن عبد العزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، واحتفاظه بمنصبه وزيراً للداخلية. كانت هذه الخطوة كافية لأن تضع نهاية للدور المنوط المعلن بهيئة البيعة، لأن مجرد تعيين نائب ثاني للملك يعني لا دور منتظر من الهيئة بتعيين ولي العهد في حال موت الملك، فقد تثبّت مكان ولي العهد المقبل، وهذا ما حصل لاحقاً.

لم يكن تعيين نايف في هذا المنصب مجانياً، أو دون مقابل، فقد عقد الملك ونايف صفقة تقوم على تقاسم المناصب بين أبنائهما، وفي الوقت نفسه نزع بعضها الآخر من الجناح السديري، كما سوف يظهر ذلك في وقت لاحق.

لابد من الإشارة هنا الى أن الصفقة لم تتم الا بعد أن بات معلوماً لدى الملك والجناح السديري بأن ولي العهد آنذاك، أي الأمير سلطان يقضي أيامه الأخيرة بعد أن تمكّن السرطان ن جسده، وصار منغمساً في رحلات العلاج والاستجمام طيلة تلك الفترة ما أبعده عن شؤون السلطة بصورة شبه كاملة.

وفي 22 أكتوبر 2011 أعلن الديوان الملكي عن وفاة الأمير سلطان، ولي العهد ووزير الدفاع، وصدر أمر ملكي بعد إشعار من رئيس وأعضاء هيئة البيعة باختيار الأميرر نايف ولياً للعهد وتعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزير للداخلية. واستند البيان الصادر عن الديوان الملكي على النظام الأساسي للحكم ونظام هيئة البيعة، ثم أعقب ذلك: وبعد أن أشعرنا سمو رئيس وأعضاء هيئة البيعة، فقد اخترنا صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد وأمرنا بتعيين سموه نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للداخلية .

ثم وجّه الملك الأمراء بمبايعة نايف ولياً للعهد، فيما أدّى الأمير عبد الله بن فيصل بن تركي الأول بن عبد العزيز والأمير بندر بن مساعد بن عبد العزيز القسم كعضوين جديدين في هيئة البيعة. وكان في ذلك لفتة الى ضرورة حشد أكبر عدد من الأصوات الداعمة لقرار الملك عبر هيئة البيعة.

ربما كان الأمير طلال بن عبد العزيز، الصوت النافر في الهيئة وفي العائلة المالكة، وهو من جهر بمعارضته بالاستمرار في أن يكون مجرد أداة في صراع الأجنحة أو ختم للمصادقة على قرارات الملك، ولذلك قدّم استقالته في 16 نوفمبر 2011، أي بعد مرور ثلاثة أسابيع على تعيين نايف ولياً للعهد. وكان طلال قد اعترض على تعيين نايف نائباً ثانياً في عام 2009 وقال بأنه كان ينبغي استشارة الهيئة قبل اتخاذ هذا القرار، وقال في بيان أرسله بالفاكس لرويترز في 2009 أنه يدعو الديوان الملكي الى توضيح ماذا يعني بهذا التعيين وانه لا يعني أن الامير نايف سيصبح ولي العهد.

ولكن بعد تعيين الأمير نايف ولياً للعهد، ما يحسبه الأمير طلال تجاوزاً آخر لدور الهيئة قرر المجاهرة باعتراضه عن طريق تقديم استقالته بصورة علنية. وذكرت هيئة البيعة في موقعها على الانترنت ان الأمير طلال استقال من الهيئة.

كان من الواضح أن صفقة جرت بين الملك عبد الله والأمير نايف تقضي بتقاسم المناصب بينهما ونقل بعضها الى الأبناء. وسوف نجد كيف أن الملك حصل على امتيازات له ولجناحه في مقابل تنازلات كبرى قدّمها الجناح السديري كثمن حصول نايف على ولاية العهد.

فمن جانب الأمير نايف، صدر أمر ملكي في 3 يوليو 2011 بتعيين نجله سعود مستشاراً له بمرتبة وزير. وصدرأمر ملكي آخر في 6 نوفمبر2011 بتعيينه رئيساً لديوان ولي العهد ومستشاراً خاصاً له بمرتبة وزير. وفي المقابل، أعلن في اليوم نفسه عن سلسلة أومر ملكية باسناد رئاسة عدد من المجالس واللجان الى رئاسة مجلس الوزراء، أي الملك، ونيابة ولي العهد، أي نايف.

ومن بين الأوامر الملكية، إعفاء الإمير عبد الرحمن بن عبد العزيز من منصبه نائباً لوزير الدفاع وتعيين الأمير سلمان وزيراً للدفاع والأمير خالد بن سلطان نائباً له.

من جهة ثانية أضيفت سلطات جديدة للملك ونائبه، فأصبح رئيس الوزراء، أي الملك، يتولى:

ـ رئاسة اللجنة الوزارية للتنظيم الاداري ويكون نائب رئيس مجلس الوزراء نائباً لرئيس اللجنة.

ـ يكون رئيس مجلس الوزراء رئيساً لبرنامج الخزن الاستراتيجي ويكون نائب رئيس مجلس الوزراء نائباً للرئيس.

ـ يكون ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء نائباً لرئيس مجلس الأمن الوطني ويكون وزير الدفاع عضواً في المجلس.

ـ يكون ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيساً للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

ـ يكون نائب رئيس مجلس الوزراء نائباً لرئيس المجلس الاقتصادي الأعلى.

ـ يكون نائب رئيس مجلس الوزراء نائباً لرئيس المجلس الأعلى لمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة.

ـ يكون نائب رئيس مجلس الوزراء نائباً لرئيس مجلس الخدمة العسكرية ويكون وزير الدفاع عضواً في المجلس.

ـ يكون ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيساً للجانب السعودي في مجلس التنسيق السعودي القطري ويكون وزير الدفاع نائباً لرئيس الجانب السعودي في المجلس.

ـ يكون نائب رئيس مجلس الوزراء رئيساً للجانب السعودي في مجلس التنسيق السعودي اليمني.

ـ يكون نائب رئيس مجلس الوزراء رئيساً للجنة الخاصة في مجلس الوزراء.

ـ يستمر وزير الدفاع رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات الحربية.

ـ يستمر وزير الدفاع رئيساً لمجلس إدارة الهيئة العامة للمساحة.

ـ يستمر وزير الدفاع عضواً في الهيئة العليا لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.

ـ ترتبط الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة برئيس مجلس الوزراء.

ـ يكون وزير الاقتصاد والتخطيط رئيساً للجنة التوازن الاقتصادي ويعاد تشكيل اللجنة تبعاً لذلك .

ـ يكون الأمين العام للهيئة السعودية للحياة الفطرية رئيساً لمجلس إدارتها ويعاد تشكيل المجلس تبعاً لذلك .

ـ تقوم هيئة الخبراء بمجلس الوزراء – بالاشتراك مع الجهات ذات العلاقة – بمراجعة الأنظمة والتنظيمات والأوامر والقرارات التي تأثرت بما ورد في البنود السابقة واقتراح ما تراه في شأنها تمهيداً لاستكمال الإجراءات النظامية اللازمة حيال ذلك .

خالد التويجري مستشار الملك ومهندس اللعبة

في حقيقة الأمر، أن هذه الأوامر تشي بعملية تفتيت للصلاحيات التي كانت منوطة بالجناح السديري والتي كان يتولاها في مرحلة سابقة سلطان ونايف، حيث جرى توزيعها بين الملك وولي العهد السابق نايف ووزير الدفاع سلمان. وقد لعب الملك عبد الله بذكاء حين أدرج تلك المهام كافة ضمن التراتبية الادارية من الملك نزولاً الى من سواه.

بدت تتضح تدريجاً معالم اللعبة التي كان يديرها الملك من خلال نقل وتوزيع وازاحة المواقع، تارة بجهد فردي وتارة بالتعاون مع ملك الموت الذي غيّب الخصوم الكبار بدءاً من المك فهد وتالياً سلطان وأخيراً نايف.

وفي حدث مفاجىء لم يكن أي من أجنحة العائلة المالكة يتوقعه، توفي الامير نايف في جنيف، خلال رحلة الاستجمام السنوية التي كان يقوم بها ويتخللها كشف روتيني. وبحسب مقطع فيديو قبل أيام من وفاته أنه كان يتناول إبرة نووية للكشف عن أي عوارض صحية غير مرئية في الفحوصات الروتينية الاعتيادية. وكان يظهر في الصورة في حال صحية جيدة، حتى أن مصدراً رسمياً أعلن قبل أيام من وفاته أن الامير استقبل في جنيف عدداً من المسؤولين السعوديين من بينهم وزير العمل عادل فقيه، ولكّن انتكاسة مفاجئة تعرّض لها أدّت الى وفاته.

وفي 16 يونيو 2012 أعلن الديوان الملكي عن وفاته (في الخارج)، وقال التلفزيون السعودي أن الامير نايف توفي خلال العلاج في جنيف بسويسرا، وسيصلى عليه بعد صلاة المغرب في الحرم المكي.

وفي 18 يونيو من العام نفسه، أي بعد يومين من وفاة الأمير نايف، صدر أمر ملكي بتعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز ولياً للعهد، والأمير احمد بن عبد العزيز وزيراً لداخلية.
مشعل بن عبدالله: السيطرة على امارة مكة

وفي اليوم نفسه، صدر أمر ملكي بتغيير اسم وزارة الدفاع والطيران والمفتشية العامة ليصبح وزارة الدفاع. وعيّن الامير فهد بن عبد الله رئيساً للهيئة العامة للطيران المدني والدكتور الصقير نائباً. ويأتي هذا القرار في سياق نقل مهمات ومسؤوليات الطيران المدني من وزارة الدفاع الى الهيئة العامة للطيران المدني، وأعيد تشكيل مجلس ادارة الهيئة العامة للطيران المدني تبعاً لهذا التغيير، وينقل تبعاً لذلك الموظفون العاملون في هذا المجال والممتلكات والوثائق والمخصصات والاعتمادات المالية المتعلقة بذلك. وتقرر تشكيل لجنة من وزارة الخدمة المدنية، ووزارة المالية ، بالاشتراك مع وزارة الدفاع والهيئة العامة للطيران المدني لوضع خطة تنفيذية لتحقيق عملية الانتقال في مدة لاتتجاوز ثلاثة أشهر.

مشعل بن عبدالله: السيطرة على امارة مكة

وفي واقع الأمر، أن هذا القرار ينطوي على نيّة تقليص سلطة وزير الدفاع، من الجناح السديري، في قطاع حيوي لطالما جرى التحّكم به والاستفادة منه الى حد التحكم في حركة الطيران المدني بكل تفاصيلها. ما يجدر ذكره أن الأمر الملكي نصّ على أن المؤسسة العامة للخطوط العربية السعودية ترتبط تنظيمياً برئيس مجلس الوزراء، أي بالملك، وهذا يعني انتزاع الأخير جزءاً من صلاحيات خصومه، ومن وزارة الدفاع المنافس النوعي للحرس الوطني.

وفي اليوم نفسه صدر أمر ملكي بتعيين الأمير فهد بن عبدالله بن محمد آل سعود رئيساً للهيئة العامة للطيران المدني بمرتبة وزير وتعيين الدكتور فيصل بن حمد الصقير نائباً لرئيس الهيئة العامة للطيران المدني بالمرتبة الممتازة. ومن اللافت أن الامير فهد ليس من أبناء ولا أحفاد عبد العزيز. وفي اليوم نفسه أيضاً، أعفي الأمير سلمان بن عبد العزيز من منصبه أميراً على الرياض، وعيّن بدلاً منه الأمير سطام بن عبد العزيز والامير محمد بن سعد بن عبد العزيز نائبا له بمرتبة وزير، وهذا يعتبر أول خروج للجناح السديري من إمارة الرياض.

ومن بين الأوامر الملكية التي أعلن عنها في اليوم نفسه، إعفاء الأمير عبد العزيز بن فهد من منصب رئيس ديوان مجلس الوزراء وضم ديوان رئاسة مجلس الوزراء الى الديوان الملكي برئاسة مستشار الملك الشيخ خالد التويجري.

وفي 5 نوفمبر 2012 صدر أمر ملكي بإعفاء الأمير أحمد بن عبد العزيز من منصبه (بناء على طلبه) وتعيين الأمير محمد بن نايف بدلاً منه. وجاء في الأمر الملكي: (بناء على ما رفعه لنا سمو وزير الداخلية بكتابه المؤرخ في 20/12/1433هـ بطلب إعفائه من منصبه) أمر الملك بأن:

أولاً : يُعفى صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز وزير الداخلية من منصبه بناء على طلبه.

ثانياً : يُعين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وزيراً للداخلية.

ولفتت مصادر مقرّبة من الأمير أحمد بأن سوء فهم وراء قرار الاعفاء. ونقلت (القدس العربي) في 14 نوفمبر 2012 عن احد المقربين من الامير احمد بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي السابق أنه لم يطلب مطلقا الاعفاء، وان سوء فهم ادى الى اقدام الملك عبد الله مع اتخاذ قراره بعزله.

وروى المصدر أن مسؤولاً في الديوان الملكي طلب من الامير احمد أن يعيد هيكلة وزارة الداخلية واقامة ثلاثة هياكل هي الامنية والمالية وشؤون القبائل وشؤون الحج، فرد بأنه مستعد ولكن بعد انتهاء موسم الحج واستقرار الاوضاع، ولكن مسؤول الديوان قال له أن الامر مستعجل ولا بد من التنفيذ، فرد الامير أحمد بأنه يريد اعفاءه من مسؤولية اتخاذ القرار قاصداً أنه يريد ان يأتي الأمر من الملك، ولكن قيل للملك أن الامير أحمد يريد إعفاءه من وزارة الداخلية برمتها، الامر الذي دفع بالملك الى أن يعفيه تلبية لرغبته. وعبّر الأمير أحمد عن اعتراضه على قرار الاعفاء بالاعتكاف في منزله في الرياض.

مهما تكن خلفية قرار الاعفاء، إلا أن ذلك لا يغيّر من حقيقة كون الملك عبد الله يميل الى تحجيم سلطة الجناح السديري وأن إعفاء الأمير أحمد سواء فهم بصورة صحيحة أو خاطئة فإنه يلتقى مع الهدف الذي عمل على تحقيقه الملك منذ اعتلائه العرش.

في سياق خطة تشتيت الجناح السديري، كان الملك يتحيّن الفرصة المناسبة لاعفاء أو إقالة أعضاء هذا الجناح واستبدالهم بآخرين من خارجه أو ضمن صفقة ما مع أحد من أمراء هذا الجناح.

وفي 21 إبريل 2013 صدر أمر ملكي بإعفاء الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز نائب وزير الدفاع من منصبه، وتعيين الأميرفهد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن آل سعود نائباً لوزير الدفاع بمرتبة وزير. والأخير كان يتولي رئاسة الهيئة العامة للطيران المدني. ويأتي قرار إعفاء خالد بن سلطان بعد نحو سنة ونصف على تعيينه في هذا المنصب.
هل تتم الإطاحة بسعود الفيصل لصالح ابن الملك عبدالعزيز؟

هل تتم الإطاحة بسعود الفيصل لصالح ابن الملك عبدالعزيز؟

وقد لفت الأمر الملكي الى عبارة (وبناء على ما عرضه علينا ولي العهد نائب رئيس المجلس الوزراء وزير الدفاع كتابة) في إشارة فهم منها أن ثمة خلافات بين الأمير سلمان وإبن أخيه الأمير خالد بن سلطان في العلاقة التراتبية داخل وزارة الدفاع، ما رجح أن يكون الإعفاء بطلب من الأمير سلمان. وقد شعرخالد بن سلطان بأن ثمة استهدافاً له شخصياً بعد تعيين أبناء عمومته في مناصب عليا مثل تعيين محمد بن نايف وزيراً للداخلية، ومتعب بن عبد الله وزيراً للحرس الوطني، ومنصور بن متعب بن عبد العزيزفي منصب وزير الشؤون البلدية والقروية.

وفي 7 يوليو 2011 صدر أمر ملكي بتعيين الأمير سلمان بن سلطان مساعداً لأمين عام مجلس الأمن الوطني للشؤون الأمنية والاستخبارية بالمرتبة الممتازة. وفي 7 أغسطس 2013، صدر أمر ملكي بتعيين الأمير سلمان بن سلطان نائباً لوزير الدفاع خلفاً للأمير فهد بن عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن آل سعود. وقد أعفي سلمان بن سلطان من منصبه مساعد الأمين العام لمجلس الأمن الوطني. وقد عمل الأمير سلمان بن سلطان في السفارة السعودية في واشنطن وهذا ما جعله مقرّباً من الأمير بندر بن سلطان الذي خصّه بالاهتمام والتفاوض بخصوص المناصب الممنوحة لآل سلطان.

وثمة من يرى في تعيين سلمان بن سلطان في هذا المنصب بمثابة ترضية لأخواله العجمان المتحالفين مع جناح الملك عبد الله. ونشير هنا أيضاً الى الدور الذي لعبه سلمان بن سلطان في إدارة الملف السوري، حيث كان يتولى الى جانب أخيه غير الشقيق بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات العامة السابق، تسيير شؤون النزاع المسلّح الدائر في سوريا وتقديم كل أشكال الدعم للجماعات المسلّحة.

وفي 22 يوليو 2011 صدر أمر ملكي بتعيين الأمير عبد العزيز بن عبد الله، نجل الملك، نائباً لوزير الخارجية بمرتبة وزير، ويعد ذلك قراراً جريئاً سوف يمهد لوصول نجل الملك للوصول الى وزراة سيادية أخرى الى جانب الحرس الوطني.

وبعد غياب طويل نسبياً عن المشهد السياسي، ظهر بندر بن سلطان بصحبة مدير وكالة الاستخبارات المركزية سي آي أيه ديفيد بترايوس وكانا في لقاء مع الملك عبد الله في جدة، حيث صدر بعد يومين من اللقاء قرار في 20 يوليو 2012 بإعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة، وتعيين بندر بديلاً عنه إضافة الى منصبه أميناً عاماً لمجلس الأمن الوطني بمرتبة وزير، وتعيين مقرن مستشاراً ومبعوثاً خاصاً لملك، بمرتبة وزير.

وهنا يبدأ فصل جديد في تقاسم السلطة بين الملك وولي عهده، سلمان، حيث تتوزع المناصب بناء على صفقة ثنائية.

ففي 22 ديسبمر 2013، صدر أمر ملكي بإعفاء الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، من منصبه وتعيينه وزيراً للتربية واالتعليم خلفاً للأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود، الذي أعفي من منصبه (بناء على طلبه)، وصدر أمر ملكي بإعفاء الأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز من منصبه كأمير لمنطقة نجران، وتعيينه أميراً لمنطقة مكة المكرمة بمرتبة وزير.

وفي 14 يناير 2013 صدر أمران ملكيان الأول يقضي بإعفاء الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية من منصبه (بناء على طلبه) وتعيين الأمير سعود بن نايف بديلاً عنه. وصدر أمر ملكي آخر بإعفاء الأمير عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز، أمير منطقة المدينة المنورة من منصبه (بناء على طلبه) وتعيين الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز بديلاً عنه.

وكانت أهم لعبة خاضها الملك عبد الله في صراعه مع الجناح السديري هي في تعبيد الطريق لنجله الأكبر متعب كيما يصل الى العرش من خلال تحويل مؤسسة الحرس الوطني الى وزارة.

وبدأت القصة بتقديم نائب رئيس الحرس الوطني الأمير بدر بن عبد العزيز طلب إعفاء من منصبه. وكتب في 17 نوفمبر 2010 خطاباً الى الملك جاء فيه: أخي وشقيقي وسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز..سيدي: تعلمون – حفظكم الله – بأنني أفنيت عمري طاعة لله ثم لكم، خدمة لديني ثم مليكي ووطني. وإنني تشرفت بأن أكون ساعدك الأيمن في رئاسة الحرس الوطني، وهو شرف اعتز وأفخر به، فبالله ثم بكم وبمكارم أخلاقكم وقيادتكم الحكيمة – يا سيدي – سرت على نهجكم طوال فترة عملي كنائب لكم في الحرس الوطني، وأرجو الله أن أكون قد أديتُ عملي بما يرضي الله ثم مقامكم الكريم، فإن أصبتُ فمن الله – جل جلاله -، وإن أخطأت فمن نفسي. واليوم يا سيدي – حفظكم الله – وبكل الحب الذي يجمعنا استعطف مقامكم الكريم إعفائي من منصبي لظروفي الصحية التي تعلمونها. ولتعلم يا سيدي وشقيقي ومليكي بأنني خادمك بالأمس وخادمك اليوم ما حييت..).

وفي اليوم نفسه صدر أمر ملكي ينص على:

أولا: يعفى الأمير بدر بن عبدالعزيز آل سعود نائب رئيس الحرس الوطني من منصبه (بناء على طلب سموه).

ثانيا: يعين الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وزير دولة وعضوا في مجلس الوزراء ورئيسا للحرس الوطني.

كانت تلك الخطوة التمهيدية الأولى، التي أعقبتها الخطوة الكبرى في 27 مايو 2013 بتحويل رئااسة الحرس الوطني الى وزراة، وتعيين الأمير متعب وزيراً عليها. وأصدر الملك أمراً ملكياً بتحويل رئاسة الحرس الوطني الى وزارة باسم (وزارة الحرس الوطني)، وأن رئيس الحرس الوطني يصبح وزير الحرس الوطني.

في ضربة مباغته، أصدر الملك عبد الله أمراً ملكياً بإقالة بندر بن سلطان من رئاسة الاستخبارات العامة. وفي 15 إبريل 2014 صدر الأمر الملكي القاضي بإعفاء بندر بن سلطان (بناء على طلبه)، وتكليف الفريق أول ركن يوسف بن علي الأدريسي نائب رئيس الاستخبارات العامة بمهام رئاسة الاستخبارات العامة.

وفي 25 إبريل 2014، صدر أمر ملكي بتعيين الأمير محمد بن سلمان وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء، وإعفاء الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء من منصبه (بناءً على طلبه).

وبإعفاء الاخير يكون آل فهد بالكامل خارج المعادلة، فيما لم يتبق من آل سلطان سوى سلمان بن سلطان الذي لا يزال يحتفظ بمنصبه كنائب لوزير الدفاع.

وتمثّل أهم خطوة معبّرة قام بها الملك عبد الله، في إعلان الديوان الملكي عن (مبايعة الأمير مقرن ولياً لولي العهد أو ملكاً في حال خلو منصبي الملك وولي العهد في وقت واحد). وأضاف: (ولا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله، أو تبديله، بأي صورة كانت من أي شخص كائناً من كان، أو تسبيب، أو تأويل، لما جاء في الوثيقة الموقعة منا ومن أخينا سمو ولي العهد رقم 19155 وتاريخ 19/5/1435هـ وما جاء في محضر هيئة البيعة رقم 1 / هـ ب وتاريخ 26 / 5 / 1435هـ المؤيد لاختيارنا واختيار سمو ولي العهد لصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز بأغلبية كبيرة تجاوزت ثلاثة أرباع عدد أعضاء هيئة البيعة).

وبخلاف الأعراف المعمول بها في المملكة في تعيين النائب الثاني، استحدث البيان عنواناً جديداً وهو (ولي ولي العهد) مبقياً على منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، ما يشي بخلاف داخل العائلة المالكة حول منصب ولي العهد بعد تولي الأمير سلمان العرش، برغم من أن هذا المنصب من اختصاص هيئة البيعة التي أنشأها الملك في العام 2005 لتفادي استحقاق منصب النائب الثاني.

ما يلفت في البيان أن (منصب ولي ولي العهد) ليس مفتوحاً ولا يأخذ مسمى القانون أو المرسوم الملكي الثابت، وإنما يقتصر على الحالتين المنوّه عنهما في البيان.

ونلحظ في ضوء الأوامر الملكية منذ اعتلاء الملك عبد الله العرش في صيف 2005 وحتى اليوم أن عملية تفتيت منظمة لقوة الجناح السديري توّجت بتعيين الأمير مقرن ولياً لولي العهد، ما يمهّد لوصول نجل الملك، أي الأمير متعب الى العرش، وبالتالي سوف تكون للجناح فرصة وحيدة لاعتلاء العرش، وهي من نصيب الأمير سلمان، في حال بقائه على قيد الحياة، ثم تكون في الاجنحة الأخرى التي قد لا تقوّض أي فرصة مقبلة للسديريين في العرش السعودي..

السؤال الأخير الذي لابد من طرحه هنا: أين الأميركيين من ذلك كله؟ خصوصاً وأن تغييرات بهذا الحجم والمنظّم والذي ينطوي على تغييرات بنيوية عميقة في نظام الحكم لابد أن تكون للحليف الأميركي وجهة نظر موافقة أو معارضة أو متحفظة. وما بات معلوماً أن الملك عبد الله حريص على كسب رضى الأميركيين في الخطوات التي يقوم بها، ويميل دائماً الى استمزاج رأي الادارة الأميركية في القرارات التي يقدم عليها. وفي واحدة من الأمثلة اللافتة بهذا الخصوص أن تعيين بندر بن سلطان في منصب رئيس الاستخبارات العامة جاء بطلب أميركي مباشر، وكذلك قرار إعفائه من منصبه، الذي جاء بعد أيام من زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الى الرياض ولقائه بالملك عبد الله في مخيمه بروضة خريم..

وبالرغم من إصرار الادارة الأميركية على عدم الدخول المباشر في صراعات العائلة المالكة، وتتمسّك بالموقف الشكلي بأن شؤون الحكم تعتبر قضية داخلية، فإن تقارير عديدة تحدّثت عن رسائل وتوصيات غير مباشرة تصل الى الملك وبعض الأمراء، خصوصاً المقرّبون من واشنطن لناحية تبني بعض وجهات النظر المرجّحة لدى الادارة.

في النتائج، فإن الملك عبد الله قاد معركة مفتوحة منذ توليه العرش لناحية تقويض العصبة السديرية، وتفتيت السلطة التي كانت بحوزتها، وتقوية جناحه عن طريق جلب أمراء آخرين الى صفه، وتعزيز المواقع الخاضعة تحت سلطته، قبل أن تحين ساعة رحيله ويتولى سلمان العرش، ما يمنحه سلطة مطلقة في تخريب كل ما بناه الملك عبد الله..

صحيفة الأخبار اللبنانية، 16ـ17/5/2014

نحو تفكيك العراق

JPEG - 27.4 كيلوبايت

ماجرى في العراق ليس إلا اعادة اطلاق لمشروع هيئة الأركان الأمريكية الرامي إلى تجزئة “الشرق الأوسط الموسع” وإعادة تشكيله في دول متجانسة.

ففي أسبوع واحد تمكنت داعش من السيطرة على مايفترض أن يصبح نواة إمارة سنية, بينما بسطت البشمركا الكردية سلطات أربيل على كامل التراب العراقي المخصص ليكون نواة الدولة الكردية المستقلة.

وهكذا منح الجيش العراقي نينوى لداعش وكركوك للبشمركا. ولم تجد واشنطن التي دربت هذا الجيش أي عناء في شراء ذمم ضباطه الذين حثوا جنودهم على الفرار.

كما لاذ أعضاء مجلس النواب بالفرار ولم يصوتوا على فرض حالة الطواريء بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني, تاركين حكومة المالكي دون أي امكانية للرد على الهجوم.

في شهر أيار-مايو الماضي, اشترى آل الفيصل مصنعا للأسلحة في أوكرانيا شحنوا منه عبر الجو إلى مطار عسكري في تركيا مخزونات من الأسلحة الثقيلة التي تولى جهاز الاستخبارات العسكرية التركي نقلها بواسطة قطارات خاصة وتسليمها إلى داعش. وطبعا, من غير المعقول أن يجري تنفيذ هذه السلسلة اللوجستية من دون حلف ناتو.

على أي حال, لم تكن ردود الفعل الدولية حيال الأزمة العراقية مفهومة : كل الدول, ومن دون استثناء شجبت ماقامت به داعش في العراق وأدانت الارهاب, في حين أن بعض الدول, لاسيما الولايات المتحدة وحلفائها, يعتبرون داعش في نفس الوقت حليفا موضوعيا ضد الدولة السورية, بعضهم أيضا يرعى هذا الهجوم- الولايات المتحدة, السعودية, فرنسا, اسرائيل, وتركيا-.

لماذا أقدمت داعش على احتجاز 15 دبلوماسي تركي مع عائلاتهم إضافة إلى عشرين عنصرا من القوات الخاصة التركية في قنصلية بلادهم بالموصل, وإثارة غضب أنقرة؟.

من المحتمل أن تكون واشنطن قد أوقعت أنقرة في هذا الفخ.

تذكرنا هذه القضية بقيام الجيش الأمريكي بتاريخ 4 تموز-يوليو 2003 باعتقال عناصر من القوات الخاصة الأتراك في منطقة السليمانية بالعراق والتي جسدها فيلم وادي الذئاب-العراق.

الفرضية الأكثر ترجيحا هي أن أنقرة لم تكن مستعدة للمشاركة في هجوم واسع النطاق, وأنها اكتشفت في منتصف الطريق أن واشنطن تخطط لانشاء كردستان.

لذا, وفقا للخارطة المنشورة عام 2006, من المفترض أن يضم الكيان المحدث أجزاء واسعة من الأراضي التركية, لأن الولايات المتحدة لاتقتطع أراض من أعدائها فقط, بل من حلفائها أيضا. تأسيسا على ذلك فقد كان احتجاز الدبلوماسيين وعناصر القوات الخاصة التركية وسيلة لمنع أنقرة من تخريب العملية.

لدى وصولها إلى أنقرة قادمة من عمان يوم الخميس الماضي, شجبت الممثلة الخاصة للولايات المتحدة في مجلس الأمن, السفيرة سامنتا باور, بنفاق واضح تصرفات الدولة الاسلامية في العراق والشام.

إن وجود من يتملقون التدخل الأخلاقي لواشنطن في الشرق الأوسط, يجعلنا نعتقد أن ردة فعل الولايات المتحدة كانت متوقعة ضمن سيناريو العملية.

إن الاطاحة بالدولة العراقية الحالية, يصب بلا شك في صالح السعودية, الخصم الاقليمي الأكبر لطهران, التي سبق أن دعاها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ( شقيق الأمير عبد الرحمن الفيصل, القائد الفعلي لداعش) إلى التفاوض.

معاذ الخطيب جاهز للتفاوض مع دمشق

معاذ الخطيب


كشف رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، أمس، أن المعارض السوري معاذ الخطيب جاهز للمفاوضات مع الدولة السورية والمشاركة في السلطة، واتهم واشنطن بدعم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش).
واعتبر بروجردي، في مقابلة مع قناة «الميادين» بثت أمس، أن «أميركا تدعم داعش». وقال إن «الولايات المتحدة والسعودية تضعان المجموعات الإرهابية على لائحة الإرهاب، ومن ثم تدعمانها عسكرياً»، مضيفاً أن «واشنطن ارتكبت خطأ استراتيجياً في العراق، وهناك دول تحاول تعويض فشلها في سوريا عبر التدخل في العراق».
وتابع «يجب على السعودية أن تغير نظرتها لشؤون المنطقة، خصوصاً في مسألة مقتل المسلمين في العراق أو سوريا».
وكشف بروجردي أن «معاذ الخطيب جاهز للمفاوضات مع الدولة السورية، والمشاركة في السلطة»، معتبراً أن «سوريا تجاوزت مرحلة الخطر، وهي تنطلق الآن نحو تثبيت الدولة والحياة السياسية»، كاشفاً «أننا سندخل في مفاوضات مع المعارضين السوريين الجديين لإنهاء الأزمة». واعتبر أن «السياسات الدولية تجاه سوريا ستتغير قريباً بعد إجراء الانتخابات، وأن وضع الحكومة السورية أفضل بكثير، فقد كنا لا نستطيع أن نذهب إلى حلب سابقاً لكن حالياً تمكنّا من ذلك».
ودعا تركيا إلى تغيير نظرتها إلى سوريا والعراق، معتبراً أن «قطر اليوم ليست مثل الأمس، ودورها كان فاعلاً في الأزمة السورية وتغيير موقفها يحتاج لمزيد من الوقت».
ولفت إلى أنه «لا يوجد أي مفاوضات إيرانية – أميركية حول الانتخابات الرئاسية في لبنان»، مشيراً إلى أن مفاوضات إيران مع أميركا «لا يعني أننا أصبحنا أصدقاء». واعتبر أن العلاقات بين طهران والرياض بحاجة إلى مزيد من الوقت والمقدمات لتكون جيدة.
وقال «إذا كانت السعودية تضع داعش على لائحة الإرهاب فان على الرياض أن تدين أفعاله في العراق الآن». ولفت إلى أن «اتساع رقعة الإرهاب لن تكون في مصلحة دول المنطقة»، مضيفاً أن «دخان الإرهاب سيصل إلى أعين السعودية وأميركا».

السفير