Category: كتاب

مذبحة الأرمن العظمى

قام العثمانيون عام 1915 بالتذرع بان الأرمن تحالفوا مع الروس للإستقلال بدولتهم فقاموا بما يسمى بـمذابح الأرمن (أرمنية: Հայոց Ցեղասպանութիւն, تركية: Ermeni Soykırımı) التي راح ضحيتها أعداداً كبيرة من الأرمن و بعضاً من الطوائف المسيحية الأخرى كالسريان و الكلدان و الآشوريين و غيرهم. تعتبر مذبحة الأرمن ثاني أكبر قضية عن المذابح بعد الهولوكست. الي الان يوجد العديد من المنشآت التذكارية التي تضم بعض رفات ضحايا المذابح و يذهب اليها الارمن كل سنة للتذكار

نبذة تاريخية

عاش الأرمن قرونا عديدة في سلام في ظل الحكم العثماني، وكانوا يتمتعون بحرية العقيدة ويعاملون كأهل الذمة (حسب الشريعة الإسلامية). ولذلك كانت هناك قوانين تحكمهم وغيرهم من الذميين تختلف عن القوانين التي تحكم المسلمين ووضعت الدولة العثمانية محاكم خاصة لمشاكل الذميين ولكن إذا كان هناك خلاف بين أرمني ومسلم، كانت المحكمة حسب الشريعة الإسلامية. وكانوا معفوون عن الخدمة العسكرية ولكن مجبرون مقابل ذلك على دفع الجزية (الضرائب) والتي يقابلها دفع الزكاة للمسلمين للحكومة العثمانية حسب الشريعة الإسلامية. انصرفوا إلى التجارة والصيرفة والصياغة والزراعة. وخلا تاريخهم حتى أواخر القرن التاسع عشر من أي حركة عصيان مسلحة، حتى أن الأتراك أطلقوا عليهم لقب “الأمة المخلصة”. وكانت أعلى الوظائف الحكومية مفتوحة أمامهم فكان منهم الوزراء والأعيان والنواب والمدراء العامون والمستشارون. وفي احصائية أجريت عام 1912 م تبين أن عدد التجار المسجلين في الغرفة التجارية والصناعية في استنبول يبلغ ثلاثين ألف تاجر 25% منهم من الأرمن، و45% من الروم، و15% فقط من الأتراك والباقي من قوميات أخرى.

بداية الأزمة
بدأت القضية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، إذ إدعت الدولة العثمانية أن روسيا قامت بإثارة الأرمن الروس القاطنين قرب الحدود الروسية العثمانية، فبدأت بتحريضهم وإمدادهم بالمال والسلاح والقيام بتدريبهم في أراضيها وتشكيل الجمعيات المسلحة من أمثال خنجاق و طشناق. وقدمت بريطانيا دعماً قوياً لتلك المنظمات كذلك لأنها كانت تريد تفتيت الدولة العثمانية . حتى أن الزعيم المصري مصطفى كامل يقول في كتابه المسألة الشرقية: “فالذين ماتوا من الأرمن في الحوادث الأرمنية إنما ماتوا فريسة الدسائس الإنكليزية .
وكان قبول الدولة العثمانية إقامة دولة أرمنية في مركزها (في الولايات الستة في شرقي الأناضول) وفي مناطق يشكل المسلمون فيها الأكثرية بمثابة عملية انتحارية للدولة العثمانية. إذ كان عدد الأرمن – حسب الإحصائيات العثمانية والأجنبية كذلك – يتراوح بين مليون ومئتي ألف إلى مليون ونصف مليون في جميع أراضي الدولة العثمانية. لذا لم يعبأ السلطان بالضغوطات الخارجية ولا بتهديد انكلترة وقيامها بإرسال أسطولها إلى جنق قلعة. وحاولت تلك المنظمات المسلحة اغتيال السلطان عام 1905 بتفجير عربة عند خروجه من المسجد. ولكن السلطان نجا، وألقي القبض على الجاني، ولكن السلطان عفا عنه

التهجير والإبادة

يقول الباحث الجامعي الأرمني آرا سركيس آشجيان: “وتتفق مصادر عديدة على أن يهود تركيا ومحافلها الماسونية كانت عاملاً مساعداً كبيراً على ارتكاب حزب الاتحاد والترقي -غالبية أعضائه من يهود الدونمة والماسون المتنفذون في محفل سالونيكا الماسوني- والسلطات التركية لهذه المجازر. وللذلك ازداد الوضع تأزماً في عهد حكومة الاتحاد والترقي الماسونية، خاصة بعد دخولها في الحرب العالمية الأولى. فاخترقت الجيوش الروسية الحدود الشرقية للدولة العثمانية لتفوقها في العَدد والعُدد بنسبة ثلاثة أضعاف في الأقل. وقامت بمذابح وحشية في القرى الحدودية والمناطق التي استولت عليها. كما قام الجيش الروسي بتشكيل ميليشيات مسلحة من الأرمن لتكون طابورا خامسا. ثم بدأ الأهالي المسلمون يتسلحون أيضا للدفاع عن أنفسهم، ويقابلون هجوم الأرمن بهجوم مثله. يقول المؤرخ التركي البرفسور أنور كونوكجو: “يندر وجود قرية في شرقي الأناضول لم تتعرض لمذبحة أرمنية” .
يدعي الأتراك أن الحكومة العثمانيةلم تتمكن آنذاك من حل هذه المشكلة إلا بالقيام بتهجير الأرمن من تلك المناطق الحدودية لتقطع الصلة بين الأرمن وبين الجيوش الروسية.فقامت بعملية تهجير واسعة وكبيرة إلى سوريا ولبنان والموصل. وكان عدد المهجرين كبيرا .ونظرا لضخامة عدد المهاجرين -600 ألف- وعدم توفر الإمكانيات لدى الدولة العثمانية لتنفيذ هذه العملية في ظل فقر الدولة وأهوال الحرب العالمية ، تم هذا التهجير بطرق بدائية جدا، فمات من هؤلاء أعداد كبيرة من البرد والجوع والمرض إضافة لتعرضهم لهجومات مستمرة من السكان المحليين. ويقدر البعض هذا العدد بحوالي نصف المهاجرين أي 300 ألف. على أن هذا العدد هو محل خلاف واسع كما سيأتي.
ثم إن عملية التهجير لم تقتصر على الأرمن، بل شملت المسلمين كذلك القاطنين قرب الحدود الروسية. يقول سعيد النورسي واصفاً عملية تهجير المسلمين: “كانت الثلوج قد تراكمت بارتفاع ثلاثة وأربعة أمتار، وبدأ الأهالي بالاستعداد لترك المدينة والهجرة منها بأمر الحكومة. والعوائل التي كانت تملك ستة أو سبعة من الأطفال كانوا لا يستطيعون سوى أخذ طفل أو طفلين فقط، ويضطرون إلى ترك الأطفال الباقين على الطرق الرئيسة وتحت أقواس الجسور مع قليل من الطعام… وبين دموع الأطفال وصراخهم وبكاء الأمهات يتم مشهد فراق يفتت أقسى القلوب”. وبينما يقول بعض المؤرخين الأتراك بأن عدد الضحايا من المسلمين في المذابح الأرمنية يقارب المليون.

أعداد الموتى وأسباب موتهم

بينما المؤرخون الأتراك يشيرون إلى مقتل 10 آلاف أرمني فقط تشير مصادر أخرى إلى ضحايا أكثر من مليون من الأرمن و بعضاً من الطوائف المسيحية الأخرى كالسريان و الكلدان و الآشوريين و غيرهم.
تدعي المصادر الأرمنية على أن الحملة كانت متعمدة ومقصودة من أجل تطهير عرقي ضد المسيحيين، خاصة الأرمن كونهم الفاصل العرقي الوحيد بين تركيا وباقي الشعوب الطورانية في آسيا الوسطى. بينما تذكر المصادر التركية أن سبب وفاتهم هي ظروف الحرب والتهجير. والمؤرخون الغربيون مختلفون حول تلك القضية كما سيأتي.

ما بعد التهجير

جريدة نيويورك تايمز صادرة في 15 ديسمبر 1915 تذكر المقالة في الجريدة أن قريب المليون شخص قتلوا أو تم نفيهم على أيدي الأتراك

عندما دخل الإنجليز إلى اسطنبول محتلين في 13 تشرين الثاني من عام 1919،أثاروا المسألة الأرمنية، وقبضوا على عدد من المفكرين الأتراك لمحاكمتهم. لكن الحكومة التركية طالبت أن تتم المحاكمة أمام محكمة دولية يكون حكامها من الدول المحايدة مثل اسبانيا وسويسرة. رفضت بريطانيا هذا الطلب، وشكلت محكمة عسكرية بريطانية إلا أنها لم تستطع إصدار أي حكم لعدم وجود أي دليل أو وثيقة تدينهم. ثم قامت البطريركية الأرمنية بتقديم تقرير لهذه المحكمة، لكن تبين أنه لا يحوي على أي دليل. وبحث الانكليز في الأرشيف العثماني وفي الوثائق البريطانية ثم في الوثائق الأميركية، لكن لم يعثر على أي أدلة ضد الأتراك. فقبلت بريطانيا مقابل إطلاق سراحهم مقابل سراح بعض الأسرى البريطانيين .
جاء في دائرة المعارف الكبيرة للاتحاد السوفيتي (طبعة 1926): “إذا نظرنا للمشكلة الأرمنية من المنظور الخارجي رأينا أنها ليست سوى محاولة القوى الكبرى إضعاف تركيا وذلك بمعاونة ومساعدة القوى الانفصالية فيها لكي تتيسر لها سبل استغلالها وامتصاص خيراتها. هذه القوى الكبرى كانت عبارة عن الدول الأوروبية الكبرى وروسيا القيصرية. ولم تكن الحوادث التي جرت عبارة عن وقوع مذبحة، بل مجرد وقوع قتال بين الطرفين” .

وفي عام 1985م نشر 69 مؤرخاً أميركياً من المختصين بالتاريخ العثماني بياناً ينفي وقوع أي عملية تطهير عرقي للأرمن من قبل الأتراك. لكن الأرمن قاموا بحملة تهديد ضد العلماء وهددوهم بالقتل وقدموا بعضهم للمحاكم، ونجحوا في إرهاب معظم هؤلاء، إلا القليل مثل برنارد لويس و جوستن ماك آرثي و أندرو مانكو. وفي 15 مارس آذار قام رجب طيب أردوغان بتشكيل لجنة من المؤرخين لجرد كل الأرشيف العثماني، ثم دعا الحكومة الأرمنية إلى تشكيل لجنة مؤرخين كذلك لبحث المسألة، لكن تم رفض الطلب من قبل الرئيس الأرمني روبرت كوتشاريان.
بسبب هذه المذابح هاجر الأرمن إلى العديد من دول العالم من ضمنهم سوريا، لبنان، العراق. ولا يزال الأرمن يحيون تلك الذكرى في 24 ابريل \ نيسان من كل عام.
حتى الآن لا تعترف دولة تركيا بهذه المذبحة.

مذبحة الأرمن الكبرى التي قام بها الأتراك


مذبحة الأرمن الكبرى

 

ذكرى مذبحة الارمن الكبرى 24-4-1915 والتي قضى فيها حوالي مليون ارمني ,هذه الصورة التقطها صحافي ألماني ومحفوظة فيأرشيف الفاتيكان و في الصورة توجد أمهات أرمنيات معلقات على الصليب عاريات تم صلبهن اثناء الإبادة من قبل الجنود الأتراك.موقع الإعدام في صحراء دير الزور –سوريا . وقتها قام أهالي دير الزور باخفاء اطفال الارمن ومن استطاع الهرب من المذبحة منالبالغين وكان الدرك التركي يمر ويسأل الاهالي عن الاطفال ، وكانو أهالي دير الزور ينكرون رؤيتهم ويدعون أن الاطفال أطفالهم همحاليا عدد سكان الأرمن بمدينة دير الزور فوق 25000 نسمة.

 

 

 

 

بقلمآرا سوفاليان

 في الذكرى الثامنة والتسعين لأول جريمة ابادة عرقية في القرن العشرين وكانت من نصيب شعبي المسالم الشعب الأرمني جمعتهذه الأقوال التي صدرت عن نوعين من الرجال النوع الأول وهو أصحاب الضمائر الميته والنوع الثاني وهو أصحاب الضمائر الحية،حيث لا يوجد تصنيف آخر، ولا يهم إذا كان صاحب التصريح أرمنياً أو تركياً لأن الضمير الحيّ يزيل العداوة في حين يزرع الضميرالميت الأحقاد والضغائن ويزيد في تعميق وتوسيع المشكلة .

ـ يجب ألا نترك أرمنياً واحداً في تركيا، يجب أن نقتل الاسم الأرمني، سيتساءل بعضكم هل من الممكن أن نكون برابرة إلى هذهالدرجة؟ أو ما الضرر الذي سيأتينا من الأطفال والعجزة والمرضى لنقتلهم؟ من الوحشية قتل الناس الأبرياء، هكذا ستقولونأرجوكميا حضرات الأفندية، لا تكشفوا عن شعور الضعف والأخلاق في قلوبكم فهذا مرض خبيث، نحن في حرب وما هي الحرب في نهايةالمطاف؟ أليست هي الوحشية بذاتها؟ إن الوحشية تكمن في قوانين الطبيعة الدكتور ناظم، عضو اللجنة المركزية لحزب الاتحادوالترقي (فقره من خطابه أمام أعضاء اللجنة)

ـ عندما تحاول وصف الفظائع التي اقترفها هؤلاء المجرمون يرتجف قلمك في يدك، أطفال أبرياء لا يعلمون شيئاً من مشاكل العالم كانكل ما يحتاجون اليه هو المحبة والعطف، كانوا نائمين في أحضان أمهاتهم وابتسامة ملائكية ترتسم على شفاههم، وفجأة يتماختطافهم من أمهاتهم ويلقون حتفهم بضربة فأس قوية وتسيل الدماء والدموع من أعينهم في حين يضحك الجزارون الأتراك بهستيريةعلى ما فعلوه ويرغمون الآخرين الذين ينتظرون موتهم أن يضحكوا معهم، كيف يمكن وصف وحشية مجنونة كهذه دون أن يهتزالجسد والروح معاً من هول هذه الفاجعة! مولان زادة رفعت أحد القادة المرموقين في حزب تركيا الفتاة.

ـ لقد تمت إبادة حوالي مليون ونصف أرمني أغلبهم من الأطفال والنساء في مناطق عديدة من الدولة وأعتقد بأن مسألة النفي والقتلالمفجعتين بحق الأرمن تجعل اسم التركي خليقاً بلعنة الإنسانية الأبدية نعيم بك رئيس حركة تركيا الفتاة

ـ إنني أنجزت من القضية الأرمنية خلال ثلاثة أشهر فقط ما عجز عنه عبد الحميد خلال ثلاثين سنة طلعت باشا وزير الداخلية.

ـ المجازر الأرمنية التي اقترفها النظام العثماني فاقت في وحشيتها وحشية جنكيز خان وتيمور لنك بدون شك، ونوايا الاتحاديين لمتكشف إلى العالم المتحضر تحيزهم علانية إلى جانب المانيا، واذا كان هناك وجود لشعب اتصف بصلاته الوثيقة بالأتراك واخلاصهوخدماته الجليلة للبلاد وصلته برجال الدولة والموظفين والفنانين والأذكياء الذين قدمهم، فهو من دون شك الشعب الأرمني، وأسفاهعندما يفكرالمجرمون بأن شعباً بهذه المواهب يجب ان يختفي من التاريخ فإن أقسى القلوب تنزف دماً على هذا التصرف وأنا أرغبمن خلال صحيفتكم المحترمة أن أعبر عن غضبي حيال هذه الممارسات الوحشية ضد الأرمن من قبل الجزارين وأسفي الكبير علىالضحايا البريئة.

محمد شريف باشا سفير الدولة العثمانية في السويد في مقابلة مع جريدة جورنال دو جينيف بتاريخ 21 /9/1915 (تاريخ هذهالمقابلة يفيد بأن السلطنة كانت في أوج قوتها فالتصريح أتى قبل وليس بعد وهذا دليل على شجاعة السفير وضميره الحيّ)

ـ ليس هناك ثمة أدنى شك في حصول المجزرة فالمسؤولون الأتراك في تلك الفترة كانوا يحلمون في بناء امبراطورية بانتوركيةطورانية تبدأ بتركيا الحالية وتصل إلى آسيا الوسطى

المخرج السينمائي يلماز غونايأثناء ادلائه لشهادته أمام اللجنة المركزية لمحكمة الشعوب.

(هذه الامنية الشوفينية والعنصرية دفع الأرمن ثمناً فادحاً لها فلقد ذهبت أرضهم التاريخية وقتل منهم 1.5 مليون شهيد، ولم تتحققهذه الامنية التي تتمثل بقيام وحدة بين تركيا والدول التي تنحدر من أصول تركية كأذربيجان وتركمانستان وتركستان وقرغيزستانوجمهوريات أخرى تقع كلها في الاتحاد السوفياتي السابق وتم تحجيم هذه الامنية من قبل الاتحاد السوفياتي السابق حيث بقي ما تبقىمن أرمينيا أرمنياً وبقيت أذربيجان والدول التي الى شرقها في مكانها، لتعود تركيا الى الضرب على الوتر السابق بعد انهيار الاتحادالسوفياتي، لتلقى من جديد الصد من روسيا الاتحادية دون الاستفادة من دروس التاريخ).

ـ ليعلم الأرمن جميعاً أن الأرمن الساكنين في اسطنبول هم رهائن بيد الأتراك، فلينسوا الماضي وإلا فسوف لن يعيش أي فرد أرمني فياسطنبول، صحيح انه ليس سهلاً القيام بمذبحة جديدة لكن بإمكاننا ان نجعل الجو خانقاً جداً بالنسبة لهم، حكمت بيل صحيفة ينيكازيت التركية 25 كانون الثاني 1967

ـ البرقية رقم 544 شرحنا سابقاً عن سبب اختيار سنجق دير الزور كمرحلة نهائية لتهجير الأرمن وذلك في الثاني من آب 1915وبموجب الأمر السري رقم 1843 لن تلاحق الحكومة أولئك الذين يشتركون في تهجير الأرمن وقتلهم ولن نقاضيهم، أخبرنا عن هذهالناحية مسؤولي دير الزور وأورفا أيضاً 3 تشرين الأول عام 1915 وزير الداخيةطلعت.

ـ البرقية 603 علمنا من مصادر موثوقة بأن أيتام الأرمن المهجرين من الذين تم ابادة أهلهم على طرقات سيواس معمورة العزيزخربوط ديار بكر ارزروم، تتبناهم بعض الأسر المسلمة أو يخدمون في بيوت هذه الأسر، نأمركم بجمع هؤلاء الأيتام من بيوتالمسلمين وتهجيرهم إلى الصحراء وزير الداخليةطلعت.

البرقية 537 نسمع بأن الموظفين وأفراد الشعب يتزوجون من نساء أرمنيات أعلمكم تحت طائلة العقوبات الشديدة بضرورة جمع تلكالنسوة وإرسالهن إلى الصحراء وزير الداخلية طلعت.

ـ كم سننتظر؟ ألم تكونوا أنتم من دفن 40 فدائياً أرمنياً في قلعة عنتاب وهم أحياء؟ ألم تكونوا أنتم الشعب الذي نصّب الراية التركيةعلى قبب الكنائس الأرمنية؟ ألم تكونوا أنتم نفس الشعب الذي أحرق بيوت الأرمن بمن فيها في عنتاب صحيفة يني استقلال التركية11 آب 1965

ـ وبصرف النظر عن حدوث أمر ما أو عدم حدوثه لا يحق لأي شخص دعوة تركيا إلى الرضوخ لمطالب تستند إلى أكاذيب، وليس منالمعقول التفتيش عن كبش محرقة بالنسبة إلى أحداث وقعت قبل عشرات السنين وبات المسؤولون عنها في كتب التاريختورغوتأوزال رئيس الجمهورية التركية  جريدة غونيش التركية  نيسان عام1985

(حدثت أم لم تحدث يا سيادة الرئيس أم انها وقعت فعلاً قبل عشرات السنين وبات المسؤولون عنها في كتب التاريخ كما أشرتسيادتك!)

يا سيادة الرئيس هناك من صادر الأرض والسهول والجبال والبيوت والكنائس والمدارس وكروم العنب وحقول القمح والزرعوالضرع والزرائب والأنهار والغدران والينابيع والأشجار والثمار والقلاع والأسوار وأورثها لأبنائه وترك أصحابها هائمين علىوجوههم في ديار الله الواسعة بلا أرض ولا وطن بعد أن ذبح أصولهم وفروعهم وأباد معظمهم وأحرقهم بالنار ودفنهم أحياء وانتهكأعراضهم وسبى نسائهم وسرق ذهبهم ومالهم وحلالهم وقتل شبابهم بعد ان جردهم من سلاحهم وكانوا يخدمون العلم وأجبرهم علىحفر قبورهم على أنها خنادق دفاعية وأطلق عليهم النار من الخلف ودفنهم وبعضهم جرحى لم يلفظوا الروح بعدفلو ان الذي وقعفعلاً لم يقع فكيف نفسر خلو الأراضي التاريخية للأرمن من أصحابها؟ وما رأي سيادتك بما قاله الأب الروحي لك ولتركيا الحديثة؟ وهوالآتي:

ـ لقد ارتكب مواطنونا جرائم لا يصدقها العقل ولجؤوا إلى كل اشكال الاستبداد التي لا يمكن تصورها ونظموا أعمال النفي والمجازروأحرقوا أطفالاً رضعاً وهم أحياء بعد أن صبّوا عليهم النفط واغتصبوا النساء والفتيات أمام ذويهم المقيدي الأرجل والأيدي واستولواعلى الممتلكات المنقولة والغير منقولة للشعب الأرمني وطردوا إلى بلاد ما بين النهرين والصحراء السورية أناساً في حالة من البؤسوالشقاء وأهانوهم واضطهدوهم خلال الطريق بوحشية لا توصف لقد وضعوا الشعب الأرمني في ظروف لا تطاق لم يعرفها أي شعبطوال حياته.

الضابط مصطفى كمال، الشاهد في محاكمة زعماء حزب الاتحاد والترقي.

وفي 24 نيسان 2012 وجه المؤرخ التركي تانير أكتشام رسالة إلى رئيس وزراء تركيا اردوغان الذي يستمر في الاعلان أن الشعبالتركي لم يرتكب أي إبادة، وأن تاريخ الاسلام لم يشهد إبادةمذكراً بالوثائق والدلائل التي تثبت أن الذي حدث عام 1915 كان إبادةجماعية.

حيث أشار أكتشام إلى رسائل أنور باشا وطلعت باشا تبين أن المجازر الأرمنية كانت منظمة على يد الحكومة التركيةوكتب أكتشاميقولهناك رسالة مهمة تبين أنه في 7 ايلول عام 1916 تم الاستيلاء على ممتلكات كاثوليكوسية الأرمن في سيس، وتم ترحيلالكاثوليكوس ربما لا يعلم أردوغان عن هذا الأمر، لكننا نحن نعلم، ولكن لا يمكننا التأكيد على أن شعبنا التركي لم ينفذ إبادةجماعية هناك من قام بتنفيذ الابادة بحق الأرمن في هذه البلاد حتماً، فإن لم نكن نحن فمن هو إذاً ؟.

ـ أما هرانت دينك فلقد قالحتى ولو أبعدتم شعبي بطائرات من الذهب فلقد دمّرتم شعب له تاريخ مشرق وموغل في القدم  وله سبقفي المساهمة بالحضارة والإنسانية، فقوضتم حضارته وقضيتم إلا قليل على مقوماته القومية والمدنية والإنسانية، وسلبتم أرضهالتاريخية، وحوّلتم أفراده إلى لاجئين هائمين على وجوههم بدون أرض وبدون وطن يبحثون عن مأوى وملجأ في ترحال متجدد وبلاأملوبهذه المقولة إختتم هرانت دينك مقالة الضمائر الحرة وخرّ صريعاً بعد أن تلقى رصاص الغدر من الضمائر المتعبة فبكاه شعبهوآخرون من غير شعبه من أولئك أصحاب الضمائر الحرةالذين يزداد عددهم كل يوم ليبرهنوا بأن الخصال الانسانية لا تفقدهاالشعوب حيث لا بد ان تعود اليها مهما طال الزمان.

الصورة المرفقة بالمقال موجودة في صرح الفاتيكان تبين صلب النساء الأرمنيات في دير الزورولم أهتدي منذ وقوع هذه الصورةبيدي وحتى هذه اللحظة، لم أهتدي الى ما يبرر هذه الأفعال المروعة التي ينأى عنها ويأباها الناس في أكثر الشعوب تخلفاً وهمجية.

آرا  سوفاليان كاتب وباحث في الشأن الأرمني

صور من المجزرة التي ارتكبها الأتراك ضد الارمن

 

ماذا تعرف عن بروتوكولات حكماء صهيون ؟

يعود اليهود في استنباط نظمهم وقوانينهم إلى البروتوكولات، كما يعودون إلى العهد القديم والتلمود، على اعتبار أن ثلاثتها مقدسة لصدورها على ألسنة الأحبار والحكماء، واشتمالها جميعا على مجموعة من التعاليم المهمة للفرد والمجتمع اليهودي.
ولذلك عد بعض العلماء البروتوكولات مصدرا أساسيا من مصادر اليهود المقدسة، وتأتي قداستها من إخلاص اليهود لها ولتعاليمها مع الاحترام والتعظيم، واعتبارها تراثا خالدا له أهميته في المحافظة على دور اليهود مع سائر الأمم، أي أن قداستها أمر اتفاقي، ونظرا لما في توجيهات البروتوكولات أحاطها اليهود بعناية خاصة تفوق سواها على أساس أنها تهتم بالقوانين المفيدة المتصلة بالحياة في العصور الحديثة. لدرجة أن اليهود ساعة أن رغبوا في إهمال بعض تعاليم العهد القديم والتلمود، حرصوا كل الحرص على المحافظة على نصوص البروتوكولات مجردة من كل تعليق أو شرح.
وإذا سلم أن الوحي الإلهي لم ينزل إلا على موسى عليه السلام، وأن أغلب أنبياء بني إسرائيل كانوا دعاة ومفسرين ومربيين، لو سلم هذا يكون القول بقداسة البروتوكولات في مستوى القول بقداسة العهد القديم، ما عدا أسفار موسى، وبالتالي لا تقل البروتوكولات عن التلمود في شيء. وما دام اليهود ينظرون للتلمود نظرة خاصة، لأنه ينظم الحياة اليهودية ويفتن العلاقات الاجتماعية والإنسانية فإن اليهود يرون في البروتوكولات خطة عملية لتحقيق السيادة الكاملة في مملكة صهيون العالمية، وإبراز الدور اليهودي في كل نشاط وعمل على مستوى العالم كله، ولذلك كانت نظرتهم إليها محوطة بالعناية والتقدير والاحترام بكل ما جاء فيها سواء تعلق بسلوك الفرد أو بسلوك الجماعة.
[اليهودية، د/ أحمد غلوش، صـ 72].

.معنى بروتوكولات حكماء صهيون:
البروتوكولات عبارة عن مؤامرة شريرة ضد البشرية، ويبدو أنها كانت رد فعل لما عاناه اليهود خلال القرن التاسع عشر من الاضطهاد في أوربا، وما نزل بهم من جور وتعسف- في نظرهم- فتدارسوا في هذا المؤتمر- ضمن ما تدارسوه- وسائل الانتقام من البشرية جميعا التي اعتقد اليهود أنها اشتركت كلها بطريق أو بآخر- في إذلالهم والنيل منهم.
و (بروتوكولات) معناها محاضر جلسات ويسميها بعض الباحثين (قرارات) وتلتقي التسميتان إذا لاحظنا نصوص البروتوكولات وأنها عبارة عن تقرير وضعه بعض الباحثين، وأن هذا التقرير عرض على المؤتمر في (بال) بسويسرا، وأن المؤتمرين أقروه، فالبروتوكولات تقرير بالنسبة لواضعيها، ومحاضر بالنسبة لعرضها على المؤتمرين في جلساتهم، وقرارات بالنسبة لقبولها وتأييدها. وكانت هذه البروتوكولات مودعة في مخابئ سرية، ولا يعرف أحد محتوياتها إلا الخاصة من اليهود الذين يعملون على تنفيذ ما جاء بها بهدوء وحسب تخطيط منظم، حتى شاء الله تعالى فضحها، وكشف ما فيها للناس، فعرفها القاصي والداني.
عدد البروتوكولات أربعة وعشرين بروتوكولا، ولكنها غير دقيقة التأليف، وبها كثير من التكرار.
وهدف هذه البروتوكولات إقامة وحدة عالمية تخضع لسلطان اليهود وتديرها حكومة يهودية، ومن أجل ذلك يمكن أن تقسم البروتوكولات إلى قسمين كبيرين، يبحث القسم الأول في موقف اليهود من العالم قبل تحقيق هدفهم، ويبحث القسم الثاني موقف اليهود من العالم بعد أن يصبحوا أصحاب السلطان عليه، والبروتوكولات العشر الأولى تتبع القسم الأول تقريبا، أما باقي البروتوكولات فتتبع القسم الثاني.
وسنذكر فيما يلي أهم الملامح لكل من هذين القسمين:
قبل تكوين الحكومة اليهودية العالمية: من أهم ما يعني به اليهود قبل تكوين هذه الحكومة إعداد الشعب اليهودي للسلطان، وتثبيت الاعتقاد بأن اليهود هم شعب الله المختار، فالناس عند اليهود قسمان: يهود، وجوييم أو أمميون، أي كفرة وثنيون. واليهود شعب الله المختار، وهم أبناء الله وأحباؤه لا يتقبل العبادة إلا منهم، ونفوسهم مخلوقة من نفس الله وعنصرهم من عنصره، فهم وحدهم أبناؤه الأطهار، أما الجوييم فخلقوا من طينة شيطانية، والهدف من خلقهم خدمة اليهود، ولم يمنحوا الصورة البشرية إلا بالتبعية لليهود ليسهل التعامل بين الطائفتين إكراما لليهود، فاليهود أصلاء في الإنسانية، والجوييم أتباع فيها، وعلى هذا فمن حق اليهود معاملة الأمميين كالبهائم، والآداب التي يتمسك بها اليهود لا يمكن أن يعاملوا الأمميين بها، فلهم أن يسرقوهم ويغشوهم ويكذبوا عليهم ويخدعوهم ويغتصبوا أموالهم ويقتلوهم ويهتكوا أعراضهم ويرتكبوا معهم كل الموبقات ما أمنوا استتار جرائمهم، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله على لسانهم {ليس علينا في الأميين سبيل}…[سورة آل عمران الآية: 75].
وبناء على هذه العقيدة يرى اليهود أن العالم لم يخلق إلا لهم، ومن حقهم وحدهم استعباده وتسخيره، وليس لغيرهم إلا السمع والطاعة والرضا والقناعة بما يجود به اليهود عليهم.
[هذه تعاليم التلمود واضحة في البروتوكولات].
ويرى اليهود في هذه المرحلة ضرورة تمزيق الأوطان والقضاء على القوميات والأديان، وإفساد نظم الحكم في كل الأقطار بإغراء الملوك وسائر الحكام باضطهاد الشعوب، وإغراء الشعوب بالتمرد على سلطة الحكام ونصوص القانون. وترسم البروتوكولات لليهود أن يهتموا في هذه المرحلة بنشر المذاهب المختلفة، وأن يختلف اتجاههم في مكان عن اتجاههم في مكان آخر، وكذلك فيما يتعلق بالزمان، فهم يعملون على نشر الشيوعية أحيانا، والرأسمالية أحيانا، ويلبسون مسوح الاشتراكيين في بعض الأحيان، ويوقفون بذلك الكتل العالمية المتصارعة، وهم يقولون أحيانا بالحرية والمساواة، فيثيرون المظلومين في وجه الظالمين، ولكنهم سرعان ما يحاربون الحرية والمساواة، ويعلنون أن الطاعة العمياء والتفاوت بين الناس هما أساس القيم البشرية ويحاربون الحرية مؤكدين أنها تحول الغوغاء إلى حيوانات ضارية، وأن من الضروري أن تسحق هذه الكلمة ويزول مدلولها تماما.
وهم في هذه المرحلة ينشرون الإباحية والفوضى، ويعملون على تقويض الأسر وصلات الود، ويدفعون الناس للشهوات والانحلال، والبعد عن كل القيم الإنسانية.
وترسم البروتوكولات لليهود أن يستغلوا ما في النفس الإنسانية من ضعف، فالمال والنهم والنساء وسائل يمكن استعمالها مع الجوييم ليكونوا أداة في يد اليهود ينفذون بسببها ما يطلب منهم.
كما ترسم البروتوكولات أن يضع اليهود في المراكز الكبيرة شخصيات مرموقة لها أخطاء لا يعرفها إلا اليهود، وفي ظل الخوف من إشاعة هذه الأخطاء ينفذ هؤلاء الأشخاص لليهود ما يشيرون به.
وتهتم البروتوكولات بأن يسيطر اليهود في هذه المرحلة على الصحافة ودور النشر وجميع وسائل الإعلام، حتى لا يتسرب للرأي العام العالمي إلا ما يريده اليهود.
ويستعمل اليهود المال وسيلة من أكبر وسائلهم، ليس للرشوة فحسب- كما سبق القول- بل لإثارة الثورات الداخلية عن طريقه، فهم يغرون الحاكم بجمع المال لنفسه، والظهور بمظهر البذخ والأبهة التي تناسب جلال الملوك وأمجادهم، ثم يدفعون الفقير ليثور ضد الحاكم الذي استحوذ على ثروة البلاد وغلبته الأنانية القاسية.
ويدفع اليهود بالدول للاستعمار، ويجر الاستعمار إلى التنافس بين هذه الدول، والتنافس وسيلة هامة من وسائل الحروب بين الدول المستعمرة، فإذا شبت الحروب بين الدول المستعمرة قدم اليهود لهؤلاء ولأولئك القروض والسلاح بشروط سهلة حينا، ومعقدة حينا، وربح اليهود في هذه الصفقات مزدوج، فهم أولا يستنزفون ثروات الدول ويجمعونها لأنفسهم، وهم- ثانيا- يسخرون بعض الجوييم لقتل البعض الآخر.
وفي المؤسسات والمصانع يعمل اليهود على إفسادها بإشاعة الخلل في إدارتها والتخريب في أجهزتها كلما أمكنهم ذلك. ويتشتت اليهود في كل أقطار العالم خلال هذه المرحلة ليختفوا عن المسرح العالمي حتى لا يتتبع الناس نشاطهم الهدام، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتصل اليهود بأقطار مختلفة ويعملون متعاونين بالمال والعلم والنساء ليصلوا إلى القصور، وليكون لهم في إدارة البلاد شأن ونفوذ، فاليهود في فرقتهم متحدون، وفي تشتتهم مجتمعون.
– بعد تكوين الحكومة اليهودية العالمية: إذا تحقق انتصار اليهود فإن اليهود يقيمون مملكة استبدادية تحكم العالم كله ويكون مقرها أورشليم، وحكمها للعالم يكون بطريق مباشر، لو تم سقوط كل حكومات العالم، كما يكون بطريق غير مباشر أي من وراء الحكومات التي لم تسقط بعد، فإذا اكتمل النصر وسقطت كل الحكومات انتقلت العاصمة إلى روما حيث تستقر إلى الأبد ويتعاقب على العرش حكام من ذرية داود.
فالسياسة صناعة سرية سامية لا يحسنها إلا نخبة من اليهود دربوا عليها تدريبا تقليديا، وكشفت لهم أسرارها التي استنبطها حكماء صهيون من تجارب التاريخ وغيره خلال قرون طويلة وهم يتناقلونها في الخفاء، وعليها يربون ملوكهم ومن يحيط بهم من المستشارين.
ويسوس اليهود الناس بالرشوة حينا، وبالعنف والإرهاب حينا، فمن خضع للمال والنساء والمناصب وأسلس القياد بذلك، قدم له هذا الدواء أو الداء، ومن لم يخضع لذلك استعمل معه العنف. فالجوييم كقطعان البهائم أو الوحوش يخضعهم الإرهاب والإذلال، فيصبحون كقطع الشطرنج تتصرف فيها أصابع اليهود حسبما تشاء هذه الأصابع.

السيرة المحرّمة لآل سعود: الغدر والمكر والفتنة البكر

 

السيرة المحرّمة لآل سعود: الغدر والمكر والفتنة البكرمراة الجزيرة -يكاد التاريخ الرسمي السعودي الذي يُمجّد كل ما يتعلق بعبد العزيز آل سعود، أن يُغفل حقبة هامة وأساسية من سيرة حياة مؤسس المملكة؛ تلك هي المرحلة الكويتية في شبابه. ولا عَجب في ذلك، فلقد كان عبد العزيز نفسه يتحاشى تذكّر ذلك العهد البائس الذي عاشه في باكر حياته، بالرغم مما عُرف عنه في مجالسه من حُبّ لاستعراض أيامه وأمجاده و«سوالفه» …

 

لكن الباحث يجد في بعض المصادر الغربية، ولا سيما منها التي تعتمد على الوثائق الرسمية البريطانية، معلومات مفيدة يمكن الاستعانة بها لإضاءة جوانب من هذه الفترة المنبوذة المعتمة في سيرة ابن سعود، والتي لا شك في أنها تركت آثاراً غائرة في شخصيته، ليس بمقدور النسيان ولا التناسي أن يمحوها! كما أن هذه الحقبة علّمت عبد العزيز صروفاً قاسية من الحياة ما كان بوسعه أن يَخبرها لو أن الأقدار مضت به في مسارات سلسة أخرى. كذلك فإنّ ظروف «المرحلة الكويتية» قد ربطت عبد العزيز برجل قُدِّر له أن يلعب دوراً بارزاً في علوّ حظوظه الأولى، وفي نموّ تكوينه وتفكيره؛ ذلك هو الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت (1896–1915).

 

وكان آل سعود، في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، قد ضيّعوا ثانية السلطة التي بالكاد تم لهم أن يستخلصوها _ قبل سنين _ على جزء من أرض نجد. ولم تكن دولتهم الثانية تلك بخطورة الدولة الأولى، فاقتصر تأثيرها على زعامة عشائرية ذات صبغة دينية، تمركزت في بلدة الرياض، وهيمنت على ما جاورها من القرى المحيطة. ثمّ ما لبث الشقاق العائلي أن استفحل بين فروع الأسرة السعودية حول من يجدر به أن يحكم منهم. وسريعاً ما باد مُلك السعوديين الثاني بعدما شتتت شملهم الخلافات والمنافسات، فسهّل كل ذلك على ابن رشيد، حاكم حائل الموالي للأتراك، أن يطرد آل سعود من مقرّ حكمهم بالرياض، بعد معركة سريعة في حريملاء سنة 1891. وكان الأمير عبد الرحمن بن فيصل آل سعود (والد عبد العزيز) هو آخر حكام تلك الإمارة السعودية الثانية. وقد هرب الرجل من عاصمة حكمه الرياض، بعدما استولى عليها حكام حائل. ولجأ مع أسرته إلى مشيخة الكويت في سنة 1894، بعدما قضى أكثر من عامين ضيفاً في مضارب قبيلة المرّة البدوية القاطنة على مشارف شبه جزيرة قطر.

 

كانت الكويت، التي وصلها الفتى عبد العزيز، أرض شقاء! ولقد عاش عبد الرحمن آل سعود مع نسائه الأربع، ومعهنّ بعض من إمائه، وأكثر من عشرين من أولاده وبناته وأحفاده، سبعة أعوام كاملة في ثلاث حجرات، في بيت طيني واطئ السقف، في زقاق قريب من ميناء المدينة. ولم يكُ في ذلك المكان مظهراً من مظاهر الجمال سوى روائح السمك والبراز الأخّاذة فيه. ولم يكن هنالك نظام للمجاري في الكويت آنذاك، ولم يكن الكويتيون يعرفون حتى المراحيض الخاصة في بيوتهم. وكان شاطئ البحر هو الذي يقضي حاجة الجميع؛ فأمّا الميسورون من أهل الكويت فقد صنعوا لأنفسهم ولنسائهم أكواخاً من الخشب لها أبواب متداعية على حافة البحر، واتخذوها مراحيض لهم. وأمّا فقراء الناس _ ومنهم يومذاك آل سعود أنفسهم _ فلم يكن لهم من خيار ولا ساتر يقي من عيون الملأ. وكان الرجل أو المرأة من أولئك البؤساء يقرفص فيقضي حاجته على الشاطئ، ثمّ يقوم، تاركاً أمر تنظيف مخلفاته لمياه المد والجزر.

 

وقد عاش آل سعود في الكويت عيشة ضنك، فهم يومَ خسروا ملكهم في نجد، خسروا معه كل ما لهم، وخرجوا منه خالي الوفاض. ولم يولِ محمد بن صباح (شيخ الكويت التي هاجروا إليها) اهتماماً بتلك العائلة الذليلة بعد عزّ التي التجأت إلى حماه. وما كان الشيخ يصرف لعبد الرحمن وعياله معونة إلا بعد توسّل يطول. ولعلّ ابن صباح كان في قرارة نفسه شامتاً بآل سعود الذين سبق لهم أن هدّدوا مشيخة الكويت من قبل، يوم كان لهم في الجزيرة سطوة وبأس. ولقد اضطر عيال عبد الرحمن إلى أن يعملوا في الميناء أشق الأعمال ليكسبوا قوتهم، بل اضطرت النسوة أيضاً إلى الخدمة في البيوت، علّهن يحصّلن شيئاً من لوازم الحياة لعائلة فقيرة وفيرة العدد.

 

وكان لذلك العهد الذي تدحرجت فيه الأسرة فجأة من عز السلطان إلى ذل الهوان، أثر مرير في شخصية الفتى عبد العزيز، وفي نفسيته. إلّا أن شيئاً من هذا الضنك قد تغيّر أخيراً، بعدما استولى الشيخ مبارك الصباح على مقاليد السلطة في الكويت عام 1896. وقد كان لهذا الشيخ غاية ومأرب، من وراء إحسانه للعائلة السعودية، ومبادرته إلى تقريب عائلتها منه. كان للشيخ مبارك نظرية آمن بها _ مثلما آمن بها أبناؤه وأحفاده من بعده _ ومفادها أن الكويت ما هي إلا لقمة بين ثلاثة أفواه: فم من الشمال، عراقي. وفم من الشرق فارسي. وفم من الجنوب، نجدي. وأنّ الكويت لا تقوم لها قائمة إلا بأمرين: فأحدهما هو محاولة إشغال هذه الأفواه بنهش بعضها بعضاً. وثانيهما هو الاحتماء بسلطة أقوى من نفوذ كل أولئك الجيران جميعاً. وعلى هذا الأساس، فقد كان من أوّل ما فعله ابن صباح عندما تولى الحكم، توقيعه في كانون الثاني 1899 على معاهدة، تحميه بموجبها بريطانيا من أيّ خطر خارجي، على أن «يلتزم الشيخ مبارك، وورثته من بعده، وكل من يخلفه، بأن لا يقطعوا أمراً، في جميع ما يتعلق بالسياسة الكويتية الخارجية أو الداخلية، من دون الرجوع إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج المقدّم مالكولم ميد».

 

وكان سبب تدثر الشيخ مبارك بالحماية البريطانية إحساسُه بخطرَيْ فمَيْن من تلك الأفواه الثلاثة قد عكّرا عليه سلطته الحديثة. فمن جهة، كان والي البصرة العثماني (والذي كانت الكويت تابعة له سياسياً) ساخطاً على مبارك بسبب الطريقة الإجرامية التي سطا بها على المشيخة. ومن جهة ثانية، فقد انفتح الفم النجدي بأكثر مما ينبغي له. وقويت شوكة آل رشيد المسيطرين على نجد، فصاروا يتعرّضون بالنهب للقوافل البرية التجارية التي تزوّد الكويت بالمؤن، أو لتلك التي تخرج محمّلة من مينائها. فكان لزاماً على شيخ الكويت حينئذ أن يشغل أعداءه الجدد بأعدائهم القدامى الذين ما برحوا يتشوّقون للانتقام.

 

ولم يكن أفضل من آل سعود لهذه المهمة، ولم يكن أحد أحرص منهم عليها. وهكذا جهّز مبارك عصابة السعوديين بإبل ومؤن وبنادق وذخيرة كي يلعبوا دورهم الجديد كمخلب قطّ يراد له أن يناوش الأعداء، ويكدّر صفوهم وينال منهم. واختير الشاب عبد العزيز ذو القامة المديدة، والقلب الصلب، والرغبة الجامحة للثأر، حتى يتزعّم تلك العصابة. وباشر عبد العزيز فوراً مهمته، فجمع من حوله عدداً من أقاربه، واتجه بهم إلى الجنوب مغيراً على خيام بعض البدو، فغنم قطعاناً من إبلهم وماشيتهم، ونهب ما وجده في تلك الخيام، ثمّ عاد بما جمعه إلى الكويت. وسُرّ مبارك بصنيع الشاب أيّما سرور، فقرّبه منه، وطفق يشجّعه على مزيد من هذه الغارات والغزوات.

 

ولا شكّ في أنّ عبد العزيز أحبّ، بدوره، ما لقيه من حظوة عند الشيخ مبارك. ولا شكّ في أنّ الشاب أفاد كثيراً من خطط ودروس معلّمه. ولعلّ من أوكد المعاني التي أوحت بها شخصية ابن صباح للشاب عبد العزيز: أنّ الدنيا إنّما تفتك ولا توهب … وأنك في سعيك إلى الزعامة، يجدر بك أن لا تهاب أمراً خطيراً أو جللا ً… وأنّه لا يجب أن يقف في سبيلك نحو المجد أحد: ابناً كان، أو أباً، أو أخاً! بل إنّ الطريقة التي سلكها الشيخ مبارك للوصول إلى سدّة الحكم في الكويت، كانت _ بنفسها _ درساً موحياً وعملياً لعبد العزيز. درس في «كيف تكون الجرأة والإقدام وشدّة البأس في الأمير!». لكنّ الحق أنّ ما اقترفه الشيخ مبارك الصباح في سبيل جلوسه بعدئذ على كرسي الحكم في «قصر السيف»، وما بُهِر به الشاب عبد العزيز، لم يكن يليق به أن يُسمّى جرأة وإقداماً، وإنما كان يليق به أكثر أن يسمّى باسم آخر مختلف.

 

الغدر

 

 

إنّ مبارك الصباح المسمّى بـ«الكبير» (1840-1915) هو جدّ الأسرة الحالية الحاكمة في الكويت، بفرعيها آل الجابر وآل السالم؛ فكلا هذين ابن له. وكان مبارك هذا ولداً أصغر للشيخ صباح، القائم مقام الذي توليه الآستانة في الكويت. وتوفي الشيخ صباح عام 1866، فتولى نفس مهمته من بعده ابنه الأكبر عبد الله، ثمّ خلف هذا من بعد موته أخوه محمد عام 1891. وقرّب الشيخ محمد أخاه جرّاح بن صباح فجعله شريكاً له في إدارة شؤون المدينة، وهمّش دور أخيه مبارك، فحزّ ذلك في نفس الأخير. ولم يكن لمبارك عمل يعتاش منه سوى ما يخصصه له أخواه. فكان ذلك لا يكفيه.

 

وصار يستدين من التجار بما له من وجاهة في المدينة، على أن يستردّ هؤلاء ديونهم عليه من ديوان المشيخة. وضجّ الشيخ محمد من ديون مبارك. وطفح الكيل بأخيه جرّاح حتى خرج بنفسه، في يوم في أيار 1896، ليُعلم التجار في سوق الجزارين بأن الديوان ما عاد ملتزماً بتسديد ديون مبارك. وكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر الاخوة، وأغرقت سلالة آل الصباح في لعنة الدم. فلقد قرّر مبارك أن يقتل أخويه بيديه! وقد أشرك في ما اعتزمه من الإجرام ابنيه جابر (جدّ أمير الكويت الحالي صباح الأحمد الجابر)، وسالم (جدّ أمير الكويت السابق سعد العبد الله السالم) فوافق الابنان أباهما على ذبح عمّيهما!

 

وكان الناس في الكويت ينامون في بداية الصيف، فوق أسطح منازلهم، لحرارة الجو. وكان الشيخان محمد وجرّاح يقيمان معاً في قصر الحكم. فعزم مبارك على أن يباغتهما عند نومهما، مستفيداً من غفلتهما، ومن كونه وابنيه محل ثقة الحرس. وزاد مبارك فاصطحب معه جماعة من أصحابه الخُلص. وادّعى عند وصوله إلى بوابة القصر، في منتصف ليلة 17 أيار1896، بأنه يحمل أخباراً هامة للشيخ. وهكذا مرّ، هو ورفاقه، من دون أن يدور في أذهان الحراس شك.

 

يروى الشيخ عبد العزيز الرشيد في كتابه «تاريخ الكويت» تفاصيل وافية عن هذه الجريمة التي هزت صميم وجدان المدينة الوادعة. ومعظم شهود تلك الواقعة هم ممن شاركوا فيها، ثم رووا ما وقع بعد ذلك بسنين. وقد اتجه مبارك إلى سطح القصر مع رفيقيه (سيف بن كمعي الرشيدي، وأخوه قرينيس) ثمّ اقترب من أخيه النائم بحذر، وانتهره: «قوم». فاستيقظ الشيخ محمد مذعوراً، ليفاجأ ببندقية مصوّبة إلى صدره. ولم يمهل القاتل قتيله طويلاً، فأطلق النار عليه. ولم تكن الطلقة الأولى قاتلة، فهتف المغدور متوسلاً بالأخوة: «أخوي … أخوي!». وكان جواب الأخوّة طلقة ثانية في الرأس!

 

وكانت مهمة الابن جابر ومرافقيه (شلاش بن حجرف، وابن أخيه فلاح بن هيف بن حجرف، وباتل بن شعف) هي أن يجتازوا طرفاً ثانياً من السطح حيث يبيت جرّاح، فوجدوه مستيقظاً مع زوجته. وصوّب جابر بندقيته تجاهه فلم يصبه. ووثب جرّاح تؤازره زوجته على جابر، فتغلبا عليه. وسرعان ما أنجدَ جابراً مرافقُه شلاش، فطعن جرّاحاً بالسيف في ظهره، وأكمل الشيخ جابر فأجهز على عمّه، وذبحه!

 

وكانت مهمة سالم، مع أربعة من الرجال، هي إرعاب عبيد القصر لمنعهم من نجدة مولاهم. وأن يسيطروا على البوابة أثناء المذبحة، ويقتلوا العسس القليلين، ويحرسوا المدخل، وقد تمّ. وبعدما اطمأنّ الشيخ مبارك إلى نجاح مخططه، استحمّ وتوضأ وصلى وأكل ثم توجه إلى قاعة المشيخة الكبيرة في القصر، وجلس هناك بانتظار طلوع النهار.

 

وكان من عادة الأعيان وكبار التجار في الكويت أن يتوجهوا كل صباح إلى مجلس المشيخة، فرادى أو زمراً، لتحية الشيخ ابن الصباح. لكن ذلك الصباح كان غريباً! فلم يروا أحداً من الحرس المعتادين في الباب، بل وجدوا بدلاً منهم جماعة من البدو مدججين بسيوف وبنادق. وزاد قلقهم لمّا دخلوا، فرأوا في صدر الديوان مبارك، بوجهه المتجهم، جالساً وسيفه مسلول في حجره، وابنه جابر واقف بجانبه! كانت تحية الكويتيين المعتادة هي: «السلام عليكم يا محفوظ»، لكن لا أحد سمع جواباً على السلام! وعندما امتلأ المجلس، أشهر مبارك سيفه ورفعه ببطء. وقال بلهجة حازمة: «يا أهل الكويت، يا أبناء العمومة: يكون معلوم ليكم أنه أخوي محمد وأخوي جرّاح قضى الله أن يموتوا الليلة الفايتة. وأني اللي راح أحكم البلاد بدل منهم. وإن كان عند واحد فيكم ما يقوله، يتقدم ويقوله». وساد صمت رهيب، فلم يكن يسمح لمن يدخل بالمغادرة. ولم يكن أمام زوّار المجلس من خيار إلا السيف المسلول أو المبايعة!

 

كان عبد العزيز في الكويت يومها، ولم يكن قد أكمل من العمر عشرين عاماً، لمّا تمّت هذه الفتكة التي طالما ألهمته كيف تكون الجرأة والإقدام وشدّة البأس في الأمير. وبعد ستّ سنين، كان عليه هو أن يفتِك وأن يفتَكَّ حكماً لا يوهب، ولكنه يُنتزع بالسيف أو بشيء آخر.

 

المكر

 

 

لقد ملكت على عبد العزيز، في سنواته الكويتية، غاية واحدة طالما سكنت ذهنه؛ هي كيف يسترجع ملك آبائه؟ وكانت له خطة شجّعه على المضيّ فيها عدد وافر من البدو كانوا يلتحقون بعصابته كل مرّة، طمعاً في الغنائم، من بعد أن علا صيته في السطو. ولقد فكّر عبد العزيز في أن يجعل من البدو السرّاق جنوداً مقاتلين، فيحاول أن يستعيد بهم بلدته الرياض. ثمّ إن الشاب استساغ فكرته تلك حتى صدّقها، ثمّ إنّه قدّر في نفسه أنّ موعد مغامرته الكبرى قد أزف. ولقد استأذن أباه والشيخ مبارك في أن يجرّب حظه في الإغارة على حامية الرياض القليلة البعيدة المعزولة عن قوات آل رشيد في حائل، فوافقاه. وغادر عبد العزيز الكويت في أواخر أيلول عام 1901، وهو يقود قرابة أربعين من رجاله، على أمل أن يلتحق به البدو في الطريق. وكان من أبرز من خرج معه: أخوه محمد، وأفراد من أولاد عمومته. وكان مقدّراً لأحدهم، وهو عبد الله بن جلوي بن تركي آل سعود، أن يلعب دوراً كبيراً في نجاح حظ تلك العصابة السعودية.

 

وكانت خطة عبد العزيز لتمويل هجومه، وتكثيف عدد أصحابه، هي التربص كالعادة بالقوافل، وقطع الطريق عليها، ونهبها، ثمّ توزيع الغنائم على من يلتحق به من البدو. وبتكرر الغزوات، ارتفع عدد العصابة من أربعين إلى مئتي لص. ولكن الخطة سرعان ما انتكست حين حلّ شهر رمضان في كانون الأول 1901. فذاب لصوص عبد العزيز بعدما قرّر أولئك البدو العودة إلى مضاربهم في شهر الصيام. وهكذا عادت الجماعة إلى حجمها الأول: أربعين يزيدون قليلاً. وكانت هذه خيبة مريرة، لكن عبد العزيز صمّم على أن لا يستسلم، فلم يكن قادراً على تحمل هوان التقهقر خاوي الوفاض إلى الكويت.

 

تحتّم على عبد العزيز الآن أن يغيّر من تكتيكاته الماكرة. فجمّد سياسة النهب (في رمضان)، وسعى إلى نشر شائعات عن اختفائه مع عصابة الأربعين، بعيداً قرب واحة يبرين (موطن حلفائه من قبيلة المرّة)، علّه بذلك «ينوّم» حامية ابن رشيد في الرياض، فتشعر بالطمأنينة وتخفف من يقظتها. ولمّا انقضى النصف من رمضان، مطلع عام 1902، أمر عبد العزيز بشدّ الرحال إلى الرياض.

 

وكان يقدّر بأنهم سيصلون إليها ليلة العيد حين يُعدَمُ الهلال، والجميع يكون متلهّياً، فيتآمر عيد الفطر والظلام، لتسهيل مهمته! ولكن المسير تأخر، فوصل السعوديون إلى مشارف الرياض بعد يوم عيد الفطر. ومكث أفراد تلك العصابة ينتظرون مختبئين حتى غروب شمس يوم 15 كانون الثاني 1902. وقد بدا لابن سعود، وهو ينظر من بعيد إلى سور بلدته، أنّ حلمه يوشك أن يتحقق! وفي تلك الليلة، انتخب عبد العزيز من رجاله أربعين لـ«فتح الرياض». وأمر من بقوا بحراسة الإبل بعيداً، وبالعودة إلى الكويت إن كانت نتائج الغزوة سيئة. وتستّر الرجال بجنح الظلام، وتقدّموا في منتصف ذلك الليل الشتوي، متسلحين بخناجر وسيوف وبنادق، حتى وصلوا إلى سور المدينة، فتسلقوه بواسطة جذع نخلة مقطوع، ثمّ سرعان ما وجدوا أنفسهم في الأزقة المظلمة والنائمة.

 

كانت خطة عبد العزيز بسيطة ولكنها عمليّة، فهو إن تمكّن من اغتيال حاكم الرياض عجلان، فستنهار مقاومة جنوده فوراً، بل إنهم سيستسلمون له («اقطع راس الحيّة، تنشف عروقها»). ثمّ إنّ خطته اعتمدت على ولاء أحد السكان لعائلته، وكانت دار هذا الرجل قريبة من دار الحاكم، المقابلة لبوّابة قلعة المصمك في وسط الرياض. فتسلق عبد العزيز ومن معه، من خلال سطح دار الرجل الموالي حتى بلغوا سطح دار عجلان، وهنالك وجدوا زوجته وأختها، لكنهم لم يجدوه هو، فلقد كان من عادته أن ينام داخل قلعة المصمك، ثمّ يعود إلى بيته في الصباح. وقام رجال عبد العزيز بتكميم المرأتين وتقييدهما، بعد استجوابهما عن مكان عجلان.

 

وكان على العصابة، حينئذ، أن تنتظر انبلاج ضوء الشمس، حتى يخرج الرجل المطلوب. في الصباح، فتِحت بوابة القلعة، وظهر أخيراً الأمير عجلان بن محمد العجلان، ومن ورائه حارسه. كان عائداً إلى بيته، ليفطر مع زوجته. وراقب عبد العزيز الرجلين الغافلين من خلال نافذة في البيت تطل على الساحة المقابلة لبوابة القلعة. وقرّر أنّ هذه أنسب لحظة لقتل عجلان، فها هو معزول الآن عن الجنود. وإنّ مصرعه أمام أعينهم، لا بدّ أنه سيدخل البلبلة في صفوفهم، وسيبث الرعب في قلوبهم، فينهزمون. وهكذا أعطى عبد العزيز إشارة الهجوم، فخرج السعوديون من بيت عجلان، لينقضّوا عليه. وكانت صيحاتهم مرعبة، ما أربك الرجلين، اللذين أخِذا على غرّة، فلاذا بالفرار إلى بوّابة القلعة.

 

وفتح الجنود لهما خوختها [باب صغير داخل الباب الكبير، لا يتجاوز طوله المتر] وغاص الحارس عبر الخوخة إلى الداخل. وحينما كان عجلان السمين يحاول جاهداً إدخال رأسه في الفتحة الصغيرة، انقضّ عليه عبد العزيز، وأمسكه من فخذيه، فأوقعه أرضاً. وتحوّلت المعركة عند الخوخة إلى مشهد كوميدي، أقرب إلى لعبة شد الحبل! فبينما كان حراس عجلان يجرّونه من رأسه وكتفيه نحو الداخل، كان السعوديون في الخارج متشبثين برجليه، وكان هو يركلهم بكل قوته، ويقاومهم بجنون. وفجأة، تمكن عجلان من تسديد ركلة قوية إلى عانة عبد العزيز، فارتخت قبضتاه. وتمكن جنود الحاكم من جرّه إلى داخل القلعة.

 

هنالك انقضّ عبد الله بن جلوي، وألقى بنفسه في الخوخة وراء عجلان. وشغِلَ به الجنود عن إغلاق الخوخة، فدخل منها السعوديون. ودار قتال بالسيوف والبنادق بين الفريقين. وكان عجلان، الذي تلقى رصاصة في ذراعه، يعدو صاعداً درجات جامع قلعة المصمك ليلوذ به. فلحقه ابن جلوي إلى باب المسجد، وطعنه طعنات عدّة بالسيف، فانفجر دمه متدفقاً، ليصبغ باب جامع الرياض. ولم يكتف عبد الله بن جلوي بقتل عجلان، بل إنه زاد فبقر بطنه بعد ذلك، وانتزع كليتيه، وقذف بهما إلى الجنود المذهولين الذين رمى معظمهم بسلاحه! ونظر عبد العزيز إلى الكليتين المغطاتين بالشحم، ثمّ أمسك بهما، وقال في استهزاء: «ترى يا جماعة، شفتوا من قبل حدا من آل سعود عنده كلوتين، بيهم كل هالشحم، مثل هالخنزير؟».

 

عند ظهر ذاك اليوم الخامس من شوّال عام 1319هـ، الموافق لـ 16 كانون الثاني عام 1902، تجمّع أهل الرياض، وبايعوا الحاكم الجديد عبد العزيز آل سعود، ثم صلّوا وراءه صفوفاً في الجامع. لقد أفلحت فتكة ابن سعود البكر … وكانت تلك فاتحة لعصر كامل من الفتك السعودي!

بروتوكولات حكماء صهيون تتحدث عما يُسمى بـ “الربيع العربي” ..الحرية أداة للتدمير!!

بروتوكولات حكماء صهيون تتحدث عما يُسمى بـ

تُعد بروتوكولات حكماء صهيون الدستور الأساسي لكل ما يحدث من شرور في العالم إلى يومنا هذا، وبالتالي لابد من الإشارة إلى بعض هذه البروتوكولات المتعلقة بموضوع ما تُسمى بالثورات أو”الربيع”.

يقول البروتوكول الرابع: إن الجمهوريات يجب أن تقوم على الأسس التالية (ثورة العميان الفوضوية، الاستبداد، الترويج لفكرة الحرية والمساواة مع أنها تناقض قوانين الفطرة البشرية، نشر المنافسات المادية وتحويل المجتمع لأناني غليظ القلب منحل الأخلاق يكافح من أجل الملذات).

فيما يقول البروتوكول السابع: إنه يجب إرهاق كل دولة تقف في طريق مخططاتهم بحروب مع جيرانها وإلا فلا بد من افتعال حرب عالمية.

أما البروتوكول الرابع عشر فيقول: إنه يجب تغيير صورة المفاهيم العامة كالحرية عن طريق طرحها والعمل بخلافها على مدى طويل من الزمن.

فيما سبق نلاحظ ما يلي: التركيز على كلمة”حرية” والعمل بخلافها لتعميم فكرة مشوهة عن معناها الحقيقي، وقد باتت “الحرية” الموضة الدارجة في أيامنا هذه إضافةً للتركيز على سمة “القطيعية” في أي حراك لتحقيق الأهداف المرجوة، وهذا ما شاهدناه في كثير من حركات الاحتجاج الشعبية التي تحولت إلى حركة قطعان تسيِّرها الرياح من كل حدب وصوب.

رئيس جهاز الاستعلامات الداخلية الفرنسي: السعودية تمول الارهاب في سوريا والجزائر


أكّد رئيس جهاز الاستعلامات الداخلية الفرنسي السابق برنار سكارسيني في كتاب نشره خلال الأيام الماضية، الشكوك المتداولة بخصوص تمويل المملكة العربية السعودية وقطر لشبكات ارهابية تنشط في كل من الجزائر وسوريا وفي بعض بلدان في الشرق الأوسط.

وبحسب رجل الاستعلامات الداخلية الفرنسي سابقا، برنار سكارسيني الذي غادر منصبه منذ سنة ونصف تقريبا، فإن الجماعات التي أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة الإرهابي ممولها الأساسي هو الأمير بندر بن سلطان (الأمين العام لمجلس الأمن القومي السعودي ورئيس المخابرات العامة السعودية) الذي تبنى سياسة إقليمية مستقلة عن إخوته وبنو عمومته، وأنه  كان وراء تمويل الجماعات الجهادية في أفغانستان وسوريا ولبنن ومصر وشمال إفريقيا، وأن قطر الشريك الاقتصادي والسياسي الكبير لفرنسا جد مهتمة بتمويل تسليح الجماعات الإسلامية التي تنشط في شمال إفريقيا. وأضاف أن الدوحة تتخفى وراء منظمة غير حكومية لتغطية وتمرير الدعم اللوجيستي لهذه الجماعات وتدريب عناصرها .
وفي سياق متصل اجتمعت أجهزت الاستعلامات والأمن الهولندية والبريطانية والبلجيكية والفرنسية في دوبلن في 22 مارس 2013 لدق ناقوس الخطر جراء تهاطل التقارير عن انخراط مئات الأوروبيين في صفوف الجماعات المتطرفة في سوريا. حيث تخشى أجهزة المخابرات المجتمعة أن يعود هؤلاء المجندون أحياء إلى من سوريا ويشكلون قاعدة إرهابية في أوروبا.
ويرى سكارسيني أن الدائرة الفرنسية المهتمة بالأزمة السورية تعارض المنطق السائد لحل الأزمة السورية لا سيما ما تعلق باسقاط القيادة السورية. واختتم سكاريني أن الجميع يعلم منذ 20 سنة حقيقة تمويل البنوك السعودية، الكويتية، والمصرية للجماعات الاسلامية في مصر الجزائر وأضاف أن الاستخبارات الفرنسية على علم بأن اولئك الذين يقاتلون الدولة السورية يضمون متشددين من المغرب وليبيا والعراق ومصر وأفغانستان وباكستان وداغستان ومئات الفرنسيين.
المصدر: صحيفة “الفجر” الجزائرية

آل سعود… تاريخٌ دمويّ لم يرحم أحداً في جزيرة العرب

توضيح: المذهب الوهابي مذهب مزيف من وجهة نظر موقع احرار الحجاز و هو من صناعة البريطانيين

 

احرار الحجاز– بدأ الوهّابيون السعوديّون من بدو نجد بغزو الحجاز «المشركة» لينشروا «الإسلام» فيها، وفي عام 1214 هجري، وبعد صلح مع الشريف غالب حاكم الحجاز، راح السعوديّ يراسل مشايخ الأعراب، شيخ محايل وشيخ بارق، ليفسدوا قبائل الحجاز واليمن ويدعوها إلى الوهّابيّة. واستطاع الوهّابيّون استمالة بعض المشايخ، ثم استولوا بعد معارك على الطائف عام 1217 1802، فقتلوا الناس من دون تمييز بين رجل وامرأة وطفل، حتى أنهم كانوا يذبحون الرضيع على صدر أمّه عن زيني دحلان ، كما قتلوا من وجدوا في المساجد والبيوت، ولاحقوا الفارّين من المدينة فقتلوا أكثرهم، وأعطوا الأمان لبعضهم فاستسلموا فضربوا أعناق بعضهم، وأخرجوا الباقين إلى وادي «الوجّ»، وتركوهم مكشوفي العورة ومعهم النساء.

وأخذ الأعراب يروحون ويغدون إلى الطائف حاملين المنهوبات التي يرسلون خُمسها إلى الأمير السعوديّ، كما عبثوا بالمصاحف والكتب الدينيّة ورموها ومزّقوها في الأزقّة، وعمدوا أخيراً إلى حفر آبار المدينة كلّها حتى المراحيض بحثاً عن المال.
بعد غزو الطائف ونهبها، توجّه سعود بجموع من الأعراب نحو مكّة فأخلاها الشريف غالب حاكمها. وفي الثامن من محرّم، وصل سعود إلى مكّة وطاف وخطب بالناس ودعاهم إلى البيعة، وطلب موافاته في اليوم التالي ليعلّمهم «أصول دينهم».
في صباح اليوم التالي، توجّه الوهّابيّون الغزاة إلى «المعلّى»، فهدموا ما فيها من القباب، كما هدموا قبّة مولد النبيّ محمد، وقبّة خديجة بنت خويلد، وقبّة زمزم والقباب حول الكعبة وقبّة أبي بكر الصدّيق، وتتبّعوا آثار الصالحين، على أنّها شرك، وكانوا يضربون الطبول ويشتمون القبور.
وانتقل الوهّابيّون إلى «تنظيم الصلاة»، فمنعوا الصلاة على النبيّ بعد نهاية الأذان وكذلك الترضّي على الصحابة على أنّها بدع، وأخذوا يدرّسون الناس مؤلّفات محمّد بن عبد الوهّاب.
في هذه الأثناء، عمد عثمان المضايفي، أمير الطائف من قبل ابن سعود، وابن شكبان إلى مهاجمة «هذيل الشام»، فقتلا الناس، وسبيا النساء ثمّ غزَوا «اللفاع» حيث يقيم بنو عمرو، فقتلا منهم عدداً ونهبا النساء حتى أنهما جرّداهنّ من الثياب، ثم توجّها نحو مكّة فسلبا ونهبا في طريقهما.
عام 1221 1806، غزا الوهّابيّون المدينة المنوّرة فمنعوا الناس من زيارة قبر النبيّ، وهدموا القباب في البقيع، قبّة فاطمة الزهراء وقباب الحسن بن عليّ وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وعثمان بن عفّان، وهدموا قبّة حمزة بن عبد المطّلب في جبل أُحُد، ونهبوا كلّ ما وجدوه في الحجرة النبويّة من الأموال والجواهر، فملأوا أربع «سحاحير» من الجواهر المحلاّة بالماس والياقوت، ومن ذلك أربعة شمعدانات، ونحو مئة سيف مع قِراباتها ملبّسة بالذهب الخالص ومطعّمة بالماس والياقوت ونصابها من الزمرّد واليشم، ونصلها من الحديد الموصوف، وعليها أسماء الملوك والخلفاء السابقين.
لكنّ الجيوش المصريّة بدأت بالدخول إلى الجزيرة العربيّة عام 1811 ميلادياً، ووضعت حدّاً لمغامرة الوهابيّين السعوديّين. 1
الجولتان الثانية والثالثة
بعد أن استفاق الوهّابيّون من الصدمة المصريّة، عاودوا إلى التحرّك حوالى عام 1820. وبرز تركي بن عبد الله بن محمّد بن سعود، ثمّ خلفه ابنه فيصل بن تركي، وفي عهده، عام 1276 هجري، هاجم فيصل عرب العجمان في «الوفراء»، فهزمهم ثم توجّه إلى «فلح» حيث اشتبك مع العجمان من جديد، وكانت ملحمة كبيرة قتل فيها عدد كبير من الوهّابيّين. 2
وفي عام 1286 1869، هاجم الوهّابيّون «وادي الدواسر» في منطقة نجد، فهدموا البيوت وأحرقوا الأشجار وردموا الآبار بعد أن قتلوا حوالى ثلاثة آلاف شخص وقطعوا رؤوس الناس بمن فيهم الأطفال، وقطعوا أطراف آخرين وتركوهم يموتون موتاً بطيئاً.
كانت الجولة الثانية قصيرة، وانتهت بهرب عبد الرحمن آل سعود جدّ الأسرة الحاكمة اليوم إلى الكويت.
بدأ نشاط الجولة الوهّابيّة الثالثة حوالى عام 1901 ميلادياً، إذ تسلّل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود إلى الرياض مع عدد من أعوانه، وكان العامل عليها عجلان من قبل ابن رشيد، وكانت زوجته من أقارب عبد العزيز، فتآمر معها فأدخلته ونفراً معه إلى داخل البيت حيث قتلوا عجلان، ووافتهم جموع الوهّابيّين بناءً على اتفاق سابق، ولما رأى الحرّاس أنّ القوّة أصبحت كبيرة، عرضوا الاستسلام، فأعطوهم إيّاه «لوجه الله ووجه عبد العزيز»، ولما استسلموا قتلوهم وقطّعوا أوصالهم. 3
خطّط عبد العزيز للاستيلاء على «القصيم»، فتزوّج أخت زعيم المنطقة صالح بن حسن المهنّا آل أبا الخيل، وبعد مدّة، دعاه مع وجوه المنطقة إلى وليمة، ولمّا حضروا ألقى القبض عليه وعلى أولاد أخيه السبعة وتظاهر بإرسالهم إلى حائل، وأمر رجاله بقتلهم في الطريق، وكان بين من قُتل طفل في الرابعة من عمره، ثمّ طلّق عبد العزيز الزوجة وقتل حوالى خمسمئة من الذين عارضوه في القصيم. 4
في عام 1906 ميلادياً، كمن عبد العزيز لابن رشيد، حاكم منطقة حائل في «روضة مهنّا»، وفاجأه فقتله مع أربعمئة من رجاله. فتولّى بعد ابن رشيد، ابنه متعب وعمره 15 سنة، ثمّ تآمر عبد العزيز مع أخوال متعب فقتلوا الأمير الجديد وأخويه محمّد عمره سبع سنوات ، ومشعل عمره خمس سنوات في كانون الأوّل عام 1906. وفي آذار عام 1911، غزا عبد العزيز «الصفراء» ونهب 250 بعيراً.
آل سعود والإنكليز
في عام 1913 غزا عبد العزيز «الهفوف»، وقتل 64 جنديّاً كانوا فيها، واحتفالاً بالنصر، دعا عبد العزيز عدداً من أهل المنطقة إلى وليمة، فلمّا حضروا قطع رؤوس بعضهم ووضعها على المائدة وأمر الباقين أن يأكلوا وإلاّ ضرب أعناقهم.
وفي عام 1915، هاجم عبد العزيز آل رشيد في «جراب» فقتل عدداً كبيراً من رجال الفريقين، كما قتل الكابتن شكسبير الذي كان يدير المعركة لابن سعود، فانسحبوا إلى «بريدة».
وفي عام 1919، وبعد استتباب الأمر للإنكليز، هاجم عبد العزيز بإيعاز من البريطانيّين الكويت فقتل ونهب ما أمكنه. 5
بعد مقتل الكابتن شكسبير، عيّنت الاستخبارات البريطانيّة جون فيليبي بديلاً منه للإشراف على السعودييّن. وأوّل ما قام به فيليبي وعبد العزيز، أن بدأا باستخدام المال لإفساد أبناء القبائل. ثمّ هاجم الوهّابيّون «الروضة» واحتلّوا قريتَيْ «بيضاء نثيل» و«الشعبيّة»، فقتلوا المصلّين في المساجد في شهر رمضان، وهتكوا الأعراض ونهبوا الأموال.
ثم هاجم السعوديّون جبل «شمّر»، وقتلوا عدداً كبيراً من الفلاّحين الآمنين خصوصاً في قرية «عقدة». ثمّ اعتمدوا على الخيانة للاستيلاء على حائل عاصمة آل رشيد عام 1922.
ولمّا رفض الشرفاء في الحجاز الموافقة على المعاهدة البريطانيّة الحجازيّة، بدأ السعوديّون التحرّش بالحجاز، ونشبت معركة «تربة» في 25 شعبان عام 1337 هجري 1919 ميلادي ، وعملت الاستخبارات البريطانيّة على تفشيل الجيش الشريفيّ، فاشتبكت ميمنته بميسرته، ثم انقضّ عليهم قائد الوهّابيّين فيصل الدويش، فلم ينجُ من الجيش الشريفيّ البالغ عديده 40.000، سوى خمسمئة، وهرب قائدهم عبد الله بن الحسين جدّ الملك حسين ملك الأردن مع حرسه الخاصّ.
ثمّ انقضّ الوهابيّون على قريتَيْ «حزبة» و«تربة» القريبتين، فقتلوا ثلاثة آلاف من المدنييّن ونهبوا، واعتدوا على الأعراض وأحرقوا النخيل.
في أيلول 1924، غزا السعوديّون الطائف فقتلوا حوالى ألفين من الرجال والنساء والأطفال والعلماء والصالحين، ثمّ عمدوا إلى النهب والسلب وارتكاب الفظائع، حتى أنهم كانوا يقطعون أيدي النساء لينتزعوا الحليّ منها 6 .
وفي عام 1925 غزا السعوديّون بإيعاز من البريطانيين قرية «أم العمد» في شرق الأردن، فقتلوا 250 شخصاً ونهبوا وسلبوا، وكان ذلك تأديباً للأمير عبد الله الذي نصّبه الإنكليز على الأردن تعويضاً لأسرته عن الحجاز، لكنّه بقي مشاكساً. وعام 1928، غزا الوهّابيّون الأردن فوصلوا إلى معان. أما استيلاؤهم على مكّة فحصل بعد انسحاب الشرفاء منها وحصار الملك علي بن الحسين في الطائف من قبل الإنكليز من جهة البحر، والسعوديين من جهة البرّ، وهو الذي عيّنه أبوه، فاكتفوا بنهب داره.
لمّا استولى الوهّابيّون على الحجاز عمدوا إلى هدم القباب والمزارات فدمّروا قبّة ابن عباس في الطائف وقباب عبد المطّلب جدّ الرسول وخديجة زوجته ، وخرّبوا قبورهم كما خرّبوا قبّة مولد الرسول وقبّة مولد فاطمة الزهراء. وفي جدّة خرّبوا قبّة حوّاء وهدموا قبرها والقبور الأخرى.
وإلى جانب الهدم، أحرق الوهّابيّون «المكتبة العربيّة» في مكّة، وهي من أثمن مكتبات العالم، وتحوي ستين ألفاً من الكتب النادرة وحوالى أربعين ألف مخطوطة بعضها ممّا أملاه النبيّ، وبعضها كتبه عليّ بن أبي طالب، وكذلك سائر الصحابة والخلفاء، ومنها ما هو مكتوب على جلد غزال والعظام والألواح الخشبيّة والرُقُم الفخّاريّة والطينيّة، كما كانت المكتبة تشكّل في جانب منها متحفاً يحوي مجموعة من آثار ما قبل الإسلام وبعده. 7
في عام 1925، حاصر الوهّابيّون المدينة المنوّرة وبدأوا السلب والنهب حولها، ثم أخذوا يقصفونها بالمدافع ويطلقون الرصاص على الناس، فاستسلمت بعد عشرة أشهر. فعمد الوهّابيّون إلى هدم القباب والمزارات والمشاهد وفي مقدّمها مسجد حمزة بن عبد المطّلب في جبل أُحُد.
وفي عامَي 1925 و1926، شنّ الوهّابيّون، بقيادة فيصل الدويش، هجمات على العراق حيث قتلوا ونهبوا، فشكاهم حكّام العراق إلى بريطانيا التي وضعت حدّا لغزواتهم في تلك البلاد. 8
ثورة «جيش الإخوان» على عبد العزيز
«جيش الإخوان»، هو الجيش القبليّ الذي خاض المعارك وارتكب المجازر بإمرة عبد العزيز، وكان مشكّلاً من التجمّعات القبليّة التي اعتادت الغزوَ على الطريقة الجاهليّة، وأتى محمّد بن عبد الوهّاب ليشرعِن هذا الغزو ويعطيه غطاء دينيّاً. فوجئ قادة هذا الجيش أنّ زعيمهم عبد العزيز متحالف مع الإنكليز وقد عقد معاهدة معهم وأصبحوا بطانته ومستشاريه. بدأ هؤلاء القادة التحرّك فاستصدر عبد العزيز فتاوى بتكفيرهم وأسمى مشايخ الوهّابيّة هذا الجيش بـ«جيش الشيطان» وراحت أبواق عبد العزيز تروّج أن الفظاعات التي كانت ترتكب إنّما ارتكبها هؤلاء.
عقد قادة «جيش الإخوان»، من قبائل مطير وعتيبة والعجمان مؤتمراً في «الأرطاويّة»، وتعاهدوا على «نصرة دين الله». وبعد عام 1927 بدأ «جيش الإخوان» بالتحرّك وشنّ هجمات على مراكز ابن سعود العسكريّة، فما كان من أهل نجد، الذين ذاقوا الأمرّين منه، إلاّ أن تحرّكوا ضدّه، تساعدهم فتاوى التكفير.
كان الإنكليز قد جهّزوا لعبد العزيز جيشاً بديلاً، وفي 30 آذار 1929 هاجمت جموع هذا الجيش «جيش الإخوان» في «السبلة»، وقتلت عدداً كبيراً منهم، وأصيب فيصل الدويش قائد «جيش الإخوان»، فلم يقتله عبد العزيز بل تركه بجروحه مسجوناً من دون علاج، كما قبض جيش ابن سعود على القائد الثاني لـ«جيش الإخوان» سلطان بن بجاد، فسجنوه وتركوه مكبّلاً من دون طعام أو شراب حتى مات. 9
هرب فيصل الدويش من السجن وراح يجمع أبناء القبائل، فانضمّ إليه العجمان وبعض أفخاذ القبائل التي انقسمت، وكانت تقيم بين الكويت والإحساء. وبعد مناوشات، تراجع إلى حدود الكويت، ليقع بين دبّابات الإنكليز الذين تحرّكوا من الكويت لمساندة السعوديّين، وبين القبائل الموتورة من «جيش الإخوان» التي انقلبت إلى مساندة ابن سعود، فهزم الدويش في معركة «الحفر»، وانسحب باتّجاه الكويت، فألقت القوّات البريطانيّة القبض عليه في 9 كانون الثاني عام 1930، ونُقل إلى عبد العزيز في 28 كانون الثاني، مع عدد من رفاقه: أبو الكلاب وجاسر بن لامي وآخرين.
حاول شيوخ «مطير» التشفّع لقريبهم الدويش فأخبرهم عبد العزيز أنّ جدّه سعود الأوّل كان قد سجن عدداً من شيوخ قبيلتهم، فجاء بعض أقاربهم ليتوسّطوا لهم، فما كان من جدّه إلاّ أن أمر بقطع رؤوس السجناء، ثمّ أحضر الغداء للمطيريّين، ووضع الرؤوس على المائدة وأمرهم أن يأكلوا، فلمّا رفضوا أمر بقتلهم أيضاً.
لائحة بمجازر آل سعود في الجزيرة العربيّة
وفي ما يلي كشف بمجازر آل سعود التي ارتكبوها في ربوع الجزيرة العربية:
1ـ مجزرة مسجد الشعبيّة بمناسبة الهجوم على حائل رمضان 1922 3790 شخصاً .
2 ـ مجزرة الجليدة قرب حائل، 410 قتلى من عشيرة «أسلم» من «شمّر».
3 ـ مجزرة «بيضاء نثيل» 513 من قبيلتهم عنزة .
4 ـ مجزرة أمّ الغراميل، شرق حائل 411 قتيلاً .
5 ـ مجزرة الغوطة في حائل 375 قتيلاً مع هبقان السليطي.
6 ـ مجزرة تربة، مقتل كل الجيش الشريفي 40.000 ونجاة 500 فقط.
7 ـ مجزرة الطائف والحوبة، 15.000 من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ .
8 ـ مجزرة حصار الطائف 2800 من الجيش الشريفي ومن أهل جدّة .
9 ـ مجازر القصيم 37.000 قُتلوا غدراً .
10 ـ مجازر النيصية والوقيد والجثامية، 10.000 من «شمّر» وأهل حائل.
11 ـ مجزرة الجوف، عدد غير محدّد .
12 ـ مجازر تهامة وعسير 50.000 .
13 ـ مجزرة وادي تنومة 1200 حاجّ يمانيّ .
14 ـ مجزرة وادي بني مالك في الطائف، 7000 وهدم سبعين قرية.
15 ـ مجزرة جبل القهر جنوب الحجاز، 1520 قتيلاً عام 1959 من قبائل الريث.
16 ـ مجزرة الجهراء، 1000 قتيل من أهل الجزيرة العربيّة والكويت.
17 ـ مجازر السبلة وأم الرضمة، 5000 من جيش الإخوان الذي حقّق لهم الانتصارات.
18 ـ مجازر قبائل العجمان، 3000 ومنهم نايف وضيدان بن حثلين.
19 ـ مجازر الحويطات وبني عطية وجهينة وبلي، 7000 وتشريد الآلاف.
20 ـ مجزرة الحجاج الإيرانيين 329 بين نساء ورجال . 10
الفتاوى الوهابية
وفي ما يلي، بعضٌ ممّا جاء في فتاوى الوهابيين ضدّ غيرهم من أبناء الجزيرة:
«من محمد بن عبد اللطيف وسعد بن عتيق وسليمان بن سمحان، وعبد الله بن عبد العزيز العتيقي وعبد الله العنقري وعمر بن سليم، وصالح بن عبد العزيز وعبد
الله بن حسن وعبد الله بن عبد اللطيف، وعمر بن عبد اللطيف وحمد بن إبراهيم ومحمد بن عبد الله، وعبد الله بن زاخم ومحمد بن عثمان الشاوي وعبد العزيز العنقري.
إلى من يراه من إخواننا المسلمين سلك الله بنا وبهم الطريق المستقيمة وجنّبنا وإياهم طريق أهل الجحيم آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد، فقد ورد علينا من الإمام عبد العزيز ـ سلّمه الله تعالى ـ سؤال عن بعض الإخوان ، عن مسائل يطلب منّا الجواب عليها فأجبناه بما نصّه:
أمّا مسألة اقتناء عبد العزيز وأولاده ورجال الدين السيّارات والجواري وغيرها دون غيرهم، فهو أمر حادث في آخر الزمان، ولا نعلم حقيقته، ولا رأينا فيه كلاماً لأحد من أهل العلم، فتمعنّا في مسألة الإفتاء فيه، ولا نقول على الله ورسوله بغير علم. والجزم بالإجابة والتحريم يحتاج إلى الوقوف على حقيقته.
وأما مسجد حمزة وأبي رشيد فأفتينا الإمام ـ وفّقه الله ـ بهدمها على الفور.
وأما القوانين، فإن كان موجوداً منها شيء في الحجاز فيُزال فوراً، ولا يحكم إلّا بالشرع المطهر.
وأما دخول الحاج المصري بالسلاح والقوّة في بلد الله الحرام، فأفتينا الإمام بمنعهم من الدخول بالسلاح والقوّة، ومن إظهار الشِرك وجميع المنكرات. وأمّا المحمل المصري والشامي، فأفتينا الإمام بمنعهم من دخول المسجد الحرام، ومن تمكين أحد لأن يتمّسح به أو يقبّله. وما يفعله أهله، من الملاهي والمنكرات، يمنعون منها.
وأمّا الشيعة، فأفتينا الإمام أن يلزمهم البيعة على الإسلام، ويمنعهم من إظهار شعائر دينهم الباطل. وعلى الإمام أيضاً أن يلزم نائبه على الإحساء أن يحضرهم عند الشيخ ابن بشر ويبايعوه على دين الله ورسوله، وترك دعاء الصالحين من أهل البيت وغيرهم، وترك سائر البدع من اجتماعهم على مآتمهم وغيرها ممّا يقيمون به شعائر مذهبهم الباطل، ويُمنعون من زيارة المشاهد، وكذلك يُلزمون بالاجتماع على الصلوات الخمس هم وغيرهم في المساجد، ويرتّب فيهم أئمة ومؤذنون ونواب من أهل السنّة، ويلزمون بتعليم ثلاثة الأصول، وكذلك تهدم محالهم المبنيّة لإقامة البدع في المساجد وغيرها، ومن أبى قبول ما ذكر، يُنفى من بلاد المسلمين.
وأمّا الشيعة من أهل القطيف، فيلزم الإمام ـ أيَّده الله ـ الشيخ ابن بكر أن يسافر إليهم ويُلزمهم بما ذكرناه.
وأمّا البوادي والقرى، التي دخلت في ولاية المسلمين، فأفتينا الإمام أن يبعث لهم دعاة ومعلمين، وإلزامهم شرائع المسلمين.
وأمّا رافضة العراق، الذين انتشروا وخالطوا بادية المسلمين، فأفتينا الإمام بكفّهم عن الدخول في مراتع المسلمين وأراضيهم.
وأمّا المكوس، فأفتينا لعبد العزيز أنّها من المحرمات الظاهرة، فإن تركها فهو الواجب عليه، وإن امتنع فلا يجوز شقّ عصا طاعة المسلمين عليه، والخروج عن طاعته من أجلها.
وأمّا ضريبة الجهاد، فهي محوّلة إلى نظر الإمام عبد العزيز، وهو أعلم بما هو أصلح للإسلام والمسلمين.
ونسأل الله لنا وله ولهم التوفيق والهداية. 8 شعبان 1345 هـ».
عام 1798، طلب إمام عمّان المساعدة البريطانيّة في الهند ضدّ السعوديين، فأفهمه البريطانيّون أنّهم لا يتدخّلون. وأفهمت بريطانيا سعود أنّها لا تعارض حملاته ضدّ المسلمين. وعقد علماء الدرعيّة اجتماعاً قرّروا فيه أن قتال الإنكليز غير واجب لأنّهم «أهل كتاب».
حجج وذرائع
وفي كتاب من عبد الله بن سعود إلى المقيم البريطانيّ في البصرة عام 1817: «كيف تريد منّا أن نردّ ما غنمناه من أعدائنا، من أهل مصر وجدّة واليمن وشحر والمكلّا ومسقط والبصرة وأهل فارس، إنّهم كلّهم أعداؤنا وسنقتلهم حيث ثقفناهم تنفيذاً لأوامر الله فيهم، الله أكبر». 11
وفي كتاب آخر يقول ابن سعود: «إنّ سبب الخصومات المستمرّة بيني وبين من يسمّون أنفسهم «مسلمين»، انحرافهم عن كتاب الخالق ورفضهم الامتثال لنبيّهم محمد… ورأيت من الضروريّ أن أبلغكم بأنّي لن أدنو من شواطئكم».
د. محمد طي

 

كتاب”إدارة التوحش”

يكتسب كتاب” إدارة التوحش” أهمية خاصة لأسباب ثلاثة: فهو أولاً، اجتهاد ديني يضاف إلى الاجتهادات المتنوعة التي جاءت بها الحركات الجهادية الإسلامية في العقود الثلاثة الأخيرة. وهو ثانياً، اجتهاد واضح وصريح، لا يداري ولا يأخذ بالأحكام “الوسطية”، بل يقرر قولاً قاطعاً وحقائق نهائية، وينبذ المواقف المغايرة لوجهة نظره نبذاً كاملاً. أما السبب الثالث، الذي يؤكد أهمية هذا الكتاب، فهو جمع المؤلف (أبو بكر ناجي) بين التصورات الدينية والأفكار “الثورية”، إن صح التعبير، ذلك أنه يقدم في مجال العمل السياسي والإستراتيجية العسكرية تصورات عملية، يمكن أن تأخذ بها القوى الإسلامية الأصولية، وقوى أخرى غير إسلامية.

 

عنوان الكتاب : “إدارة التوحش: أخطر مرحلة ستمر بها الأمة”

 

المؤلف :أبو بكر ناجي

 

دار النشر: مركز الدراسات والبحوث الإسلامية

 

تاريخ النشر : بدون

 

عدد الصفحات: 112 صفحة

 

وقد تزامن صدور هذا الكتاب مع التحولات الإستراتيجية التي شهدتها الحركة السلفية الجهادية، وذلك بالتحول من مقاتلة “العدو القريب” المتمثل بالنظم السياسية العربية والإسلامية التي تنعتها “بالمرتدة”، إلى مقاتلة “العدو البعيد” المتمثل بالغرب عموماً والولايات المتحدة الأميركية “رأس الأفعى” وإسرائيل على وجه الخصوص بكونهم كفاراً(1).

 

وقد اكتشفت السلطات السعودية هذا الكتاب عام 2008، ومنع من التداول في كثير من الدول العربية، وأصبح متاحاً، لاحقاً، في أكثر من 15 ألف رابط في الشبكة العنكبوتية، وترجمته وزارة الدفاع الأميركية للغة الإنجليزية بعد أن عثرت المخابرات الأميركية على وثائق ورسائل موجهة من وإلى بن لادن تشمل فصولاً من هذا الكتاب.

 

التوحش بين الماضي والحاضر

 

البعد العسكري في إدارة التوحش

 

قواعد ووصايا

 

تحقيق الشوكة

 

مستقبل المشروع بين الأنا والآخر

 

*****

 

التوحش بين الماضي والحاضر

 

التوحش هو فكرة الكتاب الأساسية، وقبل أن نستطرد مع المؤلف في معرفة التاصيل التاريخي لحالة التوحش يجدر بنا أن نلقي الضوء على المعنى الذي يقصده من كلمة “التوحش”.

 

فالتوحش كلمة استعملها المؤلف ويقصد بها تلك الحالة من الفوضى التي ستدب في أوصال دولة ما أو منطقة بعينها إذا ما زالت عنها قبضة السلطات الحاكمة.

 

ويعتقد المؤلف أن هذه الحالة من الفوضى ستكون “متوحشة” وسيعاني منها السكان المحليون، لذلك وجب على القاعدة -التي ستحل محل السلطات الحاكمة تمهيدا لإقامة الدولة الإسلامية- أن تحسن “إدارة التوحش” إلى أن تستقر الأمور.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أطلق المؤلف تعبير” إدارة التوحش” أو “إدارة الفوضى المتوحشة”؟ وما هي الفروق بينهما؟

 

يجيب المؤلف بالقول: “لأنها ليست إدارة لشركة تجارية أو مؤسسة تعاني من الفوضى، أو مجموعة من الجيران في حي أو منطقة سكنية أو حتى مجتمعاً مسالماً يعانون من الفوضى، ولكنها طبقاً لعالمنا المعاصر ولسوابقها التاريخية المماثلة وفي ظل الثروات والأطماع والقوى المختلفة والطبيعة البشرية وفي ظل الصورة التي نتوقعها في هذا البحث يكون الأمر أعم من الفوضى، بل إن منطقة التوحش قبل خضوعها للإدارة ستكون في وضع يشبه وضع أفغانستان قبل سيطرة طالبان. منطقة تخضع لقانون الغاب بصورته البدائية، يتعطش أهلها الأخيار منهم بل وعقلاء الأشرار لمن يدير هذا التوحش، بل ويقبلون أن يدير هذا التوحش أي تنظيم أخياراً كانوا أو أشراراً إلا أن إدارة الأشرار لهذا التوحش من الممكن أن تحول هذه المنطقة إلى مزيد من التوحش..!!”(2).

 

ويشير المؤلف إلى أن التاريخ القديم والجديد، ولا سيما الإسلامي منه، شهد مثل هذه المراحل من التوحش، سواء لدى المسلمين أو لدى غيرهم، مما يعني بأن هذه الظاهرة ليست طارئة في التاريخ الإنساني. ومن الأمثلة التي يسوقها المؤلف في هذا الصدد:

 

النظام القبلي الذي حكم المدينة المنورة قبل وصول الرسول عليه السلام، وبعد وصوله أصبح يحكم “بالنظام المثالي لإدارة التوحش”.

 

عند سقوط الخلاقة الإسلامية وتعرض الأمة لهجمات خارجية كالهجمة التتارية والصليبية؛ إذ تشكلت دويلات صغيرة، حاولت أن تصبح دولة خلافة أو دولة مجاورة لدول أخرى.

 

وهناك العديد من الأمثلة التي ساقها المؤلف ليؤكد على تكرار هذه الحالة في العالم بأسره حالياً، مشيراً إلى: أفغانستان، والفلبين مع جبهة تحرير مورو، وحركات الجهاد في الجزائر، وحركة جون غارنغ في جنوب السودان، والحركات اليسارية في أميركا الوسطى وجنوبها(3).

 

“يؤكد المؤلف أن “مرحلة التوحش” تعد المرحلة الثانية بعد المرحلة الأولى التي تتمثل بـ “شوكة النكاية والإنهاك”، وقبل المرحلة الثالثة والأخيرة التي تقود إلى”التمكين”؛ أي إقامة الدولة الإسلامية، حسب الخطاب الجهادي.”

 

ويؤكد المؤلف أن “مرحلة التوحش” تعد المرحلة الثانية بعد المرحلة الأولى التي تتمثل بـ “شوكة النكاية والإنهاك”، وقبل المرحلة الثالثة والأخيرة التي تقود إلى”التمكين”؛ أي إقامة الدولة الإسلامية، حسب الخطاب الجهادي الذي يرى أيضاً أن هناك مناطق رئيسة تمر بهذه المراحل، في حين أن هناك مناطق أخرى -غير رئيسة- لا تمر إلا بمرحلتين؛ أي أنها لا تمر بمرحلة” إدارة التوحش” التي يأتيها التمكين من الخارج.

 

ويشير الكتاب إلى أن عملية اختيار المناطق للدخول إلى “دائرة المناطق الرئيسية”؛ أي المرور عبر مرحلة “إدارة التوحش” اعتمدت على دراسات وبحوث” مرتبطة بالأحداث الجارية”. ولذلك يؤكد بأنه “بعد الأحداث (11سبتمبر) وما تلاها من تطورات أعلنت القيادة بعض التعديلات، فاستبعدت بعض المناطق من مجموعة المناطق الرئيسية، على أن يتم ضمها لتعمل في نظام بقية الدول، وأدخلت بلدين أو قل منطقتين إضافيتين ألا وهما بلاد الحرمين ونيجيريا، ومن ثم أصبحت الدول المرشحة مبدئياً لتدخل في مجموعة المناطق الرئيسية هي مناطق الدول الآتية: الأردن وبلاد المغرب ونيجيريا وباكستان وبلاد الحرمين واليمن”.(4)

 

إن عملية التصنيف هذه، تسمح كما يعتقد المؤلف، “بالتركيز على -الدول الرئيسة- من قبل المجاهدين حتى لا تتشتت قوتهم الضاربة في دول لا مردود من وراء العمل المركز فيها”. وتعتمد عملية التصنيف على مجموعة من المقومات هي:

 

وجود عمق جغرافي وتضاريس تسمح في كل دولة على حدة بإقامة مناطق بها تدار بنظام إدارة التوحش.

 

ضعف النظام الحاكم، وضعف قواته خاصة المتمركزة على أطراف دولته.

 

وجود مد إسلامي جهادي مبشر في هذه المناطق.

 

طبيعة الناس في هذه المناطق.

 

انتشار السلاح بأيدي الناس فيها.

 

أغلب الدول المرشحة في جهات متباعدة مما يصعب مهمة أي قوات دولية في الانتشار في مساحة واسعة في عمق العالم الإسلامي؛ في حين أن دول باقي العالم الإسلامي تتسم بوجود نظام مركزي قوي وتضاريس جغرافية صعبة وطبيعة سكان مختلفة إلى حد ما وإن كانت تحظى بمد إسلامي مثل: تونس وتركيا(5)

 

البعد العسكري في إدارة التوحش

 

ويربط المؤلف في الفصل الأول من الكتاب بين الوصول إلى “إدارة التوحش” والمرحلة التي تسبقها؛ أي مرحلة “شوكة النكاية والإنهاك” التي تتمثل حسب رأيه بأربعة أهداف هي:

 

إنهاك قوات العدو والأنظمة العميلة لها، وتشتيت جهودها، والعمل على جعلها لا تستطيع أن تلتقط أنفاسها بعمليات وإن كانت صغيرة الحجم أو الأثر –ولو ضربة عصا على رأس صليبي- إلا أن انتشارها وتصاعدها سيكون له تأثير على المدى الطويل.

 

جذب شباب جدد للعمل الجهادي عن طريق القيام، بين فترة وأخرى، بعمليات نوعية تلفت أنظار الناس، ويقصد بالعمليات النوعية هنا، العمليات النوعية المتوسطة على غرار عملية بالي، وعملية المحيا، وعملية جربة بتونس، وعمليات تركيا، والعمليات الكبرى في العراق، ومثل ذلك، ولا يقصد عمليات نوعية على غرار سبتمبر، والتي يؤدي شغل التفكير بها إلى تعطيل القيام بالعمليات النوعية الأقل منها حجماً.

 

إخراج المناطق المختارة من سيطرة الأنظمة ومن ثم العمل على إدارة التوحش الذي سيحدث فيها.

 

الارتقاء بمجموعة النكاية بالتدريب والممارسة العملية ليكونوا مهيئين نفسياً وعملياً لمرحلة إدارة التوحش”(6)

 

وإزاء هذه الرغبة في تحريك “الحاضر” نحو المستقبل، وتحريك “مرحلة النكاية” نحو”إدارة التوحش”، ينبه المؤلف من تحذيرات قد يطلقها البعض من هنا أو هناك بحجة “الحفاظ على النسيج الوطني أو اللحمة الوطنية أو الوحدة الوطنية، فعلاوة على أن هذا القول فيه شبهة الوطنية الكافرة، إلا أنه يدل على أنهم لم يفهموا قط الطريقة (السُننية) لسقوط الحضارات وبنائها”.(7)

 

“إن الفكر العسكري الذي يقترحه المؤلف للانتهاء من مرحلة “النكاية” والوصول إلى مرحلة “إدارة التوحش” هو”ضربات متسلسلة لأميركا تنهكها وتستنزفها تمهيدا لسحقها.”

 

إن الفكر العسكري الذي يقترحه المؤلف للانتهاء من مرحلة “النكاية” والوصول إلى مرحلة “إدارة التوحش” هو”ضربات متسلسلة لأميركا تنهكها وتستنزفها تمهيدا لسحقها.

 

ولتطبيق هذه النظرية على أرض الواقع، يضع المؤلف خطتين:

 

الخطة الأولى، تنويع وتوسيع ضربات النكاية في العدو الصليبي والصهيوني في كل بقاع العالم الإسلامي بل وخارجه إن أمكن، بحيث يحدث تشتيت لجهود حلف العدو ومن ثم استنزافه بأكبر قدر ممكن فمثلاً: إذا ضرب منتجع سياحي يرتاده الصليبيون في إندونيسيا، سيتم تأمين جميع المنتجعات السياحية في جميع دول العالم بما يشمل ذلك من شغل قوات إضافية أضعاف الوضع العادي وزيادة كبيرة في الإنفاق، وإذا ضرب بنك ربوي للصليبيين في تركيا سيتم تأمين جميع البنوك التابعة للصليبيين في جميع البلاد ويزداد الاستنزاف، وإذا ضربت مصلحة بترولية بالقرب من ميناء عدن ستوجه الحراسات المكثفة إلى كل شركات البترول وناقلاتها وخطوط أنابيبها لحمايتها وزيادة الاستنزاف، وإذا تم تصفية اثنين من الكتاب المرتدِّين في عملية متزامنة ببلدين مختلفين فسيستوجب ذلك عليهم تأمين آلاف الكتاب في مختلف بلدان العالم الإسلامي.. وهكذا تنويع وتوسيع لدائرة الأهداف وضربات النكاية التي تتم من مجموعات صغيرة ومنفصلة، مع تكرار نوع الهدف مرتين أو ثلاثاً ليتأكد لهم أن ذلك النوع سيظل مستهدفاً “(8).

 

والخطة الثانية، التي يقترحها المؤلف تتمثل في تشتيت قوى النظم السياسية الحاكمة في العالم العربي، بإجبارها على توزيع قوى الأمن لديها لكي تنفذ الأولويات التالية:

 

الحماية الشخصية للعائلات المالكة والأجهزة الرئاسية.

 

الأجانب.

 

الاقتصاد وبخاصة البترول.

 

أماكن اللذة.

 

وإذا تم تركيز الاهتمام والمتابعة -كما يرى المؤلف- “فسيبدأ التراخي وخلو الأطراف والمناطق المزدحمة والشعبية من القوات العسكرية أو وجود أعداد من الجند فيها بقيادة هشة وضعيفة القوة غير كافية العدد من الضباط وذلك لأنهم سيضعون الأكفاء لحماية الأهداف الاقتصادية ولحماية الرؤساء والملوك، ومن ثم تكون هذه القوات الكثيرة الأعداد أحياناً الهشة بنياناً سهلة المهاجمة والحصول على ما في أيديها من سلاح بكميات جيدة، وستشاهد الجماهير كيف يفر الجند لا يلوون على شيء، ومن هنا، يبدأ التوحش والفوضى وتبدأ هذه المناطق تعاني من عدم الأمان.. هذا بالإضافة إلى الإنهاك والاستنزاف في مهاجمة باقي الأهداف ومقاومة السلطات”(9).

 

ولتحقيق كل ذلك يرى المؤلف بأنه يجب أن تطور”القوى المجاهدة” العديد من الإستراتيجيات أهمها:

 

“إستراتيجية عسكرية تعمل على تشتيت جهود وقوات العدو وإنهاك واستنزاف قدراته المالية والعسكرية.

 

إستراتيجية إعلامية تستهدف وتركز على فئتين، فئة الشعوب بحيث تدفع أكبر عدد منهم للانضمام للجهاد والقيام بالدعم الإيجابي والتعاطي السلبي ممن لا يلتحق بالصف، الفئة الثانية جنود العدو أصحاب الرواتب الدنيا لدفعهم إلى الانضمام لصف المجاهدين أو على الأقل الفرار من خدمة العدو”(10).

 

قواعد ووصايا

 

ويضع المؤلف قواعد لإدارة التوحش، يشرحها في الفصل الثاني (11) وتركز على رؤى إستراتيجية تقود مشروعه الفكري والسياسي إلى هدفه وهي عبارة عن مجموعة من الوصايا منها:

 

إتقان الإدارة.

 

اعتماد القواعد العسكرية المجربة.

 

العمل دون كلل على تصاعد العمليات العسكرية.

 

الضرب بأقصى قوة في أضعف نقاط العدو.

 

اعتماد الشدة واتباع سياسة تقنع العدو بأنه لن يفلت من أي فعل يقوم به دون “دفع الثمن”.

 

فهم بواعث الفكر والسلوك السياسي سواء للأعداء أو المجاورين (المقصود بالمجاورين الحركات الإسلامية الأخرى).

 

فهم السياسة الإعلامية للعدو والرد عليها.

 

ويتحسب المؤلف للمشكلات والتحديات التي ستقف حجر عثرة أمام تنفيذ الوصايا السابقة، فيقول إن مرحلة [إدارة التوحش] سنواجه مشكلة غارات العدو-الصليبي أو المرتد- الجوية على معسكرات تدريب أو مناطق سكنية في نطاق المناطق التي نديرها، ومع وضع تحصينات دفاعية وخنادق لمواجهة تلك المشكلة إلا أنه ينبغي كذلك أن نتبع سياسة دفع الثمن في مواجهة إجرام العدو، وسياسة دفع الثمن -التي سبق الإشارة إليها- في هذه الحالة تحقق ردعاً للعدو وتجعله يفكر ألف مرة قبل مهاجمة المناطق المدارة بنظام إدارة التوحش”.

 

ويفصل المؤلف وجهة نظره أكثر قائلاً: إن أفضل من يقوم بعمليات دفع الثمن هم المجموعات الأخرى في المناطق الأخرى، والتي لم يقع عليها العدوان، وفي ذلك فوائد عدة سنتوسع فيها في الفصل الخاص بالشوكة من أهمها، إشعار العدو أنه محاصر ومصالحه مكشوفة، فلو قام العدو بعمل عدائي على منطقة في جزيرة العرب أو في العراق فتم الرد عليه في المغرب أو نيجيريا أو إندونيسيا سيؤدي ذلك إلى إرباك العدو خاصة إذا كانت المنطقة التي تتم فيها عملية دفع الثمن تخضع لسيطرة أنظمة الكفر أو أنظمة الردة فلن يجد مجالاً جيداً للرد عليها، وستعمل تلك العملية كذلك على رفع معنويات من وقع عليهم العدوان وإيصال رسالة عملية للمسلمين في كل مكان بأننا أمة واحدة وأن واجب النصرة لا ينقطع بحدود”.

 

ويضيف المؤلف “ولا يقتصر دفع الثمن في الصورة السابقة على العدو الصليبي، فعلى سبيل المثال إذا قام النظام المصري المرتد بعمل قام فيه بقتل وأسر مجموعة من المجاهدين، يمكن أن يقوم شباب الجهاد في الجزيرة أو المغرب بتوجيه ضربة للسفارة المصرية مع بيان تبريري لها أو القيام بخطف دبلوماسيين مصريين كرهائن حتى يتم الإفراج عن مجموعة من المجاهدين مثلاً ونحو ذلك”.

 

تحقيق الشوكة

 

“الدول المرشحة لتدخل ضمن مجموعة المناطق الرئيسية لعمل القاعدة لأنها المرشحة بدرجة أكبر من غيرها للدخول في مرحلة إدارة التوحش هي: الأردن وبلاد المغرب ونيجيريا وباكستان وبلاد الحرمين واليمن.”

 

إن تحقيق التضامن والثقة والقوة الجماعية لا يتم إلا عبر ما أطلق عليه المؤلف “تحقيق الشوكة”. ويقصد بالشوكة هو “الموالاة الإيمانية، فعندما يحصل كل فرد في المجموعة أو في منطقة التوحش -مهما قل شأنه- على الولاء من باقي الأفراد ومن ثم يعطي هو الولاء للباقين بحيث يكون هو فداء لهم وهم فداء له، من ذلك تتكون شوكة من هذه المجموعة في مواجهة الأعداء”. (12)

 

ويقول المؤلف إن العمل العسكري هام جداً في استمرارية الحركات الإسلامية الجهادية وبقائها، ولكن هذا الأمر لا يغنى عن العمل السياسي، ولهذا يطالب قيادات هذه الحركات” بإتقان علم السياسة كإتقان العلم العسكري سواء بسواء”. ويتمثل البعد السياسي بالنسبة للمؤلف في فهم بواعث الفكر والسلوك السياسي سواء للأعداء أو المجاورين (الحركات الإسلامية الأخرى). ويساهم هذا البعد في فهم “المنطلق المادي الذي يحرك الأعداء”.

 

ويشير المؤلف إلى بعض النقاط الهامة التي يجب أن تأخذها القيادة العليا للحركة الإسلامية بعين الاعتبار وهي تمارس عملها السياسي وهي:

 

أن لا تكتفي القيادة السياسية المسلمة بأن تكون رفيعة المستوى, بل لا بد أن تكون القواعد الإسلامية أيضا على مستوى رفيع وقدر عال من الإدراك.

 

فهم المتفق عليه والمختلف فيه بين التيار السلفي الجهادي وغيره من التيارات الإسلامية الأخرى والتعامل معهم استنادا على هذا الأساس.

 

تحديد ردود الفعل تجاه أي خطوة نخطط للقيام بها ومن ثم المضي قدماً في القيام بها أو تأجيلها للظرف المناسب أو تهيئة الأوضاع لها لتكون مناسبة.

 

الحذر من إغفال دراسة وفهم السياسة الشرعية في التعامل مع الصف المجاهد ومع المستجيبين من الأعداء عندما يدخلون إلى الصف المسلم بل أحياناً قد يدخلون إلى الصف المجاهد مباشرة، نتعلم كيف نتصرف إذا خرج من بيننا وفي صفنا خوارج أو بغاة أو مرتدون أو من يطلب ذات أنواط أو من يطلب وضع تشريع ينظم العمل يشمل مخالفة لنصوص شرعية أو يطالب بالانضمام إلى الأمم المتحدة.

 

فهم السياسة الإعلامية للخصوم والتعامل لكسب المعركة العسكرية والسياسية.

 

أما عن الاستقطاب وقواعد الالتحاق وهما من النصائح الهامة التي أوردها المؤلف فيقول يجب “جر الشعوب إلى المعركة بحيث يحدث بين الناس -كل الناس- استقطاب، فيذهب فريق منهم إلى جانب أهل الحق وفريق إلى جانب أهل الباطل ويتبقى فريق ثالث محايد ينتظر نتيجة المعركة لينضم للمنتصر. فيقول “علينا جذب تعاطف هذا الفريق وجعله يتمنى انتصار أهل الإيمان، خاصة أنه قد يكون لهذا الفريق دور حاسم في المراحل الأخيرة من المعركة الحالية”.(13)

 

ووسائل الاستقطاب في مرحلة التوحش هذه تتمثل: برفع الحالة الإيمانية، والمخاطبة المباشرة، والعفو، والتأليف بالمال.

 

ثم يذهب خيال المؤلف بعيدا ليتوقع بداية دخول تنافس وحتى تصارع بين قادة إدارة مناطق التوحش أنفسهم، ولهذا السبب يطرح سؤالاً غاية في الأهمية وهو: “عند تعثر منطقة من المناطق المدارة من إدارة التوحش أو عند الحاجة لضم وإلحاق منطقتين متجاورتين ببعضهما البعض أو أكثر من منطقتين: أيُّ المنطقتين تلتحق بالأخرى وتنزل إداراتها تحت إمرة الإدارة الأخرى؟ وهل الذي يحسم تلك الأمور عنصر السبق في الجهاد والعمل لدين الله أو عنصر التفوق المادي والأقدر على القيادة أو عناصر أخرى؟”.

 

يجيب المؤلف “في دراسة سابقة طُرح أنه عند اتحاد جماعتين جهاديتين أن يتولى الإمارة الأصلح قياماً بأعمال الجهاد والأكثر قدرة على تحقيق أهدافه كذلك”.(14)

 

ويعترف المؤلف بشكل صريح بطول المعركة وصعوبة تحقيق مشروع التمكين (إقامة الدولة الإسلامية)، وهذا لا يعنى فقدان الأمل بالنسبة إليه، بل شكل من أشكال الواقعية التي تسم رؤيته، ولهذا يقول: “ظواهر الأحداث وتطورها ينبئ بطول المعركة، وطولها يتيح فرصة لاختراق الخصوم والمجاورين وتأسيس جهاز أمني قوي يكون أكبر دعامة لتأمين الحركة الآن والدولة فيما بعد”.

 

“يدعو المؤلف إلى اختراق الجماعات الإسلامية الأخرى، بل والترقي في سلمها القيادي من خلال أفراد موثوق في تمكنهم من مدافعة الشبهات العلمية والشهوات، ويقول إن ذلك ينتج عنه فوائد كثيرة.”

 

وفيما يتعلق بعمليات التجسس على الجماعات الأخرى فهو يرى بأن:”إن اختراق الجماعات الإسلامية الأخرى، بل والترقي في سلمها القيادي من خلال أفراد موثوق في تمكنهم من مدافعة الشبهات العلمية والشهوات، ينتج عن ذلك فوائد كثيرة مختلفة، وهناك حالات سابقة ناجحة.

 

لكن المؤلف يستدرك لدرء شبهة إشكالية حرمة التجسس على المسلمين، فيقول “أعتقد بجواز ذلك (التجسس) تجاه الحركات التي تؤذي المجاهدين أو تتعامل مع الطواغيت، أما اختراق الحركات التي لا تؤذي المجاهدين فلا يتم الاختراق لجمع المعلومات ولكن لدعوتهم والتقرب منهم والاستفادة من تحويل مواقفهم في صالح الجهاد حال الأوضاع والمواقف الحاسمة”.

 

وكما هو الحال في الفقه السياسي الغربي الذي يتحدث عن”التنشئة السياسية والاجتماعية” لبناء الدولة، يطالب المؤلف باعتماد “أساليب تربوية” لبناء جيل من الشباب الجهادي كما “تربى الجيل الأول”.

 

ويعدد المؤلف مجموعة من الأساليب التي يمكن استخدامها لتحقيق هذا الهدف منها: التربية بالموعظة، وبالعادة، وبالطاعة، وبالقدوة، وبالأحداث.

 

ولا شك أن تأثيرات سيد قطب وابن تيمية على المؤلف واضحة فيما يتعلق بالجانب التربوي ولذلك فهو يقول: “ورحم الله سيد قطب القائل: “إن هذا القرآن لا يكشف أسراره إلا للذين يخوضون به المعارك، والذين يعيشون في الجو الذي تنزل فيه أول مرة”, لذلك تنبه علماء السلف وأهل النظر الثاقب من المعاصرين إلى هذه القضية، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: “من كان كثير الذنوب فأعظم دوائه الجهاد”.

 

ويعترف المؤلف بوجود بعض العقبات التي تواجه تحقيق مشروع “إدارة التوحش” التي تقود، حسب المنطق الذي يحكم فكره، إلى الدولة الإسلامية، بل وإلى الخلافة الإسلامية. ويعدد ستا منها في الفصل الثالث من الكتاب مقترحاً، في الوقت نفسه، بعض الحلول لمواجهتها إذا حدثت ومنها: مشكلة تناقص العناصر المؤمنة، ونقص الكوادر الإدارية، ومشكلة الولاء القديم لعناصر الإدارة، ومشكلة الاختراق والجواسيس، ومشكلة التفلت أو الانقلاب من أفراد أو مجموعات، ومشكلة التحمس الزائد عن الحد وملحقاتها لدى بعض المجاهدين (15).

 

ففيما يتعلق بمشكلة تناقص العناصر المؤمنة يذكرنا المؤلف إلى أنه “في بداية الحرب الأفغانية في سبعينيات القرن الفائت مر بالجهاد فترات عصيبة، حيث وُجِّهت للمجاهدين عدة ضربات حتى تبقى منهم -في إحدى الروايات- ثلاثون رجلاً ولكن بعد ذلك وعلى مدار أكثر من عشر سنوات في مواجهة النظام ثم في مواجهة النظام والروس قدَّم الجهاد هناك مليون ونصف مليون شهيد -بالطبع منهم أعداد كبيرة من الشعب المسلم مات تحت القصف- فمن أين أتت هذه الأعداد؟ الإجابة أن ذلك حدث من خلال جر الشعب إلى المعركة وتجييشه، خاصة عندما نقيم مناطق آمنة من الفوضى والتوحش الناتج عن القتال ويهاجر الناس إلى تلك المناطق”. (16)

 

وفيما يتعلق بمشكلة نقص الكوادر الإدارية، ولا سيما في الفترات الأولى لمرحلة “إدارة التوحش” يرى المؤلف بأنه، “ينبغي أن تدار بأيدينا وأيدي الناس الذين يعيشون فيها، بل والأهم أنه يوجد للمشكلة حل أفضل من ذلك، ألا وهو أن نقترب من الناس، وقد نُعين منهم في إدارة المنطقة التي نديرها أفراداً لإدارة بعض الأعمال برواتب وأجور، في حين سيجدون رجالنا يعملون بجانبهم بدون أجر، يجب أن يروا منا مثالاً للصبر والزهد والبذل والتضحية ، مثالاً للعدل وإنصاف المظلومين”.(17)

 

وبالنسبة لما يعتبره المؤلف مشكلة متمثلة في “الولاء القديم” للجماعات الإسلامية الأخرى يقول المؤلف حلا لهذه المشكلة “الذي يعطينا الولاء نتولاه الولاية الكاملة، إلا إذا أظهر في كلامه أو أحواله استمرار ولائه مع تنظيمه السابق أو تبنى بعض القضايا أو المفاهيم لذلك الحزب فلنا هنا وقفة: فمثلاً لو وجدناه يتصل بقيادات في جماعة مثل الإخوان أو أي تيار إرجائي فنسأله: هل تعتقد ما يعتقدون في دخول المجالس البرلمانية الشركية أو عدم الكفر بالطاغوت؟، فإن جاءت إجابته تحتمل التأويل فقد لا نستطيع إنزال حكم عليه بسبب مانع التأويل إلا أننا لا نقبل في صفنا هذه النوعيات”.(18)

 

أما مشكلة الاختراق والجواسيس، فقد اعتبرها المؤلف على درجة عالية من الأهمية، وإن كان يعتقد بقدرة تياره على مواجهة هذه الظاهرة لأن التجارب الجهادية والقتالية الدائمة تسمح بالتأكد من إخلاص هذا الشخص من عدمه.

 

والمشكلة الخامسة التي طرحها المؤلف فتتمثل بمشكلة التفلت أو الانقلاب من أفراد أو مجموعات أو مناطق بأكملها، وهذا يعكس الحس الأمني الحاضر باستمرار وبقوة في ذهن المؤلف وفي تصوراته المستقبلية إزاء، ليست فقط “مرحلة التوحش”، بل وأيضاً مرحلة ما بعد التوحش؛ أي إقامة الدولة. فالمؤلف يرى أن “بعض مناطق التوحش ستقع تحت سيطرة إدارة عشائرية أو أحد التنظيمات المسلحة من بقايا الأنظمة أو تنظيم لأحد الأحزاب ونحو ذلك، وإننا تغليباً لحكم الإسلام سنعاملهم على أنهم مسلمون، وعلينا مراسلتهم والتأكيد على أن يحكموا بالشرع وأن يتبادلوا الولاء والنصرة”.

 

والمشكلة السادسة والأخيرة التي يحذر منها المؤلف تتمثل بالسمات الثلاث التي على المجاهدين عدم الوقوع فيها أثناء قيادتهم لإدارة التوحش وهي: التعجل بالعمليات، والغلو، والحماقة.

 

مستقبل المشروع بين الأنا والآخر

 

ويبدو أن صاحب الكتاب يستشعر ما يفكر به الآخرون، سواء أكانوا تيارات إسلامية أم غيرها، حول عنف وقوة المشروع الذي يقترحه، ولذلك يطرح في نهاية “مشروعه الثوري”؛ أي في خاتمة الكتاب السؤال التالي: “هل توجد حلول أخرى أيسر من ذلك الحل الصعب وأحقن للدماء ؟”.(19)

 

فيشير السيد ناجي إلى مشاريع الآخرين ليقارن بينها وبين مشروعه الخاص المعروض في هذا الكتاب:

 

يطرح البعض حلولاً سلمية كالانتخابات والاقتصار على الدعوة السلمية.

 

ويطرح الأكثر عقلاًنية حلولاً تستخدم القوة من خلال ضربة خاطفة سريعة تنهي كل شيء في وقت قصير دون إراقة الكثير من الدماء، وتلك الضربة تتم على ضربين تبعاً لمنهجية القائم عليها وطريقة تفكيره؛ فيطرح البعض ضربة سريعة عن طريق انقلاب عسكري، ويطرح آخرون ضربة تتم بعد إعداد سري لا يعلم به أحد.

 

ويطرح البعض الضربة الخاطفة عن طريق تربية طويلة سلمية تتم تحت أعين الطواغيت يتم خلالها تكوين المؤسسات الإسلامية السياسية والاقتصادية والعلمية الشرعية والتقنية.. الخ، ثم بعد ذلك تتم الضربة الخاطفة من خلال هذه المؤسسات.

 

ويطرح البعض أن يقوم بالضربة أبناؤنا وليس نحن ولا أدري كيف سيقاتل الأبناء وهذا حال الآباء؟!

 

“ينقد المؤلف الفكر الوسطي ويقول عنه “إن هذا الفقه الذي نسمعه من مشايخنا من جواز التّعدّديّة السّياسيّة، وجواز التّداول على السّلطة، وعدم جواز الجهاد الهجومي، وجواز تولّي الكفّار المناصب السّياسيّة والعسكريّة والقضائيّة في الدّولة الإسلاميّة (مرده) هذا الحلم الفاسد الناشئ عن تُخمةٍ مردّها خلط الأفكار غير المتجانسة”.”

 

بالمقابل، يدافع السيد ناجي عن مشروعه بالقول: “علينا أن نعلم أنّ النّصر الكبير الضّخم مجموعة من سلسلة انتصارات صغيرة، ولا يمكن أن يقع شيء في مجال النّصر والهزيمة بصورة طفرةٍ مفاجئة تباغت المنتصر أو المهزوم، إذ الطّفرة التي لا مقدّمة لها لا وجود لها إلاّ في عقول مشايخنا وقادتنا فقط”.

 

إلى أن يقول: “إنّنا نحلم بترتيب رفيعٍ جدّاً لشوكةِ التّمكين دون المرور بشوْكة النّكاية، وهي الشّوكة التي يقع فيها: “إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ”، ويقع فيها: “يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ”، وهذا مع عدم إمكانيّة حدوثه فإنّه يفرز ولا شكّ فِقهاً أعوجَ، وأحكاماً فاسدة، وما هذا الفقه الذي نسمعه من مشايخنا من جواز التّعدّديّة السّياسيّة، وجواز التّداول على السّلطة، وعدم جواز الجهاد الهجومي، وجواز تولّي الكفّار المناصب السّياسيّة والعسكريّة والقضائيّة في الدّولة الإسلاميّة إلاّ بسبب هذا الحلم الفاسد الناشئ عن تُخمةٍ مردّها خلط الأفكار غير المتجانسة”.

 

ويختم المؤلف كتابه بالقول: “إن حركات الجهاد السلفية هي المتقدمة عن غيرها في فهمها لدين الله تعالى -فهم السنن الشرعية والكونية-، وهي الأمل إن شاء الله تعالى”.

 

ماذا بعد؟

 

يمكن اعتبار هذا الكتاب بمثابة “دستور الدولة الإسلامية المستقبلية” بالنسبة للحركات الجهادية، ولا سيما القاعدة منها، فهو نموذج للخطاب الإسلامي الجهادي المتطور بكل معانيه الفكرية، والعسكرية والسياسية؛ فهو يمثل طوراً جديداً من الخطابات التي تعتمد على الحركة أكثر من الفكر، وعلى الفعل العسكري أكثر من الفعل السياسي، وعلى المستقبل أكثر من الماضي.

 

وإن نظرة على العمليات التي تبنتها القاعدة يعطينا فكرة عن مدى تطبيق تعليمات هذا الكتاب “بدقة” من قبل أتباع التيار السلفي الجهادي حول العالم كاستهداف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالمنطقة؛ الأردن، ومصر، والسعودية، واستهداف أيضاً للرموز الغربية من فنادق ومنتجعات سياحية كما حصل في الدار البيضاء، وبالي، وعمان، أو رموز دينية كما حدث في الكنيس اليهودي في جربا بتونس، وإسطنبول. واقتصادياً باستهداف البنى التحتية التي تنقل النفط العربي إلى الغرب كما حدث في لمبرغ في هولندا، ومركز تكرير النفط في بقيق بالمنطقة الشرقية بالسعودية(20).

 

لا بد من الاعتراف أن هناك عدّة عوامل ساهمت في إذكاء حالة التعاطف مع الخطاب الجهادي السلفي الذي يمثله هذا الكتاب منها: السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل، وغزوها لأفغانستان والعراق، وتهديدها لسوريا وإيران، ناهيك عن دعمها للأنظمة العربية التسلطية، وكل ذلك يثير الغضب الشعبي ويشكك في مصداقية هذه السياسة.

 

إن من الواضح أن كتاب “إدارة التوحش” يثير التساؤلات أكثر مما يقدم إجابات، ويدفع للنظر للمستقبل أكثر من الحاضر، فهناك أسئلة من الضرورة بمكان التفكير بها والإجابة عليها بروية وهي:

 

ما هو المعيار الذي يقيس به المؤلف “جهادية” أتباعه وقدراتهم على الصمود والقتال والاستعداد المستمر للشهادة أو النصر؟

 

وإذ يحيلنا المؤلف إلى زمن المسلمين الأوائل ودولتهم؛ فهل ثمة ما يسمح باستعادة تجربة “دولة المدينة المنورة” التي أقامها الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أكثر من 14 قرناً؟(21)

 

هل هذا الخطاب الذي تتبناه السلفية الجهادية يمثل فكراً إسلامياً أصيلاً أم أنه “فكر طارئ” أو “ردة فعل” على أحداث في سياق مواجهة بين العالم الإسلامي والعالم الآخر ولا سيما الغربي؟

 

في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها العالم العربي والإسلامي: هل يمكن أن يمثل فكر هذا التيار السلفي الجهادي خياراً مقبولاً –ولو مؤقتا- لدى الشعوب التي تشعر بأنها وصلت إلى طرق مسدودة بعدما أفلست كل الخيارات الفكرية من يسارية وقومية وإسلامية معتدلة وفق نظرية “ملء الفراغ”؟

 

********

 

*جمال الشلبي، أستاذ علوم سياسية بالجامعة الهاشمية في الأردن. حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية القانون بجامعة باريس الثانية “السوربون”، عام 1995. وقد عمل في عدة جامعات قبل أن يستقر بالجامعة الهاشمية منذ العام 2000. نشر العديد من الكتب منها: “الحوار العربي الاسكندنافي”، “محمد حسنين هيكل بين النظام الاشتراكي لعبد الناصر وانفتاح السادات 1952 – 1981)”، “لارماتان”، “العرب وأوروبا: رؤية سياسية معاصرة”، “التحول الديمقراطي وحرية الصحافة في الأردن”.

 

 

 

**************

 

المصادر والهوامش

 

 

 

1- Heisbourg, François,” Après Al Qaida: La nouvelle Génération du Terrorisme”, Stock, Paris, 2009, P.30.

 

2- ص 11.

 

3- ص 12 – 14.

 

4- ص 15.

 

5- ص 16.

 

6- ص 16.

 

7- ص 17.

 

8- ص 19.

 

9- ص 20.

 

10- ص 20.

 

11- ص 23 : 62.

 

12- ص 34.

 

13- ص 46.

 

14- ص 50.

 

15- ص 62 : 71.

 

16- ص 63.

 

17- ص 65.

 

18- ص 65.

 

19- ص 72 : 79.

 

20- Heisbourg, François, op.cit., P..31

 

21- جمال البنا، “الإسلام دين وأمة وليس دين ودولة”، دار الشروق، القاهرة، 2003.

 

  1. ——-

 

تدوينة

المصدر : مركز الجزيرة للدراسات

 

رابط الموضوع : http://www.assakina.com/center/read_book/12768.html#ixzz2slZofwY4

جامع في ميونيخ .. دور المخابرات النازية والأميركية في نشوء ونشاط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين

جامع في ميونيخ .. دور المخابرات النازية والأميركية في نشوء ونشاط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين

وكالة أوقات الشام الإخبارية –

إيان جونسون
دام برس:
بسم الله الرحمن الرحيم }وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّه يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{ سورية التوبة الآية (107)

استهلال
ـ تأكد أبو عامر الراهب أن سلطته تهددت، وأن نفوذه إلى أفول بسبب إقامة الرسول لدولته في المدينة المنورة.
ولاستعادة السلطة. لجأ أبو عامر الراهب لمحاربة الرسول محمد (ص) بكل الوسائل حتى وصل التآمر على النبي إلى حد التحالف مع ملك الروم هرقل.
وفي المدينة المنورة بنى رجال أبو عامر مسجداً ليكون ضراراً لمسجد قباء الذي بناه الرسول .. ولم يكن جامع الضرار إلا مركزاً ومقراً وقيادة ورصداً ومنبراً لأبو عامر الراهب في حربه لاستعادة السلطة في المدينة.
فهل هناك في العصر الحديث ما يماثل مسجد ضرار؟؟ وهل هناك معادل موضوعي لأبو عامر الراهب كسياسة واستراتيجية.؟؟
إننا نسأل التاريخ.
لأن من لا يقرأون التاريخ محكومون بتكراره.
و(جامع في ميونيخ) صفحة من التاريخ تكثفت فيها انطلاقة تنظيم استخدم الدين كغطاء ايديولوجي، واستعمل الجامع كمقر ومنطلق، وتوسل الاعلام لتجنيد القلوب والعقول، والقشرة التي ظاهرها دعوة روحية وأبحاث دعوية، باطنها عمل منظم من أجل الوصول للسلطة السياسية عبر بناء الدولة- دولة الخلافة الاسلامية….
جامع ميونيخ، هو جامع ضرار الحديث، وأبو عامر الراهب بات اسمه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وبدل هرقل ملك الروم جاءت المخابرات النازية ثم الأميركية.
ودائماً الدين هو الغطاء- والسياسة هي المضمون والإعلام والفكر هما الوسيلة…
إنه التاريخ الذي لم نقرأه جيداً.. والذي تكرر علينا بكل مصائبه.
فهل نعي حقيقة ما يجري؟؟ وهل نتحصن ضد ما ينتظرنا من مصائب؟؟
قصة الكتاب: (المقدمة)
في شتاء 2003 كنت في مكتبة بمدينة لندن مختصة بالتاريخ والأدب والدراسات الاسلامية، لدرجة يسميها اللندنيون (لندنستان).
لاحظت أثناء تجوالي في ردهات المكتبة، خريطة فريدة للعالم، لوّنت فيها البلاد حسب نسبة المسلمين فيها، وكان الأخضر الغامق للدول ذات الأغلبية المسلمة الكبرى وكلما بهت الأخضر دلّ على تناقص نسبة المسلمين في البلد الملون. وكانت الألوان وكأنها تقسم العالم إلى مسلمين من جهة وغير مسلمين من جهة أخرى.
وفي إطار الخريطة كان هناك صوراً لأشهر المساجد الإسلامية في العالم مكة- الأقصى- الجامع الأزرق في اسطنبول وكان هناك صورة للمركز الاسلامي في ميونيخ…
وهذه أول مرة أسمع فيها عن مسجد في ميونيخ (المركز الإسلامي) يوضع مع المسجد النبوي في مكة. ومسجد الصخرة في القدس. ما قصة هذا المسجد؟؟….. ولأنني كنت أنوي زيارة ميونيخ قررت المرور على هذا المسجد، لأتعرف على أهميته.
بعد رحلة طويلة خارج ميونيخ وصلت إلى المسجد، وجدته بناء مهملاً رغم أنه كان على شكل منطاد (تصميم مستقبلي) ووجدت حارس نحيل رث الثياب يحرس الجامع وعندما سألته (لماذا كان هذا الجامع مشهوراً جداً؟؟) لم يهتم، وأجاب (لا أعرف) ولما سألته من أسسه؟؟ لم يجبني.
تساءلت ما الذي حصل في هذا المسجد؟؟ وظننت أنني سأحصل على إجابة من بعض  أفراد الجالية المسلمة في ميونيخ- والذين هاجروا إليها في ستينيات القرن الماضي- ولكن ما حدث أن الإجابة تفيد أن سر هذا الجامع يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي- وهكذا بدأت رحلة بحث أخذتني إلى ملفات في المحفوظات الأميركية والأوروبية، وتابعت شهادات أناس شاركوا في أحداث هذا الجامع وهم الآن على حافة القبر ووجدت ثلاث مجموعات دعمت الجامع وصولاً لأهداف معينة:
1- مفكرون نازيون يعملون مع المخابرات النازية خططوا لاستخدام الإسلام كسلاح سياسي خلال الحرب العالمية الثانية، ووسّعوا تلك الاستراتيجية لتمتد إلى مرحلة الحرب الباردة.
2- أعضاء في المخابرات المركزية أسسوا على ما أنجزه النازيون، وعملوا لاستغلال الإسلام في محاربة الشيوعية.
3- مجموعة من المسلمين الأصوليين وجدوا في الجامع موطئ قدم وقاعدة لعملهم وسعيهم لتحقيق ما يؤمنون به الخلافة الإسلامية.
وهكذا فإن المجموعات الثلاث التي دعمت الجامع وعملت من خلاله لم يكن هدفها إنشاء مركز للعبادة والتدين، بل هدفت وأنشأت مركزاً للنشاط السياسي والعنفي.
وخاضت هذه المجموعات  في البداية حرباً نفسية معركتها الأفكار ما لبثت أن تطورت لتصبح معركة جنود وأسلحة- وما بدأ في ميونيخ تطور إلى ما حصل في كثير من البلاد، كإنشاء تنظيم (القاعدة) ومحاربة السوفييت بالمجاهدين الإسلاميين – كما امتدت هذه الحرب إلى العراق- (وفي أحداث ما يسمى بالربيع العربي اُستخدم الإسلام سياسياً وعنفياً لتحقيق أهداف المخابرات الغربية).
الإخوان المسلمون هم أكثر المجموعات الإسلامية تنظيماً، واستغلت الجامع لتنشط في الغرب (ولتؤسس مايسمى التنظيم الدولي الذي يدير الجماعة كلها) وهكذا حول الإخوان المسلمون جامع ميونيخ إلى منصة انطلقوا إلى المجتمع الغربي ليشكلوا قوتهم وامتداداتهم الدولية (التنظيم الدولي). كقيادة لعملهم السياسي في العالم كله بهدف تحقيق الخلافة الإسلامية.
يغطي هذا الكتاب الكثير من الفجوات في تاريخ العلاقة بين المخابرات النازية ثم الأميركية وبين الإخوان المسلمين- ويكشف عن تاريخ عمل الإخوان وخدمتهم لأجندات خارجية (نازية- ثم أميركية) من أجل التمكن من الوصول لأهدافهم – ولتحقيق هذا الكتاب اضطررت إلى فتح ملفات كثيرة والعودة إلى كتابات عديدة، والأهم أن كثيراً من الشهود الذين أدلوا بشهادتهم لي كانوا يقضون نحبهم وعلى حافة قبرهم. وهكذا فقد اعتمدت وثائق المخابرات والمراكز الإسلامية وشهادات من عاصروا وعملوا وشاركوا في إدارة نشاط الجامع.
والحكاية كلها بدأت من ساحات معارك الحرب العالمية الثانية.
الحروب الساخنة:
في العام 1941 زج الجيش الستاليني بالوحدات العسكرية المؤلفة من جنود جاؤوا من القفقاس وآسيا الوسطى التي ضمها الاتحاد السوفييتي إليه وهي مؤلفة من شعوب مسلمة. ونتيجة هزيمة الجيش الستاليني في كثير من المعارك. استسلم عدد كبير من الجنود السوفييت وكثير منهم هرب. والتئم جمعهم في ميونيخ. مهاجرين ومحتجزين في معسكرات الاعتقال.
الجيش الألماني وعمل على استثمار أبناء الأديان والقوميات المعادية للنظام السوفييتي، وبدأ في معسكرات الاعتقال بحملة تثقيف لدفع هؤلاء الأسرى للانتقال للعمل مع الجيش الألماني والقتال معه ضد السوفييت والجيش السوفييتي، وفي العام 1942 كان هناك حوالي مليون جندي سوفييتي من هؤلاء وقد انتقلوا للعمل في الجيش الألماني كان من بينهم 250 ألف مسلم، وسميت خطة استخدام الأسرى السوفييت هذه بالخطة (النمر ب). وزج بهذه الوحدات في المعارك العسكرية،  فحققت نتائج مهمة وبعضهم اشترك في معركة ستالينغراد. وثبت للألمان جدوى استخدام المسلمين ضد السوفييت.
توسعت خطة (النمر ب) وأنشأ الألمان وحدات عسكرية من المسلمين فقط، وكان هتلر يرتاح للمسلمين، وبارك هتلر شخصياً الاعتماد على المسلمين وهذا ما جعل الألمان ينتبهون إلى قوة الإسلام، حيث جنود داغستان وكازاخ وأمثالها كانوا يعرّفون عن أنفسهم بأنهم مسلمون وهذا جعل الألمان يهتمون: هؤلاء رجال يحاربون من أجل دين يعارض الشيوعية بشدة (نفس الفكرة اعتمدتها أميركا عندما قامت مع السعودية بتجنيد المجاهدين ضد الاحتلال السوفييتي في أفغانستان).
بعد ذلك طلبت قوات الاستخبارات النازية تشكيل وحدات عسكرية من غير الألمان عندما تم جمع وحدات المسلمين (الفرقة 450) مع وحدات أخرى ضمن فرقة كبيرة تابعة للاستخبارات الألمانية وسميت (تشكيلة قوات شرق تركمانستان) قاتلت في اليونان وإيطاليا واكتسبت شهرة بالقضاء على انتفاضة وارسو.
وفي عملية لمعرفة ما يمكن أن تستفيد المخابرات الألمانية من الجنود السوفييت الذين يقاتلون معها. كانوا يقيمون معسكرات تثقيف مستمرة.
وزار أحد هذه المعسكرات فريق تفتيش على رأسه (هاينز أونغلاب) وهو محامي ألماني معجب باللغة التترية، أعجب أونغلاب بجندي سوفييتي شاب من أصول تترية ، أمم السوفييت أعمال عائلته، اسم الشاب غريب سلطان، وعندما سأله أونغلاب كيف تعلم اللغة الألمانية فأجابه أن (أحد أقارب أمي تزوج من ممرضة ألمانية اسمها فون مينده) وانتبه أونغلاب أن رئيسه في وزارة الأراضي المحتلة اسمه غيرهارد فون مينده (وهو مهندس استخدام ألمانيا النازية للمسلمين)، أي أن هناك قرابة ما بين سلطان ورئيس أونغلاب غيرهارد.

 
غيرهارد فون مينده عالم الأجناس التوركية:
– في 22 حزيران 1941 قام هتلر بغزو الاتحاد السوفييتي، وفي نفس اليوم بدأ (غيرهارد فون مينده) عمله في وزارة الأراضي المحتلة، (والأراضي المحتلة برأي النازية هي آسيا الوسطى والقفقاس)، وكانت مهمة (فون مينده) وضع الخطط للاستفادة من المسلمين في حربهم ضد السوفييت، ويبدو أن خططه (لدعم الإسلام: استراتيجية سوف تستمر طويلاً، بعد هزيمة النازية، وربما استمرت حتى وقتنا الحاضر، حيث مازال الغرب يستفيد من هؤلاء المسلمين في حروبهم حتى ضد البلاد الإسلامية والعربية- وغيرها.
كانت عائلة (فون مينده تعيش في لاتفيا عندما هزمت ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وشاهد غيرهارد بأم عينه كيف قام البلاشفة بقتل والده ، وهربت عائلته إلى ألمانيا وكانت أمه تعيل الأسرة من عملها كسكرتيرة…
وغيرهارد عمل في أعمال كثيرة (بحاراً- عاملاً في مناجم الفحم….الخ) كي يؤمّن تكاليف تعليمه وبالفعل وصل إلى مستويات أكاديمية متقدمة.
كانت برلين في ذلك الوقت مركز الدراسات المتعلقة بروسيا. وصبّ فون مينده اهتمامه على الدراسات الروسية المعاصرة والاقتصادية. وبالفعل أصبح مختصاً فيها، وأتقن عدداً من اللغات منها العربية، وتزوج بكاتبة نرويجية اصبحت مستشارته وضميره وناسخة كتبه.
وكتب غيرهارد كتاباً شرح فيه التركيبة العرقية للاتحاد السوفييتي ثم نشر بعد ثلاث سنوات أكثر أعماله تأثيراً (النضال الوطني للشعوب التركية في روسيا) وكانت أطروحة الكتاب مدوية: شكلت الأقليات غير الروسية في الاتحاد السوفييتي كتلة من المواطنين غير مترابطة وغير متماسكة، ونبه (فون مينده) إلى أن الصراع بين الروس وبين الترك (الأوزبك والكازاخ والقرغيز والتتار سيستمر ويستمر ولكنهم لن ينالوا استقلالهم دون مساعدة خارجية (وهذا ما حصل فعلاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
تقرب فون مينده من الحزب النازي عبر عمله مع قوات العاصفة، ثم عبر ارتباطه برئيس مكتب العلاقات الخارجية في الحزب النازي، ثم انخرط مع النازيين في محاربة اليهود (كان يكره اليهود وربما هذا ما جعله يفضل المسلمين) واعتبر أن البلشفية أعطت لليهود مساحات من الفعالية كبيرة. وهذا مازاد من عدائه للسوفييت.
ووجد غيرهارد في المسلمين مؤمنين بدين يحارب البلاشفة والشيوعية وهذا ما جعله يركز على استثمار هذه الفكرة، وأصبح المخطط الاستراتيجي والمنقذ لدى النازيين للاستفادة من المسلمين… وهذا ما شكل  مرحلة مهدت لعلاقة بين عناصر من الإخوان المسلمين استغلت ظروف الحرب لتعمل مع المخابرات النازية، ولتستغل جامع ميونيخ كما سيتضح لتؤسس لنفسها التنظيم الدولي:

النموذج النازي الأولي لتعاون المسلمين مع الغرب:
– من  المراحل الهامة في تبلور نشاط الحركات والجماعات الإسلامية في الغرب ما حصل عبر النموذج النازي الأولي، والذي قادته (وزارة الأراضي المحتلة) حيث لعب (فون مينده) الدور البارز فيها. كصاحب الفكرة وواضع الاستراتيجية والمساهم في تنفيذها.
وبدأ المسلمون العمل مع النازيين والقتال في صفوفهم ضد الشيوعية، ولكنهم عند هزيمة النازيين، أعلنوا أنهم لم يقاتلوا مع ألمانيا نصرة للنازية بل سعياً وراء تشكيل حكومة في المنفى تحارب الشيوعية والسوفييت، وهكذا فإن العمل السياسي، لهؤلاء المسلمين انتقل للتفكير بدورهم السياسي ولو عبر اختراع التبرير الملائم لإقناع المنتصرين الأميركيين والبريطانيين ولكن كل ذلك تأسس في عملهم عبر وزارة الأراضي المحتلة الألمانية.
وقصة (وزارة الأراضي المحتلة) أنشأها هتلر كي تكون مسؤولة عن إدارة روسيا وبولونيا وأوكرانيا والقفقاس وآسيا الوسطى- بعد احتلالها من قبل الجيش النازي- وكان (فون مينده) في البداية مسؤول قسم القفقاس ثم رئيس مكتب (قسم الأشخاص الأجانب) ثم تولى مسؤولية جميع الشعوب المسلمة بما فيها آسيا الوسطى. (مسؤول جميع الشعوب المسلمة لاستخدامها لصالح المخابرات النازية).
في الثلاثينيات انتقل عمل العاملين مع (فون مينده) ضد الشيوعية إلى بولونيا وفرنسا وبريطانيا، ونال دعم المخابرات الفرنسية والبريطانية واصبحت تلك المجموعات تحت سيطرة الألمان عندما احتل النازيون فرنسا.
وصل غريب سلطان إلى برلين مع تبلور خطط (فون مينده) بإقامة مكاتب ارتباط، فانضم سلطان إلى مكتب ارتباط التتار كإعلامي، وكان لديهم إذاعة وفرقة مسرح وصحيفة، كما عمل قيوم خان مع فون مينده في إدارة الشعوب التركمانستانية ونال دعم فون مينده، الذي حاول تحويل مكاتب الارتباط إلى مكتب إرشاد (وربما كان رئيس كل مكتب إرشاد يسمى المرشد العام وربما جاءت هذه التسمية من تسمية مرشد الإخوان المسلمين العام) وأعلن وزير الأراضي المحتلة أنه سيحول مكاتب الارتباط إلى حكومات.
في العام 1944 بدأ تراجع الجيوش الألمانية وبدأت نذر الهزيمة تلوح بالأفق، فعمل (فون مينده) على نقل وحدات المسلمين إلى الجهات الغربية بحيث يقعون بأسر الأميركيين والبريطانيين لأن وقوعهم بأيدي السوفييت يعني موتهم.
وبتأثير من الأحداث ومن فون مينده ادعى المسلمون أنهم لم يقاتلوا الروس من أجل النازية بل من أجل نيل استقلالهم الوطني وإقامة حكوماتهم المستقلة وكان هذا التبرير بمثابة برنامج أولي لمقابلة صديق المسلمين الجديد: الولايات المتحدة… (وهذا هو الانتقال من المخابرات النازية للعمل مع المخابرات الأميركية).

الحرب الباردة:
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية- كانت برلين مقسمة فهجرتها الفعاليات الاقتصادية والشركات الهندسية وبيوت المال إلى ميونيخ ، التي رغم أنها كانت مدمرة بالكامل، إلا أنها كانت العاصمة السرية لألمانية خاصة وأن بون التي سميت العاصمة لم تكن أكبر من قرية كما قال أحد الكتاب.
وبعد ان تخلص الغرب من النازية، تفرغ للشيوعية، وشكل في الولايات المتحدة وكالة المخابرات المركزية- ومجلس الأمن القومي- واعتمدت أميركا في استراتيجيتها محاربة الشيوعية سياستين:
1- سياسة الاحتواء التي تعمل على الحد من انتشار الشيوعية وتقليص وجوها.
2- محاولة الانقلاب على الشيوعية من داخلها. (وتفتيتها عبر زرع بذور الفتنة والانقسام ضمنها).
ولتحقيق نتائج لهاتين السياستين اعتمد الغرب على (الحرب النفسية) فأنشأوا لذلك منظمة غير حكومية باسم (اللجنة الأميركية للتحرير) وكانت تتبع سراً للمخابرات الأميركية، وأنشأت اللجنة الأميركية للتحرير.
أنشأت إذاعة الحرية إضافة إلى معهد دراسات الاتحاد السوفييتي- ودائرة علاقات المهجرين (وكانت تعمل على تجنيد العملاء). ومعظم العاملين في الإذاعة أو المعهد أو دائرة العلاقات كانوا ممن عمل مع (فون مينده) عبر وزارة الأراضي المحتلة… وهكذا فقد بدأوا يعملون مع المخابرات الأميركية نفس العمل الذي كانوا يقومون به مع المخابرات النازية).
وهكذا فقد كانت وزارة الأراضي المحتلة النازية توازي تماماً اللجنة الأميركية للحرية، وبعد سنتين أو ثلاث من عمل اللجنة الأميركية للحرية عبر الإذاعة والمعهد ودائرة العلاقات، اكتشف الأميركان أن العاملين معهم من أبناء الاتحاد السوفييتي لم يكن لديهم ثقافة إسلامية ذات مصداقية، وبالمقابل فقد استطاع فون مينده بهذه الأثناء الوصول إلى الارتباط بالمخابرات الأميركية واستطاع اقناعهم بأن الإسلام والمسلمين هم العنصر الأكثر قدرة على محاربة الشيوعية وتدميرها، واستطاع فون مينده إقناع المخابرات الأميركية بضرورة البحث عن مسلمين يمتلكون ثقافة دينية إسلامية ذات مصداقية تمكنهم من التأثير على الرأي العام في صناعة العقول وحشدها ضد الشيوعية وضد الاتحاد السوفييتي، وهكذا بدأ البحث عن هؤلاء المسلمين للعمل مع المخابرات الأميركية.

المفتاح إلى العالم الثالث:
– للبحث عن عناصر مسلمة تملك ثقافة إسلامية مؤثرة لابد من التوجه إلى العالم الإسلامي وهو جزء أساسي من العالم الثالث، الذي يشكل أهمية استراتيجية لكل من العالم الغربي والاتحاد السوفييتي(العالم الثاني)، وكانت جماعة الإخوان المسلمين من أهم المجموعات الإسلامية المنظمة، وهذا ما لفت الأنظار نحوها.
وتوجهت أنظار كل من السوفييتي والأميركان إلى العالم الثالث في حرب العقول والإيديولوجيا التي يخوضانها ضد بعضهما البعض… وفي موسم الحج لعام 1954 توجه إلى مكة مسلمان مدعومان من المخابرات الأميركية هما ( روسي نصر) و(حميد رشيد) وحاول نصر تقليب حجاج سوفييت ركب معهم الباص من جدة ولكنه لم يفلح، فما كان منه إلا أن بادر لمهاجمة شيخ سوفييتي كان يخطب قرب الكعبة متحدثاً عن معاملة السوفييت الحسنة للمسلمين فتصدى له (نصر) وهاجمه (كيف تسكتون على السوفييت الذين يحاربون الإسلام؟؟) فرد عليه الشيخ (من حاربنا نال عقابه من الله…)، فهاجمه نصر: (ألا تستحي أن تكذب وأنت تقف قرب الكعبة وأنت شيخ على حافة قبرك، كيف تدافع عن أعداء الإسلام السوفييت…). ومن ثم قام بعض من استأجرهم نصر بالهتاف معه ومهاجمة الحجاج السوفييت لدرجة أن الحكومة السعودية منعت الحجاج السوفييت من إقامة صلاة الجماعة بإيعاز أميركي.
كل ذلك روجه الإعلام الأميركي وكأنه ثورة إسلامية ضد السوفييت. وقامت كل من “تايم” و”نيويورك تايمز” باعتبار ماجرى (انتفاضة كراهية) ضد الشيوعية.
وهكذا تأكد الأميركيون أن ساحة صراعهم مع السوفييت هي العالم الثالث. والسلاح هنا هو الإسلام والمسلمين، خاصة وأن (مجلس الاستراتيجية النفسية) الذي ورثه الرئيس الأميركي روزفلت عن سلفه ترومان أكد على أهمية العامل الديني، كذلك فإن الباحث إدوارد كيللي قدم مذكرة تركز على ضرورة استخدام العامل الديني لتأليب الشعوب ضد الشيوعية، وللحد من تأثير السوفييت. كما أن الورقة 162/2 المقدمة من مجلس الأمن القومي دعت إلى ضرورة تحريك المصادر الروحية والأخلاقية (الإسلام) بالتوازي مع القوة العسكرية لمحاربة القوة النووية والانتشار الشيوعي.
العالم الثالث اجتمع في أندونيسيا في مؤتمر باندونغ وأعلن منظمة دول عدم الانحياز كتعبير عن قوة العالم الثالث، ومع أن الولايات المتحدة لم تدع إلى هذا المؤتمر، إلا أن (روسي نصر) تحول في هذا المؤتمر من حاج في مكة إلى صحفي في باندونغ موفداً من قبل صحيفة “نيويورك هيرالد تريبيون” ما لبث أن أعلن عن أنه يمثل (مجموعة وحدة تركمانستان) وقام في المؤتمر بمهاجمة الشيوعية والنظام السوفييتي الذي يضطهد المسلمين، وسبب إحراجاً للسوفييت وحقق اختراقاً إعلامياً، جعل الإدارة الأميركية تشعر بالزهو وتحس أنها حققت ضربة نفسية للاتحاد السوفييتي عن طريق هذا المسلم وبسلاح الإسلام، هنا تحرك (فون مينده) المسيطر على مجموعة وحدة تركمانستان وكل بقايا وزارة الأراضي المحتلة مطالباً الإدارة الأميركية بضرورة تنظيم عمل المسلمين بشكل أفضل الأمر الذي لاقى تجاوباً عند الإدارة الأميركية. (المخابرات الأميركية).

الجامع يتحقق:
بعد أن استقر العمل في (امكوم لب) أرادت المخابرات المركزية الأميركية تفعيل عمل المسلمين بشكل أكبر للتأثير على الاتحاد السوفييتي- فأرسلت أحد رجالها (أريك كوينهولم) إلى اسطنبول ليطوع عدداً من المسلمين ليعملوا مع اللجنة الأميركية للحرية (امكوم لب) ويبدو أن مساعيه لم تنتج أكثر من نصيحة قدمها له وزير الداخلية التركي حيث أشار عليه بضرورة إقامة مركز أبحاث كتغطية للعمل الأميركي في تجنيد المسلمين ضد السوفييت.
من جهة أخرى أنشأت الخارجية الأميركية (مكتب التنسيق السياسي) وسلمته لأحد عملاء المخابرات الأميركية (ويزنر) الذي أدار العمل في راديو الحرية وراديو أوروبا الحرة، ولكنه ركز على الفخامة والتظاهر والمغامرات، وقام بعمليات كانت نتيجتها كارثية على المخابرات الأميركية.
وفي نفس الإطار قام مسؤولو (امكوم لب) باعتماد من المهاجرين هو (جاكا أوغلو) ورغم أن له هيئة الشيخ إلا أن ثقافته الدينية ضحلة كما أن  لغته الألمانية ضعيفة، إضافة إلى أنه كان جلف الطباع حاد الأخلاق وغليظ المعاملة.
كل ذلك جعل (فون فينده) يبتعد عن الأميركيين بعد أن تعاون معهم وبقي في دوسلدورف في مكتبه يعمل في خدمة المهاجرين، ويتابع اتصالاته ودراساته وأعماله الدعائية.
وتجاهلت جماعة (امكوم لب) رغبة المسلمين المهاجرين المقيمين في ميونيخ وتوقهم لإقامة جامع، بينما انتبه (فون مينده) إلى أهمية إقامة مثل هذا الجامع في ميونيخ وبدأ يعمل من أجله.
وفي هذه الأثناء،  بدأ الميل الألماني إلى توحيد الألمانيتين يبرز كحلم تعمل الحكومة على تحقيقه في المدى الاستراتيجي، وكان لبعض الوزراء خلفيه ألمانية قومية وكانوا يعتبرون أن المهاجرين المسلمين هم عنصر فاعل في تحقيق أحلامهم بتوحيد الألمانيتين وفي استعادة الأجزاء الألمانية المقتطعة من أراضيها والمسيطر عليها من قبل السوفييت وحلفاؤهم… وبدأت ألمانيا العمل لاستمالة المهاجرين المسلمين من جديد ولم تجد أفضل من (فون مينده) ليساعده في تحقيق ذلك… ولتنظيم كل ذلك أنشأت المانيا (الإدارة المدنية للاجئين المسلمين) ووضع فون مينده أحد أصدقائه (نمنجاني) كرئيس لها… وفي عام 1958 تمت دعوة هذه الإدارة إلى اجتماع حضره عدد من المهاجرين المسلمين وكان هدفه إعلان بناء جامع في ميونيخ وسيكون إمامه صديق فون مينده (نمنجاني)…
وصل د. سعيد رمضان- وصل الإخوان:
عقد الاجتماع في كنيسة ميونيخ وحضره حوالي خمسون شخصاً من أجل إطلاق عملية بناء جامع ميونيخ، وكان لحضور سعيد رمضان تأثيراً كبيراً أشعل الحماس بين الحضور خاصة وأنه سكرتير المؤتمر الإسلامي، وهو طبعاً يختصر جماعة الإخوان المسلمين في شخصه، إضافة إلى أن تاريخه يكشف الكثير من العلاقات مع الحاج أمين الحسيني ومع فون مينده، وبالتالي مع النازية التي كانت حاضرة في فكر وتنظيم الإخوان المسلمين، فما قصة سعيد رمضان، وما قصة الإخوان؟؟
رأى سعيد رمضان حسن البنّا أول مرة حين كان يتحدث في اجتماع دعوي العام 1940، اعتاد البنّا أن يطلب بعد كل اجتماع من أحد الحاضرين الصعود إلى المنصة للحديث كنوع من تمتين الارتباط بالجماعة، قرر الفتى رمضان والذي كان يبلغ وقتها أربع عشرة سنة من العمر، أخيراً وبعد خمسة اجتماعات التقدم إلى المنصة… قال له البنّا حينها: ما الذي أخرك كل هذا الوقت؟؟ من هنا ابتدأت قصة رمضان مع الإخوان.
وكما هو معروف فإن حركة الإخوان المسلمين أسسها حسن البنّا في العام 1928 وذلك بهدف العمل على استرجاع (الخلافة الإسلامية) التي أنهاها أتاتورك بإنهائه للخلافة العثمانية العام 1924.
وكان البنّا يرفع شعار (الإسلام هو الحل) وكان يقصد به أن (الخلافة الإسلامية هي الحل) وهذا ما جعل جوهر عمل الإخوان سياسي بحت رغم ارتدائهم لباس الدعوة الدينية.
ولأن حسن البنّا لم يكن شيخاً ولم يدرس علوم الدين في الأزهر أو في أية جامعة أخرى (كان استاذاً للخط) فقد اعتمد في نشر دعوته على التحدث في المقاهي والتأثير بصغار الحرفيين والطلاب. كما اعتمد الابتعاد عن النقاشات الفقهية أو الدينية وكان يتناول مشاكل الحياة ويقترح حلاً لها من الإسلام وبذلك كسب قلوب الحرفيين والفلاحين والمهمشين ومحدودي الثقافة الأمر الذي جعله مؤلهاً عندهم يُسمع ويُطاع بدون نقاش.
وكان لحركة الإخوان المسلمين علاقات بالنازية، وقد بلغت علاقتهم بها أن قبلت الحركة أموالاً من أحد عملاء النازية (صحفي نازي كان يعمل في البعثة الألمانية بالقاهرة) وبهذا المال أنشأ البنّا وموّل التنظيم الخاص الذي اشتهر بالاغتيالات والعنف والذي شكل جناحاً عسكرياً للحركة.
ويبدو أن علاقة الإخوان بالنازية عززت عندهم ضرورة اعتماد القوة في تحقيق أهدافهم (الخلافة الإسلامية)، ورغم أن الإخوان استلهموا فكرة اعتماد القوة من الحركة الوهابية التي قادها الملك عبد العزيز آل سعود الذي أخضع الجزيرة العربية بالسيف، الأمر الذي جعل الإخوان يجعلون من السيفين والمصحف شعاراً لهم، وأن القوة بالسيفين والفكر من المصحف أعطى للإخوان قوة عززتها تجربة النازية وعلاقاتهم مع النازيين.
مع تقدم حركة الإخوان المسلمين، تصاعدت النقمة على اليهود من قبل النازيين والفاشيين، وبذلك تلاقى الإخوان بمعتقدهم الديني ضد اليهود مع عداء النازية والفاشية لهم، كذلك فإن الإخوان استعملوا البنى الأساسية للحزب الفاشي (مع استفادة من سرية الماسونية)، والقاهرة أصبحت في العام 1945 ملجأ للنازيين الهاربين من وجه العدالة.
حسن البنّا وبالرغم من أنه لم يتقبل جميع الأفكار النازية، إلا أن عملاء النازية دعموه بشكل كبير، كما أن علاقته بمفتي القدس أمين الحسيني ساهمت في تمتين علاقة الإخوان بالنازية، خاصة وأن الحسيني (صديق فون مينده) عمل مع النازية التي كادت تنصبه رئيساً على تتار القوم كونه مفتي، وقام الحسيني مع فون مينده باستعراض القوات المسلحة من المهاجرين الذين كانوا يقاتلون إلى جانب النازيين ضد السوفييت، وعمل الحسيني مع (فون مينده) الذي كان يجهد لتوظيف الإسلام والمسلمين ضد الشيوعية والسوفييت.
وبعد انتهاء الحرب استمر الحسيني بعلاقاته مع النازيين، مثل الإعلامي (يوهان فون ليرس) الذي انتقل للعيش في القاهرة، وغيّر اسمه إلى أمين لاهارس… الذي شكل مجموعة لمحاربة اليهود وكان الحسيني يموّله، وحتماً كان هناك صلة بين هذا النازي وبين البنّا والإخوان عن طريق المفتي أمين الحسيني.
كما أن المفتي الحسيني لم يكن بعيداً عما يجري في ميونيخ ليس بسبب علاقته القوية والمستمرة بـ(فون مينده) بل أيضاً عن طريق الكاتب والناشط ورجل المخابرات الأميركية أحمد كمال.
وفي حرب 1948 في فلسطين طلب الحسيني من البنّا مساهمة جماعته في محاربة اليهود فكلف البنّا سعيد رمضان الإشراف على تطويع المقاتلين من الجماعة والذهاب بهم إلى فلسطين عبر الأردن (وحصل على جواز أردني هناك)… وهناك من يعتقد أن رمضان قام في الأردن بتأسيس فرع للإخوان المسلمين، وهذا كان أول نشاط تنظيمي له خارج مصر، وربما تكون هذه من الخطوات الأولى في عمل رمضان في إطار تأسيس التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
إن ثقة البنّا بسعيد رمضان أخذت تزداد مع مرور الوقت، حيث كان رمضان الذي بدأ مع الإخوان شاب صغير، انتقل ليكون عضواً ناشطاً في تنظيم الإخوان المسلمين. يساعد في تنظيم المظاهرات.
درس القانون في جامع القاهرة وأصبح محامياً وعمل في العام 1946 سكرتيراً خاصاً لحسن البنّا وتزوج من إحدى بناته مما زاد الرابطة بينهما، ويقول عنه زملاؤه أنه كان متحدثاً جيداً وذو شخصية جذابة وكان الشخص المناسب للمهمات الصعبة… كل ذلك جعل البنّا يعتمد عليه ويجعله محل ثقته، ولكن حداثة سنه وصغر عمره لم تمكّنه من خلاله حماه البنّا عندما اغتيل في العام 1949، فترك مصر وسافر إلى الخارج ليستمر في عمله التنظيمي، وفي بناء التنظيم الدولي، يقول جمال البنّا شقيق المرشد حسن البنّا، يقول عن رمضان (لو كان للجماعة وزراء لكان سعيد رمضان وزيراً للخارجية فيها، كان داعية  بارعاً ويتحدث الإنكليزية بطلاقة ولديه صلات خارجية واسعة).
في نشاطه الخارجي (الدولي) الذي بدأ بتجنيد الشباب للقتال في فلسطين وعبر وجوده في الأردن أنتج تأسيس فرع للإخوان في المملكة الأردنية، استمر نشاطه هذا عندما غادر مصر في العام 1948 إلى باكستان بسبب اعتبار الحكومة المصرية الإخوان خطر على الدولة، وعاش في باكستان لمدة عام كان أثناءها يدير إذاعة تعمل على نشر الدعوة، ومن غير المستبعد أن يكون قد ألتقى زعماء اسلاميين باكستانيين وأسس لعلاقات تنظيمية معهم.
وفي إطار الخط الذي رسمه حسن البنّا لإقامة الخلافة الإسلامية استمر سعيد رمضان بالتعاون مع المفتي أمين الحسيني لإنشاء روابط وإقامة مؤتمرات تعوض الانقسامات الكبيرة في العالم الإسلامي، ونجح رمضان مع الحسيني في العام 1951 بتنظيم اجتماع لمؤتمر العالم الإسلامي في مدينة كراتشي الباكستانية وتم انتخاب رمضان أحد سكرتيري المؤتمر الثلاثة، وفي هذا المؤتمر هاجم سعيد رمضان تركيا اتاتورك التي أسقطت الخلافة الإسلامية ورسخت عوضاً عنها العلمانية.
كما عمل رمضان والحسيني بشكل نشط جداً في (المؤتمر العام الإسلامي للقدس) وانتخب رمضان سكرتيراً عاماً لهذه المنظمة في العام 1956، وكان من ضمن المجموعات التي عملت في هذا الاتجاه الإخواني سيد قطب الذي كفّر كل من لا يتبع وجهات نظر الجماعة وشرع قتله.
سعيد رمضان لم يكن رجل دين ولم تكن الدعوة رسالته، بل كانت السياسة منهجه وإقامة دولة الخلافة الإسلامية هدفه، لذلك اعتبر العلمانية والشيوعية أعداء، واعتبر أن الشيوعية هي العدو الأخطر لأنها تمنع ممارسة الأديان، وهذه النقطة هي موضع التقاء المفتي الحسيني مع سعيد رمضان، وهي النقطة التي جعلت (وحدة الخدمات الاستراتيجية) التابعة لوزارة الحرب الأميركية تنتبه لها وتعتبرها ميزة مهمة عن المفتي أمين الحسيني وكل من يعمل معه… وهذا ما كان ظهر في تقارير المخابرات الأميركية لاحقاً التي اعتبرت أن عداء المفتي للشيوعية جعله جذاباً للمخابرات النازية – أما رمضان فكان له تميزه الإضافي.
أول اتصال للإدارة الأميركية بالإخوان المسلمين كان في العام 1953 عبر وفد أكاديمي من الإسلاميين زار أميركا برحلة ثقافية، وكان سعيد رمضان أحد  أعضاء هذا الوفد، الذي تقدم للبيت الأبيض بطلب  لقاء الرئيس ايزنهاور، والمشكلة أن الرئيس كان خارج العاصمة.
ولكن تذكر مسؤول الاتصال في البيت الأبيض (ووشبورن) الأهمية التي يوليها ايزنهاور للدين، وراجع مذكرة كيلي المسماة (العامل الديني) لذلك وجد أنه لابد من انتهاز فرصة وجود وفد من المسلمين، وألح ووشبورن على الرئيس للقاء الوفد هذا، وحسب نصيحة مساعد ايزنهاور للحرب النفسية سي دي جاكسون التي ركزت على ضرورة إعلان أميركا عن تفوقها الروحي على السوفييت اتخذ القرار باستقبال الرئيس ايزنهاور للوفد وكان بينهم المحترم سعيد رمضان مندوب جماعة الإخوان المسلمين حسب ما جاء في وثائق البيت الأبيض ( أي اُستقبل رمضان ليس كمثقف بل كمندوب لجماعة الإخوان المسلمين).
هذه المجموعة من الإسلاميين جالت في الولايات المتحدة الأميركية وتناولت في فاعلياتها قضايا الحياة والشباب والثقافة والدين و..و..الخ، ولكن كان تركيز سعيد رمضان سياسياً في كل ما طرح، وإحدى المذكرات الأميركية اعتبرته محاوراً غير سهل لأنه يركز على الأهداف السياسية دائماً، وأحد المحللين الأميركيين اعتبره محرض سياسي فاشي.
في مذكرة سرية رفعت للخارجية الأميركية اعتبرت أن نشاط هؤلاء الإسلاميين يركز على هدف دعم (النهضة الإسلامية) واعتبر المذكرة أن جماعة الإخوان المسلمين هي الأكثر تأثيراً، ويبدو أن الأميركان كانوا يريدون الاتصال بالإخوان، والدليل أن السفارة الأميركية في القاهرة عندما أرسلت طلب الوفد إلى الإدارة الأميركية في واشنطن حجبت في طلبها علاقة سعيد رمضان بالمفتي الحسيني المعادي لإسرائيل واليهود والحليف للنازية.
وبالفعل تم اللقاء الإسلامي (الإخواني)- الأميركي، وترسخ لدى الإدارة الأميركية صوابية فكرة ايزنهاور حول استثمار الإسلام المسلمين وخاصة المنظمين (جماعة الإخوان) في محاربة الشيوعية والسوفييت، والجماعة استثمرت هذه الرغبة الأميركية لتتقدم خطوات إضافية في طريقها نحو الخلافة الإسلامية.
في شهر آذار 1956 دخل  سعيد رمضان على البروفسور كيغل في جامعة كولونيا في المانيا، وطلب منه أن يقبله للحصول على الدكتوراه في القانون عليه يديه، وبعد خمسة  أشهر وافق كيغل على طلب رمضان، الذي بدأ العمل للحصول على دكتوراه في (القانون الإسلامي)… ومن ملاحظات كيغل  على رمضان، أنه لايعمل من منطلق ديني بل هو يسعى إلى أهداف سياسية، وظلت العلاقة بين رمضان وكيغل طيبة، وظل رمضان يراسل استاذه من بلاد متعددة من بيروت ودمشق والقدس وجنيف…الخ، وكان يذهب إلى مكة ليلتقي أعضاء الجماعة هناك تحت ستار الحج، وهذا ما كانت تشير له كثيراً المخابرات المصرية التي كانت تتعقب نشاطات الجماعة لأنها كانت تعتبرها خطراً محدقاً بالمصالح المصرية والعربية.
حصل رمضان على شهادة الدكتوراه في القانون بدرجة شرف وكان تعليق كيغل عليه أنه (مثقف ومتعصب)، وصارت أطروحة الدكتوراه لرمضان (القانون الإسلامي: هدفه وقيمته) كتاباً أساسياً لدى الإسلاميين عامة والإخوان خاصة وكان يباع في المساجد وترجم إلى عدد من اللغات.
سعيد رمضان دخل إلى كنيسة ميونيخ وفي اليوم التالي لعيد الميلاد من العام 1958، وكان المجتمعون حوالي 50 شخصاً بينهم نمنجاني وطبعاً لم يحضر هؤلاء للصلاة على المسيح بل للمشاركة في تنفيذ خطط فون مينده لتوحيد المسلمين عبر بناء جامع في ميونيخ وفي الدعوة لهذا الاجتماع كتبت العبارات التالية: (نهاية العالم يمكن أن تحدث في أي يوم وأية ساعة، ولا يمكننا بالتالي أن نعيش في هذا العالم مغمضي الأعين لقد نمنا فترة كافية ونرغب الآن أن نقوم قومة رجل واحد).
وكان إحساس جميع الحاضرين أن الجامع سيكون القاعدة لنهضة العمل الإسلامي في أوروبا، وسعيد رمضان كان يرى في الجامع محطة أساسية تضاف إلى عمله في تأسيس التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
قبل اجتماع الكنيسة عقد اجتماع مصغر للجنة الإدارة المدينة للاجئين المسلمين في ألمانيا تشكيل لجنة بناء الجامع، ودعي إلى حضور هذا الاجتماع سعيد رمضان، وحضر كضيف شرف، وقام بدعوته غالب همت وهو من تنظيم الإخوان المسلمين السوري، وباعتبار أن سعيد رمضان رجل مشهور بنظرهم لأنه رئيس المؤتمر  الإسلامي، فقد جرى الاتفاق على أن يكون عضواً للجنة بناء الجامع، ونقل عنه أحد الحاضرين (عبيد الله مجددي) أنه قال سيساهم جامع ميونيخ في مد نشاطه في أوروبا أكثر وأكثر. وليزيد من تأثيره قام رمضان بالتبرع المالي لبناء الجامع وقد جمع في الاجتماع مبلغ 1125 مارك، دفع منها /1000/ مارك سعيد رمضان، وكل الأحداث تدل على أن فون مينده أحس أنه بات أقوى وأنه يستطيع العودة للتأثير أكثر خاصة بوجود شخص كسعيد رمضان 36 عاماً، والذي يركب سيارة كاديلاك هدية من الحكومة السعودية.

زواج مصلحة:
في ولاية ايزنهاور الثانية شعرت الإدارة الأميركية بتزايد النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط، فأعلن الرئيس الأميركي (مبدأ ايزنهاور) في العام 1956 والذي هدد فيه وتوعد عبره بتدخل الولايات المتحدة الأميركية عسكرياً لمواجهة النفوذ السوفييتي في المنطقة وخاصة في مصر.
وهذا ما رفع من اهتمام ايزنهاور الشخصي بالإسلام وتأثيره. فكلف المخابرات المركزية ووزارة الدفاع بالعمل على (دفع العرب للانغماس أكثر في دينهم من أجل تحريضهم على محاربة الشيوعية… وتصويرها على أنها “الحرب المقدسة”) وساعد ايزنهاور في توجهه هذا ماقام به الملك السعودي آنذاك الذي دعا جميع العرب لمحاربة الشيوعية.
وكإجراء عملي قام مجلس تنسيق العمليات. وهو الجهاز المتخصص بالعمليات السرية في المخابرات الأميركية قام بإنشاء (مجموعة عمل خاصة بالإسلام في العام 1957، وضمت مسؤولين من (وكالة الاستعلامات الأميركية) و(وزارة الخارجية) و(وكالة المخابرات المركزية) ومهمة هذه المجموعة دراسة كل ما تم إنجازه مع المسلمين وإعداد (توجهات خطة عمليات) لها مكونان:
المكون الأول: علينا اعتماد المسلمين المعتدلين مثل جماعة الإخوان المسلمين وتجنب المسلمين المتطرفين.
المكون الثاني: التغطية على الحلم الخيالي للمسلمين بإقامة دولة الخلافة، وأقرت هذه الخطة التي اعتبرت الإخوان المسلمين حليف يعتمد عليه في محاربة الشيوعية، كما اعتمدت الخطة على استخدام السرية المطلقة في هذه التحالفات لأنها أعطت نتائج ممتازة في السابق.
ونتيجة هذه الخطة عين عميل المخابرات الأميركية( دريهر) مساعداً خاصاً لرئيس امكوم لب لقيادة البروباغندا السرية ضد السوفييت عبر راديو الحرية وإذاعة أوروبا الحرة كما كلف دريهر بتنسيق عمل المهاجرين المسلمين، وطبعاً كان سعيد رمضان المحور الأساس لهذا العمل، من هنا بدأ التعاون بينه وبين دريهر.
ورغم الغموض الذي أحاط بشخصية رمضان، إلا أن المخابرات الألمانية ذكرت في تقارير منفصلة أن المخابرات الأميركية أمنت لسعيد رمضان جواز سفر أردني يسمح له بالهروب إلى أوروبا، وتقول الاستخبارات السويسرية أن سعيد رمضان كان عميلاً أميركياً وعائلته لم تعلق والوثائق الأميركية حوله ما زالت سرية حتى اليوم، ولكن يستطيع المرء  أن يعتبر ان التحالف والتعاون بين الإخوان المسلمين وبين المخابرات الأميركية بدأ حين أعلن سعيد رمضان في كنيسة ميونيخ مساهمته في بناء الجامع.
في العام 1958 عقد المؤتمر الثاني لدول عدم الانحياز في باندونغ، وكان مخيباً للإدارة الأميركية، التي درست أسباب خيبتها هذه، وتوصلت إلى نتائج تقول أن اصدقاءها القدامى كسعيد شامل وروسي نصر يقومون بما يستطيعون وربما  حفظوا ماء وجه أميركا، ولكن واشنطن اليوم تحتاج إلى اشخاص أكثر حضوراً ومتحدثين أكثر موثوقية ووجد (دريهر) أن سعيد رمضان يمكن أن يشكل تطويراً لشامل ونصر، لذلك فقد طلب (دريهر) من فون مينده توسيع (لجنة الإدارة المدنية) لتشمل  طلاب سعيد رمضان من الشباب المسلم وطلب من فون مينده تنظيم مؤتمر حول الإسلام يرأسه سعيد رمضان وبسبب نفوذ المخابرات الأميركية لم يكن أمام السلطات الالمانية إلا تسهيل عقد هذا المؤتمر، وهكذا صعد رمضان درجات عدة في ترسيخ حضوره الفاعل كممثل للقوة المسلمة (الإخوان المسلمين).
في هذه الأثناء وصل تأثير سعيد إلى ذروته، فهو يكسب الأصدقاء في أوروبا، وهو المعتمد من قبل الاستخبارات الأميركية. كما حوّل المؤتمر الإسلامي للقدس الى ساحة مباحة للإخوان المسلمين، وفي العام 1960 تحوّلت لجنة بناء جامع ميونيخ إلى لجنة رسمية بتسجيلها في المحكمة العليا كمنظمة رسمية لها مجلس إدارة منتخب ورئيس مجلس إدارة هو سعيد رمضان. الذي أعلن أنه ذاهب إلى السعودية للحج وللاتيان بتمويل لبناء الجامع (2.2 مليون دولار بدولارات 2009).
في العام 1960 اقترح رمضان على السلطات الألمانية إرسال وفد من المسلمين إلى الأمم المتحدة (يرأسه رمضان) ليطالب بالحريات الدينية، وليهاجم الاتحاد السوفييتي طبعاً، ولكن فون مينده لم يكن مرتاحاً تماماً لرمضان، ويبدو أنه لم يكن متأكداً من أن أوان التراجع قد فات لأن الاستخبارات الأميركية اعتمدت رمضان وأصبح رجلها القوي.
في هذه الأثناء بدأت مجموعة جديدة لمسلمين بالظهور وطبعاً على رأسها سعيد رمضان، وظهرت مجموعة أخرى حاولت اصطياد جامع ميونيخ أيضاً هي (جماعة الإسلام JAI) وهي جماعة خيرية  إسلامية مقرها واشنطن ويرأسها الكاتب الفوضوي أحمد كمال.

حكاية الروائي:
أحمد كمال مسلم أميركي وهو كاتب ومغامر وجاسوس، وصل إلى ميونيخ كرئيس للجماعة الاسلامية، للسيطرة على المسلمين وبالتالي على جامع ميونيخ، ولكن في حقيقة الأمر لم يكن إلا موفداً من قبل المخابرات الأميركية ليشكل بوليصة تأمين لسعيد رمضان، وليكون بديله في حال فشله.
أحمد كمال، كاتب خيالي، واخترع لنفسه تاريخاً خيالياً أرجع نفسه فيه إلى تركمنستان، وتخيل أنه شارك في حروب شعبه التركمانستاني، وأنه أُسر وعُذب، وخلط كمال بين المسلمين المهاجرين ضد الشيوعية والسوفييت عبر جمعية (الجماعة الإسلامية).
تقول المخابرات الألمانية أن كمال كان عميلاً للمخابرات الأميركية وأنه تواجد في باندونغ أيام مؤتمر عدم الانحياز وكان يراقب الجماعات الإسلامية لصالح المخابرات الأميركية وقد نجا من محاولتي اغتيال في جاكرتا، ثم هرب من أندونيسيا إلى اسبانيا وهناك جند العقيد (تهامي لواهلا) معه ليعمل في تشجيع الحركات الإسلامية في شمال افريقيا لتحقيق المصالح الأميركية تحت غطاء مساعدة ثوار الجزائر.
من المفارقات أن كمال رغم تزعمه الجماعة الاسلامية، فقد كان يحب الويسكي والنبيذ، وشاركه لواهلا في ذلك، واعتمد على أن الإسلام يحرم شرب الخمر عند الصلاة فقط حسب الآية (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)….
في العام 1962 أعلنت الجماعة الإسلامية أنها ستغادر ألمانيا إلى صحارى إفريقيا وفي الحقيقة هي لم تذهب إلى افريقيا بل اختفت نهائياً، ويبدو أن دور أحمد كمال انتهى، ويبدو أن المخابرات الأميركية عندما تأكدت من قوة سعيد رمضان في ميونيخ لم تعد بحاجة لأحمد كمال.
مع اختفاء أحمد كمال والجماعة الإسلامية علم (فون مينده) أن الجنود القدامى ملّوا من سعيد رمضان ويريدون أن ينتخبوا بديلاً عنه (علي كنتامير) رئيساً للجامع، وكان الألمان فرحين وظنوا أنه يمكن إيقاف رمضان والتخلص منه.

ربح الجامع:
رغم جهود فون مينده المدعومة من الحكومة الألمانية، لم يكن هناك من يستطيع منافسة سعيد رمضان، خاصة وأن البديل المطروح له (علي كنتامير) كان شيخاً وكان أعمى تقريباً، وصحيح أنه يكتب مقالات لمجلة تنشرها (امكوم لب) إلا أن رمضان بالمقابل كان شاباً قوياً مفعماً بالحيوية ومثقفاً ويجيد اللغات، والقانون والحديث الروحي المؤثر وكان يلف العالم لبناء حركة إسلامية ناهضة وثورية، وهذا ما جعل رمضان يسود ويبقى المسيطر على الجامع وكانت محاولات التخلص منه تركزت في عدة اجتماعات كان قدامى المهاجرين يسألونه فيها عن التبرعات للجامع ومصدرها، ـ وعن مصدر تمويل سفرياته وسفريات مساعده غالب همت، وعندما اشتدت محاصرته لجأ رمضان إلى تقديم استقالته وخرج من الاجتماع، فأجرت اللجنة انتخاباً للرئيس فاز فيه (علي كنتاير) على رمضان بفارق صوتين، ولكن لم ينتبه (فون مينده) أن الانتخاب يستوجب حصول الفائز على الثلثين وهو الأمر الذي لم يحصل عليه كنتاير، مما أبقى على رمضان رئيساً للجنة الجامع وأبعد قدامى المهاجرين وتخلص رمضان من أعدائه بدلاً من أن يتخلصوا منه.
من نشاطات سعيد رمضان في هذه الفترة ما كتبه لأستاذه البروفسور كيغل حيث أخبره أنه حضر احتفالات جمهورية الصومال وأبلغه عن مدى سعادته لأن أحد أصدقائه كان رئيس الجمهورية بينما صديق آخر له كان زعيم المعارضة. (وهذا يكشف علاقة الاخوان بالحراك الإسلامي في الصومال والذي تطور إلى تنظيم القاعدة فيما بعد).
ونشط رمضان بعد تخلصه من أعدائه في لجنة الجامع وأصدر (مجلة الإسلام) في ألمانيا وسلمها لشاب ألماني ـ كما أسس منظمة للطلاب المسلمين في ألمانيا ـ وراح يشكل مثل هذه المنظمات جدياً على عادة تنظيم الاخوان المسلمين في التمكين.
ثم عاد إلى مكة ليطلق (رابطة العالم الإسلامي)، وهي بمثابة البديل عن تحقق الخلافة الإسلامية، حيث كان يعتقد رمضان انه إذا لم يكن بالإمكان توحيد المسلمين في دولة واحدة ـ فلماذا لا نجمعهم في منظمة واحدة وهذا ما كان وراء (رابطة العالم الإسلامي) ـ ومما يكشف أهمية وخطورة هذه الرابطة ـ أن الزعيم العراقي رد عليها بعقد اجتماع لـ(مؤتمر العالم الإسلامي) في بغداد بعد تسعة أيام من إطلاق الرابطة.
في هذه الأثناء أعلن عبد الناصر أن سعيد رمضان هو زعيم تنظيم الإخوان المسلمين ـ وتعتقد المخابرات السويسرية أن ستة أشخاص حضروا إلى سويسرا لاغتيال سعيد رمضان، وقد اعتقلت بعضهم ـ واتخذ رمضان احتياطاته وحمل مسدساً (ويبدو أن الأميركان عملوا على حمايته أيضا).
أميركا والمخابرات الأميركية كانت مرتاحة لنشاط رمضان ـ وكانت تعتبر أن تحالفها مع الإخوان يصب في مصلحتها ويحقق مصالحها السياسية لذلك كانت تمول تحركات سعيد رمضان وتفتح له الطريق في البلاد التي لها سيطرة سياسية عليها، حتى أنها ساعدته في كل شيء في ألمانيا ـ ورغم ذلك بقيت هناك أشياء أخفاها رمضان عن الأميركان جرياً على عادة الإخوان في عدم الإخلاص لأي جهة تتحالف معها. وظل جامع ميونيخ تحت سيطرة رمضان والاخوان مركزاً لتنظيمهم الدولي الذي بني من خلال خدمة أميركا ومصالحها.

فقدان السيطرة
ترك (دريهر) ألمانيا، ولم ترسل المخابرات الأميركية بديلاً واستمر نائبه (ويل كلمب) في العمل في ألمانيا ـ وراح سعيد رمضان يركز على عمله في التنظيم الدولي للإخوان ـ وغير اسم لجنة جامع ميونيخ إلى (المجموعة الإسلامية في جنوب ألمانيا) وحقيقة الأمر أن جامع ميونيخ لم يكن مجال عمله جنوب ألمانيا فقط ـ بل كان رأس حربة الإخوان المسلمين للامتداد في العالم كله والتوسع في جميع البلاد.
وبعد خروح دريهر ساءت الحالة الصحية لـ(فون مينده) وتوفي بعد أن خدم المخابرات الألمانية وزودهم بدراسات عن جميع المجموعات الإسلامية التي تواجدت في ألمانيا ـ وكان لفون مينده الفضل لدى المخابرات الغربية كلها النازية والأميركية في موضوع استخدام المسلمين ضد السوفييت.
بعد غياب (دريهر) و(فون منيده) لم تعد تهتم المخابرات الأميركية كثيراً بالمسلمين والإسلام، بل توجهت إلى فييتنام حيث صبٌت كل اهتمامها في الحرب هناك، واستمر هذا الوضع حتى الغزو السوفييتي لأفغانستان عندها طلب البنتاغون من مؤسسة (راند) دراسة أبحاث وخطط (فون مينده) لاستخدام المسلمين كسلاح ضد السوفييت، فقام باحث من (راند) يدعى (الكس الكسييف) بإنجاز دراسة عن أعمال وخطط ونظريات (فون مينده) ووزارة الأراضي المحتلة النازية التي كان يعمل بها وعبرها (فون مينده)، وأوصى (الكسييف) و(راند) في تقرير رفع إلى البنتاغون، أوصى باعتماد هذه التكتيكات، وهذا ما فتح النقاش في البنتاغون والمخابرات الأميركية لاستخدام المسلمين كسلاح في محاربة السوفييت الذين غزوا أفغانستان، وهكذا عادت أهمية سعيد رمضان للظهور لدى واشنطن، وعاد تنظيم الإخوان كقوة تستطيع واشنطن بالتعاون معها استثمار المسلمين في أفغانستان وكل ذلك أدى إلى ظهور المجاهدين الذين نظمهم ابن لادن وقادهم في القتال ضد القوات السوفييتية في أفغانستان ـ وهكذا عاد نموذج جامع ميونيخ ومجموعته وأساليبه إلى الظهور في الربط بين الاخوان المسلمين (التنظيم الدولي) وبين البنتاغون والمخابرات الأميركية.
وكان (بريجنسكي) مستشار الأمن القومي الأميركي معجباً بفكرة استخدام المسلمين ضد السوفييت في أفغانستان، ومعجباً بالتجربة التي أنتجت ونتجت عن جامع ميونيخ ـ ولكنه كان مع فريقه يرى أن هذه السياسة في استخدام المسلمين تحتاج إلى أمرين 1) ـ الأول المحافظة على أنها حركة جهاد إسلامي لاعلاقة للغرب أو أميركا فيها، تماماً كما جرى في سياسة وزارة الأراضي المحتلة النازية، ولكن وبدلاً من وزارة تابعة لأميركا لابد من جهة إسلامية تتولى الأمر، وهكذا دخلت السعودية دولة الإسلام لتتولى عمل وزارة الأراضي المحتلة النازية في تنظيم عمل المجاهدين في أفغانستان ـ وتولى ذلك الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية الذي عين بن لادن لجمع التبرعات وإدارة المجاهدين.
2) ـ الأمر الثاني الذي جرى النقاش حوله هو ضرورة تعميق العامل الإيديولوجي الإسلامي المضاد للشيوعية، وهذا ما قام به أحد شيوخ الإخوان المسلمين السوريين الهارب إلى السعودية وهو الشيخ محمد سرور الذي اجتهد وأفتى بضرورة المزج والجمع بين الدعوة الوهابية وحركة الإخوان المسلمين بحيث يصبح سيف الملك عبدالعزيز في توحيد الجزيرة مع سيف الإمام محمد بن عبد الوهاب الايديولوجي – الظاهرين في شعار الإخوان المسلمين حول المصحف – وهذا كان مصدر فتوى استخدام السيف ضد أعداء الإسلام – وهي فتوى متجددة جمعت الوهابية بالإخوان وتوجهت إلى أفغانستان – وفي قتالها ضد السوفييت انصهرت وأنتجت تنظيم القاعدة..
واشنطن عادت إلى جامع ميونيخ وإلى التكتيكات النازية فقادها سعيد رمضان والتنظيم الدولي للاخوان إلى السعودية وإلى ايديولوجيا اخوانية وهابية قامت بخدمة البنتاغون والمخابرات الأميركية في الحرب ضد السوفييت مستخدمة الإسلام والمسلمين.
بعد هجمات 11 أيلول، تطور التعاون بين الإخوان المسلمين وبين الدوائر الأميركية ـ وعاد نموذج جامع ميونيخ ليحتل مكانة الجسر الواصل بين ممارسات الإخوان وأهداف الأميركان – طبعاً أميركا تستخدم الإخوان والإخوان كانوا يسعون بعملهم مع الأميركان للتمكين في ظلال القوة الأميركية.

الحروب الحديثة
في بداية السبعينات اكتمل بناء جامع ميونيخ، ولكن سعيد رمضان بدأ خلافاً صامتاً مع السعوديين، حيث أنه كان يريد إبقاء السيطرة في الإخوان للمصريين ـ وعندما أحسن بأن عليه أن يترك الجامع عمل على أن يخلفه (فيصل يزدني) الباكستاني الذي هيأه رمضان منذ وقت مبكر، وكان لدى رمضان فكرة الابتعاد عن الغرب في إدارة شؤون الإخوان لإقامة الخلافة الإسلامية وكان اعتماده إما على المصريين أو على غير العرب.
رمضان وصل إلى ذروة فعاليته في تأسيس (رابطة العالم الإسلامي) التي أرادها بروفة لدولة الخلافة، وطبعاً مولتها السعودية ومن الأموال السعودية أقام رمضان المراكز والمكاتب وتحرك في جميع أنحاء العالم ولكنه لم يقبل ولو ضمناً أن يصبح الإسلام سعودياً. ووقع إحدى رسائله باسم (اسلامستان) أي بلاد الإسلام تمسكاً برفضه لاقلمية الجغرافية السعودية وأموالها وتحكمها.. وهكذا فقد تضاءل الدعم السعودي له ـ ورغم أنه كان يحمل جواز سفر دبلوماسياً ولقب سفير فوق العادة ـ إلا أنه صار يتحرك فيما بعد بجواز سفر باكستاني ـ (وعلينا أن ننتبه إلى باكستان في فكر وحركة وتطور الإخوان).
في هذه الأثناء تميز (غالب همت) صديق وشريك رمضان ـ تميز عنه وشكل بروتوس هذه الدراما ـ ويبدو أن الفرع السوري للإخوان قد بدأ بالبروز والتأثير ـ وهمت السوري. كان ومنذ العام 1961 يحاول أن يجلب ويجذب الزعيم الإخواني السوري عصام العطار إلى لجنة جامع ميونيخ ولكن العطار رفض ـ وأقام العطار في (آخن) وأسس منها مركزاً إسلامياً ـ (طبعاً همت تزوج من ابنة عصام العطار كما أن رمضان متزوج من ابنة البنا.. وهذه الصلات كثيرة وأساسية لدى الإخوان).
(همت) تسلم في السبعينات إدارة جامع ميونيخ، وهذا يعني عودة الإخوان السعوديين إلى تسلم زمام الأمور، وكان همت على علاقة بالليبيين وبالملك الليبي عن طريق الإخوان ـ وهكذا قام الملك الليبي بتمويل الجامع ولكن انقلاب القذافي أوقف التمويل قبل انتهاء الجامع، وبعد تدخل من قبل بعض الاخوان قبلَ القذافي إكمال بناء الجامع لتلميع صورته.
ولأن الإخوان و(همت) ممثلهم أرادوا من الجامع أن يكون المؤسسة لسياسة (التنظيم الدولي) لهم ـ فلم يسمحوا للأتراك بالاشتراك في الجامع وبعد مناشدات كثيرة اتخذ القرار بالسماح للأتراك بالصلاة في الجامع ولكن لم يسمح لهم بالمشاركة في إدارة الجامع كي تبقى هذه الإدارة محصورة وبشكل ضيق بيد الإخوان.
استغل (همت) جامع ميونيخ في الخمس وعشرين سنة التالية، واستفاد من الإدارة الضيقة والمحصورة بالاخوان وقاد المركز الإسلامي في ميونيخ في مسار مغامر. حيث نهض به ليصبح منظمة عابرة للقوميات ويرسل مبعوثين عبر الأطلسـي، ويضع حجر الأساس لمنظمات أوروبية ودينيـة مازالت ناشطـــة حتى الآن ـ واستطاع همت أن يضمن لنسخة الإخوان من الإسلام أن تكون هي السائدة وهي الأكثر تأثيراً في الغرب.. وفي زمن غالب همته وبسبب نشاطه سوف يقصف الجامع ويحرق، وسوف يصبح المركز الرئيسي للجهاد، ينظم ويطوع مسلمين شبان للقتال في البوسنة وفي غيرها، كما أن الرجال الذين أدينوا بالإرهاب لاحقاً وجدوا في جامع ميونيخ المكان المختار لهم.. ولكل ذلك سيرغم (همت) في يوم ما على الاستقالة من رئاسة جامع ميونيخ حين اتهم بتمويل تنظيم القاعدة..
وكالعادة فإن همت لم يترك الجامع إلا لشريكه يوسف ندا، وهو مصري الجنسية ـ وعضو قديم في الإخوان ـ انتسب للتنظيم في العام 1948 ـ وهو كحسن البنا من أبناء الاسكندرية ـ اعتقل في العام 1954 مع موجة الاعتقالات التي طالت الاخوان ـ والتقى في السجن بقيادات الإخوان وبدأ معهم علاقات استمرت طوال حياته.
ركز يوسف ندا في البداية على العمل في مزرعة أبقار كانت تملكها عائلته ثم سافر إلى النمسا لأن الحياة في ظل عبد الناصر لا تطاق كما قال ـ وحاول في النمسا دراسة صناعة الأجبان ـ وأسس مكتباً لتصدير الجبنة إلى مصر، وفي النمسا تواصل بسرعة مع الإخوان وقيادات الجماعة وفي العام 1960 سافر إلى الميونيخ ليشارك الإخوان احتفالات جامع ميونيخ بعيد الفطر ومن هذا التاريخ بدأت علاقته مع غالب همت.
كان ندا يتردد على ميونيخ، ولكنه أصبح أقل تردداً بسبب إقامته علاقات قوية مع العائلة الملكية في ليبيا، ومن هناك ساعد جماعة ميونيخ بتأمين التمويل للجامع من الملك الليبي، ويروي ندا أنه أشار على الليبيين أن يوزعوا على الطلاب سندويش بالجبنة بدل سندويش التونا كي لايلوثوا كتبهم بالزيت الذي يتسرب من التونا، ويقال أنه بعد هذه النصيحة طلب منه الملك الليبي أن يكون مستشاره في شؤون الزراعة.. وعبر هذه العلاقة مع البلاط الليبي بدأ ندا باستيراد مواد البناء من النمسا إلى ليبيا واحتكر الكثير من التجارات والأعمال وجمع ثروة هائلة. طبعاً انتهى على ذلك مع مجيء القذافي حيث هرب ندا من ليبيا على جمل، أولاً إلى تونس ثم إلى اليونان ومنها إلى ألمانيا ـ ويروى أنه حزن على دمار مصالحه فأصيب بانهيار عصبي دخل على اثره إلى مصح في مدينة (فيسبادن) الألمانية وبسبب عناية همت به هناك توطدت صداقتهما وأصبحا لا يفترقان، وانضم ندا إلى إدارة جامع ميونيخ ـ.
ندا عمق توجه جامع ميونيخ نحو شبكة الإخوان المسلمين السعودية ـ ولعب ندا دور وزير خارجية الإخوان ـ وساعد المجاهدين في أفغانستان وساهم في تنسيق عملهم وكل أعماله في العالم كانت تتم انطلاقاً من جامع ميونيخ.
يوسف ندا ـ لم يكن وزير خارجية الإخوان فقط، ولم يساهم في إدارة التنظيم العالمي للإخوان فحسب، بل يقال انه  العقل المدبر والمدير المتحكم باستثمارات الاخوان في العالم ـ وهكذا يصبح في نفس الوقت وزير الخارجية وخازن بيت المال. اي المتحكم بعصب السياسة الدولية وعصب الاقتصاد والمال، واتهم كذلك بتمويل الإرهاب..

ما بعد ميونيخ (إحياء وإعادة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين)
جماعة الإخوان المسلمين رغم منعها منذ العام 1954، ودخول قياداتها السجن ظلت صامدة ومستمرة، وفي مراحل مختلفة من حكم مصر تناوبت الأيام والأموال على الجماعة، مرات تغض السلطات الطرف عن نشاطات الجماعة ومرات تتساهل معها ومرات أخرى تتشدد بملاحقتها ولكنها في كل الأحوال ظلت الجماعة مستمرة بسبب طبيعة تنظيمها ومبادئها وبسبب امتداداتها التنظيمية في الخارج ـ ومن أدلة استمرارها أنها حصلت في حكم حسني مبارك على 20% من مقاعد مجلس الشعب رغم أنها جماعة محظورة..
شكّلت عملية إحياء التنظيم لجماعة الإخوان التي تمت في أواسط السبعينيات (رفعة؟) نهضت بالجماعة وفعلها وامتداداتها. وخلقت لها مساراً أكثر قوة ونفوذاً وتأثيراً ـ فما قصة عملية إحياء وإعادة تنظيم الجماعة؟؟
إن إعادة إحياء التنظيم قام بها التيار السعودي من رجال جامع ميونيخ، وهم غالب همت، يوسف ندا، إضافة إلى مهدي عاكف (مرشد الإخوان) والزعيم الروحي للإخوان يوسف القرضاوي، الذي قاد العملية كلها وتابعها بكل تفاصيلها. وجوهر عملية الإحياء أنه لابد من اعتماد سياسة أكثر مرونة ودهاء مما كان يتبعه سعيد رمضان، وهذا يعني ضرورة اللجوء إلى سياسة (التمكين) القائمة على التدرج بتحقيق الأهداف مع االسرية بالعمل، مع البراغماتية في التعاطي مع القوى، مع التقرب من مراكز القوة في السلطة، وسياسة (التمكين) هذه هي نفس سياسة التمكين التي اعتمدها النازيون في السيطرة على ألمانيا ـ وحسب الكاتب محمد حسنين هيكل فإن الإخوان تماثلوا وربما تمثلوا بالنازيين في هذه النقطة ـ (ومن غير المعروف إذا كانت هذه السياسة من الأفكار التي اعتمدتها دراسات المخابرات الألمانية النازية أم أن تمثلها بفعل الخبرة من التعامل مع هذه المخابرات).
وكتمهيد لإطلاق عملية إعادة إحياء تنظيم الإخوان، وقبيل افتتاح جامع ميونيخ (أي في بداية السبعينات) عقد في لندن اجتماع بهدف تأسيس شبكة من المجموعات الإسلامية والمنظمات التي تعمل في الإطار الإخواني، وكان غالب همت حاضراً، وانتخب عضواً في مجلس إدارة هذه الشبكة، وقد أقيم هذا الاجتماع بتمويل سعودي وبتحريض سعودي ـ وترأسه أحد السعوديين ـ وحضره (خورشيد أحمد) ممثلاً عن (الجماعة الإسلامية) وهي النسخة الباكستانية للإخوان المسلمين.
وفي إطار هذا البحث عن إحياء التنظيم، كان عاكف يسعى لأن يكون التنظيم الجديد شبكة منتظمة وتمتلك القدرة على الاستمرار في ظل جميع الظروف ولا يستطيع أي حاكم اختراقها، وكان همت وندا والقرضاوي على توافق تام حول هذه الفكرة ـ وهذا ما جعل الكاتب (جيل كيبل) أن يسمهم (الجماعة الجديدة) ـ أي التنظيم الجديد لجماعة الإخوان المسلمين.
ثم عقدت (الجماعة الجديدة) اجتماعاً في المنتجع السويسري القريب من بحيرة لوغانو قرب منزلي همت وندا وكان هدف الاجتماع وضع الأسس لبناء التنظيم الجديد للجماعة، والاتفاق على خطط عمل الجماعة في العالم، وبذلك يمكن اعتبار هذا الاجتماع الانطلاقة الجديدة للتنظيم الدولي للإخوان بقيادة القرضاوي وندا همت، ومن أهم البنى التي أنشئت في هذا الاجتماع (المعهد العالمي للفكر الإسلامي) ـ وهذا الاسم الذي يوحي بالاهتمام بالجانب النظري، هو الغطاء القانوني لعمل الجماعة من حيث نشر أفكارها وتعميم خططها وتقوية تنظيمها وهو ما يتيح للجماعة إقامة مؤتمراتها واجتماعاتها وكافة نشاطاتها. أي أنه كان الاسم الشيفري لتنظيم الإخوان الدولي ـ أو بمعنى أدق كان الاسم الحركي لقيادة التنظيم الدولي.
بعد اجتماع سويسرا بحوالي العام، اجتمعت هذه المجموعة (الجماعة الجديدة) في السعودية وقررت أن يكون مقر المعهد العالمي للفكر الإسلامي (قيادة التنظيم الدولي) في الولايات المتحدة ـ وكان من الشخصيات البارزة التي حضرت اجتماع سويسرا. والآن اجتماع السعودية المفكر الإسلامي (اسماعيل فاروقي) وأعطيت له تعليمات بافتتاح مقر المركز في ولاية بنسلفانيا بالقرب من جامعة تيمبل حيث كان يدرس.
حضر اجتماع سويسرا عضوان آخران من جماعة يوسف ندا هما جمال برزنجي وأحمد توتنجي ـ وكلاهما عملا مع ندا في إطار الجماعة وفي شركاته وضم ندا لهما شخصاً ثالثاً كان قد دربه ودعمه في جامع ميونيخ هو هشام الطالب.. والثلاثة برزنجي وتوتنجي والطالب جاؤوا من العراق ودرسوا في بريطانيا وذهبوا بعد تخرجهم إلى الولايات المتحدة في مطلع الستينيات وتوتنجي أسس منذ 1962 (رابطة الطلاب المسلمين في أميركا) وكانت وكانت أول تنظيم للإخوان المسلمين في أميركا ـ لذلك فإن حضور الثلاثة (توتنجي ـ برزنجي ـ الطالب) في سويسرا كان إشارة إلى أن الجماعة الجديدة وبموازاة ما حققته في أوروبا تكسب موطئ قدم جديد لها في الولايات المتحدة ـ أي أن التنظيم الدولي بات فاعلاً في أوربا كما في أميركا ـ
وهؤلاء الثلاثة – قاموا في أميركا بما قام به همت وندا في أوربا. حيث شكلوا منظمات عديدة ما هي إلا أوجه متنوعة لتنظيم الإخوان ومن هذه المنظمات – (الصندوق الإسلامي لشمال أميركا) و (رابطة الطلاب المسلمين) و (المجموعة الإسلامية في شمال أميركا) – كما قاموا مع يوسف ندا في تنظيم تمويل  مقرات (انديانا بوليس) الرئيسية والذي سيقام فيه جامع وقاعات تدريس وأماكن إقامة لطلاب العلم وصالة ألعاب رياضية ومكتبة تحوي 80 ألف كتاب. وكل ذلك تم بأموال سعودية وبعقيدة إخوانية.
في أوربا استمر غالب همت يقود نشاط جماعة جامع ميونيخ من غرفة مكتبه في بيته المطل على بحيرة لوغانو بسويسرا – وعلى أحد جدران مكتبة عُلقت خريطة العالم الإسلامية والتي رأيتها في مكتبة لندن، ومع الوقت انتقلت  قيادة الإخوان في أوربا إلى لندن – إلى مقر الفيدرالية الإسلامية التي يديرها أحمد الراوي. وعلى أحد جدران مكتبه علقت خريطة العالم الإسلامي ذاتها (وهي معلقة على جدار مكتب مهدي عاكف مرشد الإخوان في القاهرة).
أحمد الراوي ولد في العراق في بلدة على نفس الاسم وتسود فيها أيديولوجيا الإخوان المسلمين لدرجة أن الراوي يقول أنه نشأ وهو إخواني. وعندما استلم العسكر الحكم في العراق هرب الراوي إلى أوربا ودرس الهندسة في بريطانيا – ويسمونه (مهندس الإسلام) لأنه كبقية قادة الإخوان المسلمين. لا يتمتع بثقافة دينية عميقة. بل هو رجل تنظيم سياسي ويعمل لتحقيق أهداف التنظيم السياسية ولا يعمل للدعوة.
(الفيدرالية الإسلامية) تشكلت لتضم منظمات الإخوان المسلمين في كل من (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، أسبانيا، يوغسلافيا، النمسا، اليونان، هولندا، رومانيا، سويسرا) وأصبحت الفيدرالية الإسلامية المظلة لحوالي عشرين منظمة ذات روابط ثقافية وتنظيمية بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وبعبارة أخرى أصبحت الفيدرالية الإسلامية فرع أوربا من قيادة التنظيم الدولي للإخوان.
تلا تأسيس الفيدرالية بناء سريع للتنظيم الجديد، فأحدثت الفيدرالية (معهد دراسات العلوم الإنسانية) الذي تم تصميمه لتدريب اللائحة والنخب الإسلامية وفي العام 1997 أحدثت (المجلس الأوربي للفتوى والأبحاث) كما انشأ (الصندوق الأوربي) لتأمين الأموال اللازمة لتغطية نشاطات الجماعة، إلى جانب دور (الفيدرالية كشركة قابضة) تعمل على إدارة مشاريع الجماعة وكان الممول الرئيسي للفيدرالية (مؤسسة مكتوم الخيرية) وهي مجموعة مقرها قطر ولها علاقة وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين. وقامت الفيدرالية بالحوار مع الفاتيكان والاتحاد الأوربي وهذا ما جعلها منظمة تدير وتقود التنظيم الدولي للإخوان وتقوم بتمثيله دبلوماسياً وتستثمر وتجمع وتحصل على التمويل من الدول والجهات الراعية والمرتبطة بها كقطر والسعودية، وأجهزة أخرى، وهذه نقله في التنظيم الجديد تعطي لجماعة الإخوان الجديدة إمكانية التحرك والاستمرار.
هذه الفورة في التنظيم لم يكن هدفها الدعوة. ولكن كان هدفها تجنيد المسلمين وفق رؤية تعتمد على تفسير القرآن يجعل من الدنيا قضايا فهماً يتيح للتنظيم حشد أتباعه على أنهم المسلمون الأخيار المنتجبين والمكلفين بإقامة الخلافة وحكم الله، وتصبح كل من هو من غير الأخبار المتبعين لرؤية الجماعة. أناس خارجون على شرع الله وكفرة وتضمن هذه الفئة كل العالم غير المسلم وتضم المسلمين الذين لايتبعون فكر الجماعة ورؤيتهم لتفسير القرآن (وخريطة العالم الإسلامي العالقة في مكتبة لندن). والمعلقة على جدران مكاتب  مهدي عاكف وغالب همت ويوسف ندا وأحمد الراوي. كانت ملونة بشكل تقسم العالم إلى قسمين الأخيار وغير الأخيار. وهذا بالضبط فهم سيد قطب الذي قسم العالم إلى قسمين مسلم وجاهلي وأوجب قتال الجاهلي وأخذ عنه ابن لادن هذه الفكرة التي عملت ومازالت يعمل وفقها تنظيم القاعدة حتى الآن)
وباختصار فإن (الفيدرالية الإسلامية) في أوربا و(المعهد العالمي للفكر) ومايرتبط بهما في كلتا القارتين أصبحا قيادة التنظيم الدولي للجماعة الجديدة (جماعة الإخوان المسلمين) وانطلاقاً من هذه القيادة الدولية. عملت الجماعة على تحريك اتباعها وفروعها في الدول الإسلامية، وخاصة في مصر – وسوريا – وباكستان…. ودخل عمل جماعة الإخوان في فعالية ونشاط عبر التنظيم الدولي الجديد…
تحديد الجدل (11 أيلول والإخوان المسلمون)
اتسع وجود الإسلام والمسلمين في أوربا، خاصة وأن ألمانيا كانت تحتاج للعمال وبداية استوردت (العمال الضيوف) من اسبانيا واليونان، ولكن الكمية الكبيرة من هؤلاء العمال جاؤوا من تركيا – ولأن ألمانيا كانت تشترط العمل المؤقت لهؤلاء العمال فلم تحصل على عمال مهرة، وبعد فترة وجدت أنه لا مناص من السماح للعمال بالبقاء في ألمانيا كي تحصل على عمال مهرة – وهذا ما زاد من عدد المسلمين في ألمانيا خاصة وفي أوربا عامة – كانت أوربا تسمح للمسلمين بإنشاء غرف للصلاة في أماكن العمل وفي الأحياء ولكنها ظلت (مساجد غير مرئية) – وظل المسلمون غرباء بنظر المجتمع الأوربي خاصة وأنهم كانوا يعلنون عداءهم لليهود وللديمقراطية والعلمانية ونظرتهم للمرأة لا يستسيغها الغرب عموماً – كما تأييد شيوخهم وخاصة القرضاوي للعنف الذي شرعه في قتال أعداء الله بدءاً من التفجيرات الانتحارية وامتداداً إلى محاربة أعداء شرع الله – ورغم هذه الحالة من رفض المجتمع الغربي للمسلمين فيه إلا أن الإخوان المسلمين وقيادة التنظيم الدولي لهم ظلت تعمل بهدوء وتمارس نشاطها دون إزعاج من أحد حتى وقعت الكارثة في 11 أيلول فأصبحت الجماعة والإخوان المسلمين في مركز الاهتمام، وجعلت أجهزة المخابرات تعود إلى دفاترها القديمة.
المخابرات الألمانية في الخمسينيات وضعت جامع ميونيخ تحت المراقبة وكان (فون مينده) ومجموعته عيون الاستخبارات الألمانية على الجامع، ولكن الرقابة الألمانية على الجامع توقفت على موت (فون مينده) وإبعاد معظم اتباعه من إدارة الجامع، ولكن بقي شخص واحد خارج دائرة الضوء وكان على صلة قوية بجامع ميونيخ هو (احمد فون دنفر).
وكان دنفر هو ناشر (مجلة الإسلام) التي يصدرها جامع ميونيخ، وظل دنفر ينشر المجلة حتى جرى تعليقها في العام 2003، وتحولت إلى موقع الكتروني. وكان دنفر على علاقة قوية مع خورشيد أحمد مندوب الجماعة الإسلامية (النسخة الباكستانية للإخوان المسلمين) – وسافر دنفر إلى بريطانيا ودرس في المؤسسة الإسلامية التابعة للإخوان ونشر عدداً من الكتيبات التي تعكس رؤيته الإخوانية القائلة بأن (الإسلام هو الحل).
ساهم دنفر في الثمانينات بتأسيس جمعية خيرية قامت بإرسال الأموال إلى أفغانستان لدعم المجاهدين في (الحرب المقدسة) كل ذلك جعل المخابرات الألمانية الداخلية تستشعر أهمية جامع ميونيخ، لدرجة أن أحد خبراء الشؤون الإسلامية قال في العالم 1990 أن جامع ميونيخ كان الموقع الذي تصنع فيه السياسة لكل العالم الإسلامي، طبعاً (مجلة الإسلام) ودنفر أنكروا هذا الطرح. ولكن الدلائل لم تنف هذا الرأي كلياً.
وشهد جامع ميونيخ صلات قوية بالإرهاب، فقد كان (حمود ابو حليمة) يتردد على الجامع في الثمانينات من القرن الماضي. ليتزود بالإرشاد الروحي الديني على يد إمام الجامع آنذاك أحمد الخليفة – ثم سافر أبو حليمة إلى أميركا حيث سجن وأدين لمساعدته في محاولة تفجير مركز التجارة العالمي في العام 1993 – كذلك هناك صلة أخرى للجامع بالإرهاب، حيث كان يتردد على الجامع ممدوح محمود سالم  الذي كان المسؤول المالي لتنظيم القاعدة والمعلم الشخصي لابن لادن واعتقل سالم قرب الجامع وأبعد إلى أميركا حيث حكم عليه بالسجن 32 عاماً.
ورغم أن إمام جامع ميونيخ أنكر معرفته بحقيقة ممدوح لمحمود سالم، إلا أن المخابرات الألمانية قامت بالبحث والتحري حول كل شخص له علاقة بسالم، ونتيجة ذلك ظهر لديها شخص اسمه مأمون دركزنلي. وهو رجل أعمال سوري يعيش في هامبورغ ويتردد على جامع صغير فيها اسمه جامع (القدس) – قامت المخابرات الأميركية بمتابعة دركزنلي وزرعت في بيته أجهزة تنصت، كما راقبت علاقاته في جامع القدس بما فيها علاقته بمحمد عطا، ولكنها لم تكن متأكدة مما حصلت عليه فأوقفت مراقبتها له ولمن حوله، وبعد سنتين طار محمد عطا بالطائرة الأولى التي فجرت برج التجارة العالمي في 11 أيلول، وتبين أن جامع القدس كان المكان الذي نشأت فيه مجموعة (11)أيلول، ورغم كل ذلك لم تجر محاكمة دركزنلي حتى اليوم – (وتتهم سوزان لينداور التي كانت تعمل مع المخابرات الأميركية تتهم محمد عطا بأنه كان عميلاً للمخابرات الأميركية).
وهكذا فإن مجموعة (11) أيلول تكونت في ألمانيا، ومع شخصيات على علاقة بشكل ما بجامع ميونيخ، وهذا ما يربط المجموعة بشكل ما بالتنظيم الدولي للإخوان، خاصة وأن الأيديولوجيا التي حركت الشباب لتنفيذ هجمات 11 أيلول هي مستقاة من نبع الإخوان المسلمين. وكان أيمن الظواهري  قد اعترف أنه كان في تنظيم الإخوان وأن فكرة الجهادي تعود جذوره إلى فكر الإخوان وخاصة سيد قطب.
صدمت الحكومة الأميركية بهجمات 11 أيلول، واتجهت بقوة ضد الإخوان المسلمين، وأثار انتباه المفتشين والمحققين بشكل خاص إحدى مؤسسات يوسف ندا (مصرف التقوى) وكان غالب همت عضو مجلس إدارة فيه وكان مسلمو أوربا مساهمين فيه كما كان يوسف القرضاوي أحد أكبر المساهمين، وقال المحققون الأميركيون أن المصرف استخدم كقناة لأموال الإرهاب وأعلنت واشنطن يوسف ندا وغالب همت ممولين للإرهاب ودعم قرارها الأمم المتحدة وجمدت حساباتهما كلها، وبهذا السبب ترك غالب موقعه في التجمع الإسلامي في ألمانيا.
بعد ذلك حصلت تفجيرات لندن ومدريد ونفذها إسلاميون من شباب الجيل الثاني أو الثالث للمهاجرين. وكانوا متأثرين بفكر الإخوان المسلمين مما زاد روابط التنظيم الدولي للإخوان بالإرهاب، وكشفت حقيقتهم ومزقت قيادة جامع ميونيخ واتهم أبطالها بالإرهاب – وبدا أن التنظيم الدولي للإخوان خاصة الفرع الأوربي قد انهار.. وأعلنت الحرب على الإرهاب. ويتضمن ذلك الحرب على الإخوان لكن حدث أمر ما شبيه بما حدث في الخمسينيات.
استعادة خمسسينيات القرن العشرين (الاخوان وأميركا بعد 11 أيلول):
هجمات (11) أيلول صدمت أميركا وجعلتها تحس بخطر الإرهاب يصل إلى عقر دارها، وهذا الإرهاب إسلامي ديني، أي أنه شكل من (العامل الديني) الذي رسخته إدارة آيزنهاور في الخمسينيات، كأداة من أدوات تحقيق المصالح الأميركية خاصة ضد الشيوعية….
ولجنة التحقيق في أحداث (11)  أيلول اعتبرت أن الأيديولوجيا التي تعتمدها جماعة الإخوان المسلمين هي الأساس العقائدي الذي ولد الإرهاب ودفع هؤلاء المتطرفين للقيام بهجماتهم في 11 أيلول.
لما أثبتت التحقيقات ضلوع شخصيات ورموز مهمة من جماعة الإخوان في العمل مع الإرهابيين وتهيئتهم وتمويلهم بشكل من الأشكال. وهذا ما جعل الجماعة، ورموزها متهمة بشكل واضح لما حدث مع يوسف ندا وغالب همت ودركزنلي و…….الخ.
فما الذي حدث، وكيف عادت أميركا لاستحضار سياستها في التعاون مع الإخوان المسلمين كما كانت تفعل في الخمسينيات؟؟ وللإجابة على هذه الأسئلة فإن البحث الأميركي عاد لدراسة كيف جاء المتطرفون؟؟ ومن أين جاؤوا ؟؟ وماذا يعني ما فعلوه؟؟ وهل يمكن للإدارة الأميركية أن تعود للاستفادة من العامل الديني كما فعلت في الخمسينيات؟؟ هذا ما سيدرس في السطور اللاحقة؟؟
بداية راح يوسف ندا يعلن أنه ليس إرهابياً، بل هو ناشط إسلامي ومستثمر اقتصادي – وعمله في مصرف التقوى له علاقة بالاستثمار الإسلامي خاصة في ماليزيا، وطبعاً كان مصرف التقوى الذي يملكه ويديره ندا قد اتهم بتمويل الإرهاب، وكان غالب همت عضو مجلس إدارة المصرف ويملك اسهماً فيه، كذلك يوسف القرضاوي وكان المساهمون في البنك قد فوضوا يوسف ندا بالتصرف بنسبة 10% من أرباح الزكاة لأموالهم. واتهم بأنه كان يمول الإرهاب بهذه الزكاة (وبشيء من الغموض يوحي بتدخلات ما) لم يحال ندا دعمت إلى المحاكمة، ولم يستطع المحققون إدانته بل صدقوا أن البنك تعرض لكارثة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي أصابت ماليزيا التي يستثمر فيها.
وبدلاً من إدانة ندا وهمت، تحول اتهامهما إلى فرصة لهما (وللإخوان) كي يظهر كضحية وكي يعملا إعلامياً وسياسياً على كسب الرأي العام (وقامت قناة الجزيرة “أحد أذرع الإخوان الإعلامية والسياسية” ببث مقابلات طويلة ومتعددة الحلقات مع ندا وهمت. اظهرتهما كرجال مسلمين (اخوان) نجحوا في الغرب وأسسوا أعمالاً استثمارية وحققوا نجاحات ثقافية واجتماعية ودينية وتعرضوا لاضطهاد الغرب واتهاماته)، وكي يثبت الغرب ديمقراطيته فقد تشدد في حق من يثبت انتماءه للإرهاب. أما من لا يثبت انتماءه للإرهاب يتحول إلى شريك في الحوار (ويعود ليمثل العامل الديني في تحقيق المصالح الأميركية وهذا ما كان الأساس في عودة الخمسينيات أي عودة الإخوان للتحالف مع أميركا، كما سيتبين من تطور الأمور في السطور التالية).
إذاً بدأ من أوربا ومن فرنسا بالتحديد. فإننا نجد أن هرفيه تيربل أحد المسؤولين الكبار في الداخلية الفرنسية. توصل مع مجموعة من زملائه في الداخلية الفرنسية الى استراتيجية تقوم على امتصاص الإخوان المسلمين، وسمح بإقامة المساجد على أن تنتخب إدارتها انتخاباً، وهذا ما جعل الدور الأساسي في هذه الانتخابات لاتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية، وهو اتحاد تسيطر عليه جماعة الإخوان المسلمين ويمول من السعودية والإمارات والكويت.
وعالمة الاجتماع الفرنسية دينا بوزار التي كانت ترى مع الداخلية الفرنسية أن امتصاص جماعة الإخوان المسلمين ربما يجعل منها وسيطاً ذو قيمة عالية لدمج المسلمين بالمجتمع الفرنسي… إلا أن بوزار وبعد مراقبتها الأحداث والمجريات وجدت أن التساهل يساعد جماعة الإخوان المسلمين في تعميق استراتيجيتهم (الإسلام هو الحل) والتي تقسم المجتمع إلى مؤمنين وإلى  كفرة – والمؤمنون مكلفون بإقناع  الكفرة وجذبهم للإيمان أو قتلهم. ولكن نتائج بوزار لم تؤثر في توجه الداخلية الفرنسية التي استمرت في التساهل مع جماعة الإخوان (الأسباب غامضة وربما سرية تتعلق بأمور استخباراتية لم تكشف بعد..) وأميركا أيضاً بدأت برسم سياستها مع جماعة الاخوان (والتي أدت إلى استعادة الخمسينيات من القرن الماضي) وانطلق  الأميركان من فكرة مخادعة تقول: ان أميركا لم تنتج العنف بل هي كانت ضحية استهداف الإرهابيين لها بالعنف. ومن ضمن هذه الفكرة المخادعة ما مفاده إن الإرهابيين جاؤوا إلى أميركا من أوربا ولم تنتهجهم اميركا، وتفسير كل ذلك بنظر الأميركان. إن المهاجرين الذي اتوا إلى اوربا كانوا من العمال غير المهرة والصالحين للإنجذاب للإرهاب كما أن تعويضات البطالة في أوربا مجزية بشكل يتيح للعاطلين.
الوقت للانخراط بالتطرف. بينما المهاجرين الذين جاؤوا إلى أميركا كلهم كانوا مهرة في اختصاصهم أن جاؤوا للعمل. أو أنهم أتوا من أجل الدراسة العليا والاختصاصية. كما أن مزايا البطالة في أميركا ضئيلة ومن يريد الاستمرار عليه أن يعمل لوقت طويل الأمد الذي لايتيح للمهاجرين إلى أميركا أي وقت للتفكير بالانخراط بالتطرف ورأى الاميركيون أن المهاجرين الإسلاميين إلى أوربا كلهم أما عرب أو باكستانيين بينما المهاجرون إلى أميركا طيف بلادهم أوسع وأشمل. وهذا ما جعل الخارجية الأميركية تعتبر أن (لديها قيادة إسلامية أفضل) وأن هذه القيادة يمكن تطويرها لتكون هي العامل الديني الذي يخدم المصالح الأميركية.
(في العالم 2002 وصل إلى الحكم في تركيا حزب العدالة والتنمية بقيادة اردوغان. وهو نسخة من الإخوان المسلمين التي تطورت عن حزب اربكان لتتسلم الحكم. ويبدو أن التطور الذي حصل عن اربكان كان بطبيعة الاتفاق مع الغرب عموماً ومع اميركا خصوصاً لتكون تركيا بقيادة العدالة والتنمية الإخوان سلاح العامل الديني في تحقيق المصالح الأميركية في المنطقة – خاصة وأن هناك في المخابرات الأميركية من توصل إلى أنه لايمكن مواجهة التطرف الإسلامي إلا بالإسلام. وهذا الإسلام هو إسلام التنمية والعدالة الإخواني – الذي باستلامه الحكم في تركيا أصبح إسلاماً إخوانياً بالعقيدة. وأطلسياً بالاستراتيجيا).
وفي إطار حشد العامل الديني في الاستراتيجي الأميركية، نظمت الخارجية الأميركية في العام 2005 مؤتمراً لحوار بين مسلمي بلجيكا واميركا – حضره كل جماعة الإخوان المسلمين سواء من جماعة جامع ميونيخ أو الفيدرالية الإسلامية في لندن أو المعهد العالمي الإسلامي في أميركا – وبحثوا في المؤتمر طرق مواجهة التطرف. وقال سفير اميركا في بلجيكا يومها أن تنظيم أربع أو خمس مؤتمرات مماثلة توصلنا إلى شبكة من المسلمين المعتدلين (الذين يشكلون العامل الديني المطلوب للاستراتيجية الاميركية) ولكن لم ينتبه السفير الأميركي إلى أن هذا المؤتمر وأمثاله أنتج وأعاد إنتاجه شبكات الإخوان المسلمين والتي ستعمل وتتحالف مع الجميع لتحقيق هدفها النهائي في إقامة الخلافة الإسلامية.
في ألمانيا كان هناك مشروع مماثل للحوار الإسلامي البلجيكي الأميركي، فدعت القنصلية الأميركية في ميونخ في العام 2007 إلى إنشاء أكاديمية إسلامية في بلدة بنزبرغ. واعتمد الأميركان مجموعة إسلامية لإنشاء هذه الأكاديمية وهي مجموعة مرتبطة بمجموعة Milli Grous وهي النسخة التركية لجماعة الإخوان المسلمين. وعندما عارض الترخيص لها اليمين الألماني هاجمته حكومة بوش الابن ووصف يومها رامسفيلد أوربا بـ”القارة العجوز” لضعفها بمحاربة التطرف بالإسلاميين أي لأنها كانت كثيرة التشدد تجاه الإخوان المسلمين.
وحسب برقية من السفارة الأميركية في برلين، فإن الاستراتيجية الأميركية تعتمد على المسلمين للحصول على مسلمين آخرين، وليقوم المسلمون برواية الحكاية الأميركية (تعميم السياسة الأميركية) واختارت لهذه المهمة جماعة الإخوان المسلمين – وقد نشر العالم السياسي الشهير روبرت ليكن مع زميله ستيفن بروك مقالة في فورين أفيرز اعتبرا فيه أن جماعة الإخوان أقل تطرفاً. وأن على الولايات المتحدة أن لا تخاف أو تتردد في الارتباط بهذه الجماعة (الاخوان) خاصة وأنها تحقق  المصلحة الأميركية بشكل جيد.
ولكن لو عرفنا أن ليكن وبروك كتبا مقالتهما نتيجة سماعهما لأحد شيوخ الإخوان وهو يخطب ويلقي خطبته في جامع لندن (طبعاً هذا الشيخ كان يعرف بوجود الأميركيين وبمكانتهما السياسية) ولم يخطر على بال الكاتبين أن الشيخ سيقول ما يعجبهما وما يلمع صورة الإخوان أمام أميركا (يقول أحد قادة الإخوان الذي انشق عنهم، أن مرشد الإخوان تلمساني قال له أن استراتيجية الإخوان تعتمد أساساً على التقرب من أصحاب السلطة والسلطان لأن في ذلك تقرب من القوة التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم، وطبعاً أميركا قوى عظمى وتقرب الشيخ في جامع لندن لها بقوله ما يعجبها هو جزء من استراتيجية الإخوان).
وتوسع تبني الإخوان المسلمين في الانتشار لأبعد من وزارة الخارجية، وابتدأ من 2005 وعمت المخابرات الأميركية جماعة الإخوان المسلمين، ووضعت الوكالة تقريرين عن التعامل مع الإخوان المسلمين، واعتبرهم الأكثر ديناميكية واندماجاً في المجتمع وتأثيراً في المسلمين وانتقد التقريران تحفظ أوربا تجاه الإخوان المسلمين ودعا الأميركان إلى ضرورة التعاون مع الإخوان المسلمين لتحقيق العامل الديني الذي اعتمدته الاستراتيجية الأميركية في الخمسينيات ولكن بصيغة أكثر تطوراً وعملية وجدوى في تحقيق المصلحة الأميركية – والرئيس أوباما عين مساعداً خاصاً لشؤون المسلمين هو مازن أصبحي وكان ذو صلاحيات واسعة في التنسيق مع المسلمين، وأصبحي كان رئيس رابطة الطلاب المسلمين في أميركا وهي المنظمة التي يسيطر عليها جماعة جامع ميونيخ وهم تابعون لتنظيم الإخوان المسلمين، وقد استقال أصبحي عندما نشرت حقائق انتمائه للإخوان في جريدة وول ستريت جورنال، (كما أن أقرب مساعدة لوزير الخارجية كلينتون كانت السيدة عابدين والتي تنتمي لعائلة إخوانية – أبوها وأخوها من قادة الإخوان – وكانت السيناتور باكمان قد شنت حملة في الكونغرس ضد تغلغل نفوذ الإخوان في الإدارة الأميركية وطبعاً دون أن يكون هناك نتائج لحملتها تلك وهذا ما يدل على ارتباط عميق بين الإدارة والإخوان.
الخاتمة – داخل الجامع
مضى عشرات السنين على تأسيس جامع ميونيخ، ومرات مراحل كثيرة من فعالية الجامع السياسية في ألمانيا ومنها إلى أوربا وأميركا والعالم – وعبر هذه الفعالية استطاعت جماعة الإخوان المسلمين أن تؤسس تنظيمها الدولي – وبفضل مجموعة جامع ميونيخ استطاع رجالاتها إعادة إحياء تنظيم الإخوان المسلمين، كما استطاعوا تجاوز أزمة 11 أيلول وهجماتها.
ورغم أن رجالات جامع ميونيخ المؤسسين هرموا وشاخوا، إلا أن أحمد فون دنفر، ناشر مجلة الإسلام في ألمانيا، وتلميذ خورشيد أحمد ممثل الجماعة الإسلامية (النسخة الباكستانية للإخوان) والمسؤول الآن عن مجموعة ميونيخ، أحمد دنفر هذا ما زال يحب استحضار تاريخ الجامع وإنجازاته، بدءاً من جهاد المهاجرين التركمانستان وتحالفهم مع القوات الألمانية (النازية) وقتالهم ضد السوفييت وصولاً إلى التحالف مع الإدارة الأميركية وقتال المسلمين ضد السوفييت في أفغانستان وانتقالاً بعملهم للانخراط مع الإدارة الأميركية في تعميم الديمقراطية في العالم (الربيع العربي).
أحمد فون دنفر – يبدأ من فون مينده – وعمله مع وزارة الأراضي المحتلة النازية – إلى سعيد رمضان وعمله مع الأجهزة الأوربية والباكستانية والسعودية ـ إلى غالب ويوسف ندا وتعميمهم التعاون ليصل إلى المخابرات الأميركية – وكلها محطات سياسية فاعلة ومؤثرة في جماعة الإخوان المسلمين وفي تاريخ شعوب المنطقة والعالم.
(إن تاريخ جامع ميونيخ كحركة سياسية اعتمد على الدين والشعور الديني، يتضمن خلاصة مهمة ومكثفة لكثير من سياسات المخابرات النازية والتي ورثتها عن المخابرات البريطانية والأميركية، كما فيها ممارسات واستراتيجيات الإخوان المسلمين كتنظيم دولي له فروع في 80 دولة وكان عمل غيرهارد فون مينده الأكاديمي وتعاونه مع وزارة الأراضي المحتلة الألمانية النازية وأنتج النظرية التي توصي باستثمار المسلمين في الحرب ضد السوفييت، لأن العقيدة الدينية الإسلامية تعادي الشيوعية، ولأن المسلمين كانوا يعانون الاضطهاد الديني ويمنعون من ممارسة شعائرهم الدينية من قبل السوفييت – هذه النظرية تلقفتها المخابرات النازية ورسمت منها استراتيجية لتطويع المهاجرين والأسرى والهاربين المسلمين وتنظيمهم للقتال ضد السوفييت.
نظرية فون مينده واستراتيجية وزارة الأراضي المحتلة النازية تبنتها المخابرات البريطانية والأميركية، واعتمدها في حربها ضد السوفييت في أفغانستان، وبناء على هذه النظرية قام بريجنسكي مستشار الأمن القومي بالتعاون مع الأمير تركي الفيصل في تجنيد المجاهدين المسلمين للقتال في أفغانستان وكلفوا يومها أسامة بن لادن بتنظيم هؤلاء المجاهدين وتنظيم جهادهم ضد السوفييت – وهذا التنظيم هو طليعة تنظيم القاعدة.
وهكذا فإن مجموعة جامع ميونيخ التي جمعها وأسسها فون مينده والتي وجدت في تنظيم الإخوان المسلمين الإطار المنفذ والمجسد لنظرية فون مينده – هذه المجموعة انضوت بأفكارها واستراتيجيتها ضمن تنظيم الإخوان المسلمين – واستولى عليها هذا التنظيم وحول الجامع إلى مركز انطلاق للتنظيم الدولي للجماعة – وهو التنظيم الذي سيتحالف مع المخابرات النازية والأميركية، ولكنه في الباطن سيظل يعمل من تحقيق حلمه في إقامة دولة الخلافة الإسلامية.
نظرية فون مينده واستراتيجية الأراضي المحتلة وبعد اعتمادها في أفغانستان وخلق حركة المجاهدين التي تحولت إلى طالبان وثم إلى تنظيم القاعدة – بعد هذه التجربة، فإن إدارة أوباما عملت على تطوير هذه النظرية والاستراتيجية الناجمة عنها، وبعد دراسة طويلة لما (نفص سطر؟؟) وجدت المخابرات الأميركية، أن افضل طريقة لمحاربة ومكافحة المسلمين المتطرفين هي الاعتماد على المسلمين المعتدلين. ووجدت المخابرات الأميركية أن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة معتدلة. كما أنها جماعة انتهازية، وهذا ما جعل الإدارة الأميركية تتحالف معها وتعتبرها الإدارة والذراع السياسية والحركية والعسكرية لتحقيق الاستراتيجية الأطلسية لإعادة رسم الشرق الأوسط، واعتمد جماعة الإخوان كمحرك وفاعل والمسيطر القادم على الشرق الأوسط ضمن خطة الأطلسي المسماة بـ(الربيع العربي).
في تجربة الجامع عدة عوامل رسمت مسار فعاليته في التعاون مع الغرب:
1 ـ سيطرت جماعة الإخوان المسلمين على الجامع، وتحت غطائه أسست وطورت وأعادت إحياء التنظيم الدولي للجماعة ـ وأقامت تحالفاتها مع أجهزة المخابرات الغربية من النازية إلى الأميركية.
2 ـ المخابرات النازية نظمت العمل مع الإخوان عبر تجنيدهم كمقاتلين وعبر استخدامهم في التحريض الإعلامي وأقامت الإذاعات لهم وافتتحت لهم الجوامع – وهكذا فإن الفعل الإعلامي ارتبط بالفعل العسكري وكلاهما نشأ على استثمار الدين.
3 ـ بعد انتهاء الحرب – وفي أثناء الحرب البادرة – عملت المخابرات الأميركية أيضاً على استثمار وتجنيد الإخوان المسلمين – وافتتحت إذاعة الحرية – وإذاعة أوربا الحرة – وهكذا فإن الفعل الاستخباراتي للإخوان تضافر مع الفعل الإعلامي والإسلام الوسيلة.
4 ـ العدو دائماً الشيوعية – سواء في الحرب ضد الاتحاد السوفييتي او في الحرب الباردة – أو في الحرب لتحرير أفغانستان – وضد حلفاء في كثير من البلدان التي أصابها الربيع العربي ليبيا وسورية مثلاً.
5 ـ الجامع مركز الانطلاق، ومكان التجمع والتحضير والتخطيط وليس مكان العبادة أو ممارسة الروحانيات – وهكذا فإن الجامع أصبح بيد الإخوان المسلمين هو مركز التنسيق الاستخباراتي والعميلاتي والتحريض الإعلامي. وبسبب رمزيته الدينية الروحية فإن الجامع في كل مكان لعب دوراً مؤثراً في خطط المخابرات الغربية التي استخدمت المسلمين من الحرب العالمية الثانية حتى الربيع العربي.
6 ـ دائماً استخدم الإخوان معاهد الفكر، ومراكز الدراسات، وما يماثلها كغطاء كتنظيماتهم، وجعلوا منها مراكز للتخطيط والإدارة والقيادة والتطويع ونشر الأفكار وإقامة الوسائل الإعلامية.
7 ـ التقرب من مراكز القوة والسلطة هو استراتيجية لدى الإخوان، كان قد كشفها أحد قادتهم “ثروت الخرباوي” وإذا كان أمن الدولة في مصر مركز قوة وسلطة دوليتين ويتقربون منها ويتحالفون معها – وهذا ما فعله أردوغان الاخوان منذ العام 2001 وهذا ما جرّ إليه التنظيم الدولي للإخوان – وبات الإخوان جميعهم في الحظيرة الأطلسية “مركز القوة” للسيطرة على الشرق الأوسط بالربيع العربي.
8 ـ الغرب الذي جعل من السيطرة على العالم هدفه، سعى لتحقيق هذا الهدف بتدمير كل القوى العالمية الأخرى، ولما كانت الشيوعية قوة صاعدة حاربها الغرب ليستفرد بالسيطرة وحده، وفي حربه هذه وجد في العامل الديني المتمثل بالإسلام سلاحاً مهما يمكن استخدامه لمحاربة الشيوعية (روسيا)، ولاستعمال الإسلام وجد الغرب في انتهازية الإخوان المسلمين مدخلاً ليوظفهم في حربه لتحقيق أهدافه في السيطرة على العالم – وهكذا فإن الغرب استخدم الإخوان المسلمين ليستغل الإسلام، بينما الإخوان انضووا في خدمة الغرب ليستفيدوا من قوته ويتقدموا باتجاه تحقيق هدفهم في إقامة دولة الخلافة..
9 ـ إن انتهازية الإخوان المسلمين التي سهلت لهم التحالف مع الغرب والعمل مع أجهزة مخابراته من النازية إلى الأميركية. هذه الانتهازية يمكن فهمها من سلوك ومنهج القرضاوي، الذي بات في العقود الأخيرة الأب الروحي للجماعة – والقرضاوية تتمثل بأمرين بإعلان فقه ديني وسطي – واستبطان سلوك سياسي متشدد في قضية تحقيق أهدافه. وهكذا فإن الإخوان على هدى القرضاوي يظهرون الوسطية والاعتدال، بينما يتصرفون وفق ما يضمرون من تشدد وتطرف.
كما أن انتهازية الإخوان التي تجعل السعي لتحقيق هدفهم في استلام الحكم والمسمى عندهم بدولة الخلافة، تبيح لهم أن يتعاونوا مع الكفرة والملاحدة وأعداء الدين، وهذا ما يحرمه الدين الحنيف، لكن انتهازية الإخوان تستخدم الدين للانتشار، وتطيح به وبمبادئه عند التعاون مع مراكز القوة الكافرة.
10 ـ الغرب استخدم المسلمين بواسطة الإخوان المسلمين – سلاح الغرب القوة والسيطرة – ووسيلة الإخوان الدين والانتهازية – وكانت قوة الإعلام الغربي في زواجها مع الدعوية الاخوانية وسيلة قصف عقول المسلمين واحتلال ضمائرهم لتحويلهم إلى أدوات يخدمون مطامع الغرب وانتهازية الإخوان. وهذا بالضبط ما دمر ليبيا ونشر الفوضى في تونس وهدد كيان مصر – وهذا ما يعتمد لدفع سورية إلى الانهيار والسقوط. لذلك فإن تحالف الإخوان مع المخابرات الغربية، هو تحالف شيطاني يستخدم الإسلام ليدمر بلاد المسلمين – وبالفعل فإن جامع ميونيخ كان مركزاً لحشد الإخوان المسلمين وانطلاق تنظيمهم الدولي المتعاون مع الغرب – وهذا ما جعل جامع الضرار تعبيراً رمزياً عن جامع ميونيخ.
وقصة جامع ضرار معبرة ودالة، وتبدأ من قدوم الرسول (ص) إلى المدينة مهاجراً، وكان فيها رجل صاحب نفوذ وسلطة وكانت له كلمة مسموعة بين أهل المدينة يدعى أبو عامر الراهب، وكني بالراهب لأنه قرأ كتب اليهود، وهو رجل من الخزرج تنصر وبرز في المجتمع. لذلك فقد شعر أن سلطته انهارت وكلمته بهتت عند مجيء الرسول إلى المدينة وإقامة دولته فيها..
عندها بدأ أبو عامر تأليب الناس ضد الرسول بحجة أن محمداً يحرف مذهب ابراهيم الحنيف، وعندما لم يفلح لجأ إلى مشركي مكة وتحالف معهم وشاركهم الحرب ضد الرسول في أحد.
وعندما أحس أن المشركين لن يقدروا وحدهم على محمد – لجأ إلى القوة الأكبر الروم – وسافر إلى هرقل ملك الروم وطلب المساعدة الأجنبية ليستطيع إسقاط محمد ودولته ودينه، ووعد هرقل بالمؤازرة والمساعدة.
ولما ضمن أبو عامر دعم ومساندة الروم، وليستكمل مؤامرته أرسل إلى جماعته وطلب منهم أن يبنوا مسجداً ضراراً لمسجد الرسول الذي بناه عند دخوله المدينة وسماه مسجد قباء.. وأخبر أبو عامر أنه يريد جامع الضرار ليكون مركزاً للحرب على دولة محمد وليكون رصداً ومنارة ومركز دعوة لعملهم ضد دولة محمد.
وبعد بناء الجامع واستكمالاً لنفاق جماعة أبو عامر، وللحصول على الواجهة الإسلامية الحقيقية طلب جماعة أبو عامر من الرسول أن يصلي في جامعهم ويباركه، ولكن الرسول أجل تلبية طلبهم لبعد عودته من تبوك التي كان يهم بالسفر إليها.
وأثناء عودته من تبوك، نزل الوحي على محمد (ص) وكشف له حقيقة جامع ضرار، وأمره الله في سورة التوبة بهدم الجامع فأرسل الرسول رجاله فأحرقوا الجامع وهدموه لأنه كان جامع يهدف لتفريق المسلمين وتشتيت كلمتهم وكان مركزاً لخدمة الأعداء من الروم.
إن في شخصية أبو عامر الراهب والذي لقب بـ المنافق والفاسق، معادل موضوعي  لتنظيم الإخوان المسلمين، حيث أنه يظهر العلم والتقوى والتمسك بالدين الحنيف، ويبطن العداء والسعي للحكم، وكما لجأ أبو عامر الراهب لملك الروم ليحارب دولة الرسول (ص) طمعاً في أخذ حكم المدينة منه، لجأ الإخوان المسلمون للغرب وحاربوا معه طمعاً في السيطرة على الحكم.. وكما جعل أبو عامر الراهب من جامع الضرار مركز ورصداً وتجمعاً لعمله وعمل رجاله، كذلك فإن الإخوان المسلمين جعلوا من جامع ميونيخ مركزاً ورصداً وتجمعاً وانطلاقاً لتنظيمهم الدولي..
بالفعل فإن جامع ميونيخ ما هو إلا جامع الضرار.
وبالفعل فإن تنظيم الإخوان المسلمين ما هو إلا إحياء لسياسة أبو عامر الراهب.
فهل نستغرب بعد ذلك انطلاق أعمال “الربيع العربي” من المساجد؟؟! وهل يخفى على أحد من هو أبو عامر الراهب المعاصر الذي يتحرك ممثلاً بالربيع العربي؟؟؟؟
(إننا ندقق في التاريخ ونقرأ معانيه
لأننا كما قلنا في البداية
من لا يقرأون التاريخ محكومون بتكراره)

إعداد وتلخيص
مركز (قراءات ) للدراسات والنشر

دور قطر والسعودية في انشاء تنظيم القاعدة الارهابي … في كتاب امريكي

 

مؤلف كتاب النوم مع الشيطان هو روبرت باير الضابط الميداني السابق في الاستخبارات المركزية الأميركية والذي شغل مناصب عديدة أبرزها رئاسة محطة السي آي إي في لبنان عام 1983 بعد تفجير مبنى السفارة الأميركية وكان ضالعا في تفجير بئر العبد الذي استهدف اغتيال الراحل الكبير آية الله السيد محمد حسين فضل الله وروى في كتابه الأول عام 2002  ” سقوط السي آي إي” فصولا مهمة عن مطاردات كر وفر بينه وبين القائد المقاوم الشهيد عماد مغنية الذي أوقع به ذات مرة بخدعة أمنية متقنة ودس عليه عميلا قال إنه يستطيع ان يسلمه رأس الحاج عماد الذي صفع باير باتصال هاتفي بعد فشل محاولة الاغتيال المسندة إلى العميل المزيف وبعد لبنان تولى باير مسؤولية ملف العراق في الاستخبارات المركزية الأميركية وهو يروي في هذا الكتاب ” النوم مع الشيطان ” كمية من الوقائع المتصلة بشراكة أميركية سعودية في تكوين الإرهاب التكفيري ورعايته ويقدم صورة عن واقع النظام السعودي

يقول المؤلف عن دور قطر والسعودية في انشاء تنظيم القاعدة الارهابي 


ضعة أشهر قبل أن أستقيل من وكالة المخابرات المركزية، كنت أتساءل إن كان هناك أي شيء ليس للبيع في واشنطن. وعلى الرغم من أنني كنت دائما في الخارج، لكن لاحظت أن بندر وطائرات البوينغ، ومجموعات كارليل وايكسون يشغلان واشنطن. فشهدت على فضيحة تمويل الحملات الانتخابية، ولاحظت كيف كانت الاصوات تشترى بمئات آلاف الدولارات. شهدت على سلطة بندر ​​في واشنطن… ولكن اتساءل لماذا يحصل ذلك؟ هل يجب العودة إلى الشرق الأوسط للحصول على الجواب.

في أوائل أكتوبر تشرين الأول العام 1994، عندما كنت نائبا لرئيس العمليات في العراق، قال لي احد العملاء في عمان أن صدام حسين يتحرك نحو الحدود الكويتية. لم أكن أصدق ذلك. فكم سيكون غبيا لو فعل ذلك؟
وعندما عدت إلى واشنطن، علمت ان الأقمار الصناعية قد التقطت حركة المدرعات العراقية جنوبا باتجاه الحدود الكويتية، ولكن الأقمار الصناعية لن تقول لنا ما إذا كان صدام ينوي عبور الحدود فعلا-. لذلك نحن بحاجة إلى عملاء، والمشكلة الوحيدة هي انه لم يكن لدينا عملاء هناك، لم يكن لدينا شخص بجانب صدام، او اي مصدر في جيشه، ليقول لنا ما إذا كان الجيش سيتوجه إلى الكويت.
الاتصال الأول الذي جاءني من غرفة العمليات في البيت الأبيض كان يفيد بان البحرية الأميركية والرئيس ينويان ارسال ناقلات عسكرية إلى الخليج، ولكنهما أرادا معرفة ما إذا كانت وكالة الاستخبارات المركزية تشجع هذه العملية.
كنت أعرف أنه لم يكن لدينا مصادر، لذلك بادرت إلى الاتصال بمكتب السعودية لمعرفة ما إذا كانوا لاحظوا وجود أي نشاط غير معتاد على الحدود العراقية، فبدو الحدود العراقية-السعودية كانوا يعبرون طوال الوقت.
وقال ضابط في المكتب ” لا يوجد شيء على الإطلاق لا شيء”.
كنت أعرف أنه يقول لي الحقيقة، لان المملكة العربية السعودية هي حليفتنا. وكان لدينا جنودنا في المملكة. فقد عملنا على ابقاء أسطولنا في الخليج.
وأضاف: “الكويتيون ليس لديهم أدنى فكرة عما يسعى إليه صدام”، “لم يتم استدعاؤهم إلى الحدود لمعرفة ما يجري”، ولكن لم يكن هناك من خيار.
فبعد خمس عشرة دقيقة بلغ حرس الحدود الكويتية بأنه يرى دبابة عراقية تتحرك مع طاقمها.
وبالصدفة، بعد دقيقتين، اتصل جورج تينيت من البيت الأبيض، رئيس الاستخبارات في مجلس الأمن القومي – بالمسؤول عن تبليغ واشنطن بكل الإحداثيات حول الأزمة قائلا: “اللعنة ماذا يجري في العراق ؟ انا غير راض عما يجري.
وأتساءل: هل الأموال التي تدفع لجهاز الاستخبارات تخصص لشراء المناظير فقط؟. ما الذي لا نعرفه عن شمال الخليج ( الفارسي ) . عراق صدام إجمالا كان منغلقا تماما عن العالم، وكان من الصعب جمع المعلومات الاستخبارية. ولكن ماذا عن أصدقائنا مثل الكويت والمملكة العربية السعودية، -القلب الذي يضخ الدم في حياتنا الاقتصادية ؟.
ومنذ ذلك الوقت بدأت أقرأ التقارير القادمة من الرياض، لم يكن هناك شيء بارز، لم يكن هناك أي كلمة عن الانقسامات في العائلة المالكة أو علاقتها بالوهابيين، ولا عن رجال الدين الوهابيين، الذين يحصلون على ما يريدون من آل سعود .
ومن خلال النظر مرة أخرى لبيانات العام 1986، لم يكن هناك الكثير لتقرأه في الصحف والمجلات الأكاديمية. عندما نصل إلى الخليج (الفارسي) ، نصبح عميانا، وإذا كان هناك مكان يشتعل بالنيران، فنحن لن نعرف إلا بعد فوات الأوان.
في ذلك العام توجهت إلى بيروت، ولم استغرق وقتا طويلا لمعرفة أنها لم تكن بيروت التي تركتها في العام 1988. كانت المدينة في تلك الفترة تشهد انقسامات كبيرة بسبب الحرب الأهلية، والآن هي تبنى من جديد. فكان رئيس الوزراء رفيق الحريري يعيد بناء وسط المدينة، بعد ان استقدم أفضل المهندسين المعماريين في العالم للمساهمة في عملية البناء. وقيل انه حفر جزءا من بيروت الرومانية القديمة. وكان يجري حفر نفق تحت المدينة العصرية لتسهيل حركة المرور. وكان هناك طريق جديد إلى المطار. وبعد بضع سنوات، ستنافس بيروت باريس ولندن.
لا يزال الشرق الأوسط يعاني من جروح كثيرة، ويحتاج إلى الكثير من الوقت ليضمد تلك الجروح.
سائق التاكسي الذي أخذني من بيروت الغربية إلى بيروت الشرقية عشية عيد الميلاد من ذلك العام، قال إنه أول مرة يقطع الخط الأخضر..
في هذه المرحلة حاولت المعارضة القطرية أن تلجأ إلى بيروت ودمشق. وقد كنت مهتما بأمير قطري بارز يدعى حمد بن جاسم بن حمد آل ثاني.- “الأمير الأسود” تخرج من كلية سانت هيرست العسكرية في بريطانيا- وأنا أعطيك الاسم الكامل لأنه يبدو أن كل ولي عهد  تقريبا في قطر يحمل اسم حمد أو جاسم. أما وزير الخارجية فهو حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني.
وكان الأمير الأسود وزيرا للاقتصاد ورئيسا للشرطة، وقد حاول الإطاحة بأمير البلاد في فبراير شباط العام 1996، بدعم من الأمير الأب “خليفة” الذي أطاح به ابنه في العام 1995. ولكن النقطة الاساسية هي أن قطر دولة دسيسة في الخليج. السعودية ومصر، وسوريا دعموا محاولة الانقلاب في فبراير 1996 وكانوا يسعون لتقويض الحكومة القطرية. فكانت قطر مصدر سحر لمن يهتم بالسياسة الخليجية، وكانت أيضا الجائزة الكبرى لشركات النفط في العالم. فبالإضافة إلى احتياطياتها النفطية، قطر تملك واحدة من أكبر حقول الغاز في العالم. وكانت لها أيضا علاقة جيدة مع الإسرائيليين.
من خلال عدد من اللقاءات التي أجريتها مع أصدقائي القدامى في بيروت، وجدت شخصا يعرف “الأمير الأسود” الذي كان يعيش في دمشق، في مجمع مراقب من كبار ضباط الجيش والمخابرات. والوصول إليه لم يكن سهلا.
ولكن في نهاية المطاف وصلت إلى زميل “يعمل” لدى الأمير، الذي وافق على لقائي في لبنان. وكان شرطه الوحيد أن يتم اللقاء في فندق في وادي البقاع –شتورة بارك اوتيل- الذي كان يدار من قبل الاستخبارات  السورية.
وفي يوم اللقاء توجهت إلى البقاع، الى الفندق المذكور فكان “الأمير الأسود” في الانتظار مرتديا زيه العسكري والكوفية تلف عنقه، وكأنه مقاتل فلسطيني، وليس أميرا خليجيا. كانت الغرفة مظلمة باستثناء موقد حرق الغاز في الزاوية. قدم “الأمير الأسود” الشاي، وقال: “كما تعلمون، كنت مع ياسر عرفات في الأيام الأولى من العمل الفدائي، تدربت في معسكراته، وحاربت إلى جانبه “.
كان الأمير يحاول أن يقول انه لا يشبه أبناء عمومته، فهو مقاتل، من الطراز الأول، ولا احد يستطيع أن يعبث معه.
وفي تلك اللحظة أدركت سبب موافقة الأمير على مقابلتي، هو أراد الاستقصاء حول علاقة واشنطن الخارجية ببلاده وبالوزير حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني، أو “حمد الجيد”، كما كان معروفا في واشنطن.
حمد كان وزير الخارجية وصديق واشنطن و”اسرائيل”، وراعي المؤتمرات الاقتصادية العربية التي كانت تعقد في قطر وتدعى إليها “إسرائيل” التي فتحت مركزا اقتصاديا لها في الدوحة.
قطر وعدت بإجراء انتخابات ديمقراطية، وسمحت للمرأة بالتحرك، وعقدت صفقة مع انرون بمليارات الدولارات.
والوزير حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني، كان وزيرا مقبولا اجتماعيا كما بندر – وهو يمتلك مزرعة على طريق فوكسهال، أغلى حي في العاصمة.
وقال لي “الأمير الأسود”: “ابن عمي اشترى مقعدا في مجلس الأمن القومي؟” فاجبت: “لا أحد يشتري ويبيع واشنطن”. فأضاف “انه وزير ملعون، وغني، متأكد من أنه يمكن ان يملك المكان، لكنه لا يستطيع شراءه” …. لديك الكثير لتتعلمه، يا صديقي”. وانتهى اللقاء ولكنه لم يكن الاخير.
فلاحقا التقيت بالامير في اكثر من مكان، وفي كل لقاء كان يعرب عن ثقته بي، وكنا نتحدث عن دولة قطر، وكان واضحا أن الأمير يريد توجيه طعنة في القلب لابن عمه وخصمه، ووزير خارجيته.
وفي احد المرات دعاني “الأمير الأسود” إلى منزله في دمشق، وكان قد بنى لنفسه منزلا من طابقين في مجمع عسكري شمال غرب دمشق. وكان للتجمع حديقة بحجم ملعب كرة قدم.
وفي احدى الجلسات قال لي الأمير” هل تعرف شيئا عن ابن عمي حمد بن جاسم بن جابر” فقلت اني التقيته في مكتب ليون فيورس مستشار الأمن القومي. وذكرت كيف طلب مني مغادرة المكتب لدى وصول وزير الخارجية.
فقال: “أنا لا أعرف إذا كنت صادقا معي أم لا، لكن حكومتك تلعب لعبة خطيرة للغاية”. سألته ما الذي كان يقصده .
“دعونا نبدأ مع بن لادن” وزير الخارجية هو واحد من مؤيديه الرئيسيين وهو يكره السعوديين.
عرفت ذلك عندما كنت في وكالة الاستخبارات المركزية، وأنا سمعت سلطان وكبار الأمراء وهم يصفون وزير الخارجية “بالكلب”.
وقد كنت أعرف أن وزير الداخلية، عبد الله بن خالد، التقى أسامة بن لادن في 10 أغسطس 1996، ولكن هذا لا يعني أي شيء. فهناك الكثير من العرب كانوا يحجون إلى الخرطوم لرؤية بن لادن. المخابرات العراقية ايضا التقت بن لادن في عدة مناسبات.
هل تعرف من هو خالد الشيخ حمد؟ “مو” يتم إسقاطها من كلمة “محمد” باللغة العربية التي يتحدثها القطريين. فكان “الأمير الأسود” يشير إلى خالد شيخ محمد.
فقلت لا، لأنني كنت أسعى لمعرفة القصة من البداية إلى النهاية، وأضاف “انه قائد العمليات الإرهابية التي ينفذها بن لادن، وكان هدفه تفجير الطائرات.
في العام 1995 كنت قائدا للشرطة عندما جاء إلى قطر آتيا من الفلبين بعد اعتقال اثنين من أعوانه، فاقتدناه فورا إلى وزير الداخلية عبد الله بن خالد، الوهابي المتعصب، وطلب مني  أمير البلاد أن أساعد عبد الله ..
أصبح من الواضح بالنسبة لي أن “الأمير الأسود” يريد مني أن أفعل شيئا بهذه المعلومات. فمعظم العرب يقومون بذلك وكنت أرغب في سماع بقية القصة.
“فسألت: “أين هو خالد شيخ الآن؟” “عندما غادر خالد شيخ محمد قطر العام 1996، لم أكن متأكدا من ظروف الانتقال.
وقال اعتقد انه في “براغ”، فأنا أعلم أن محمد شوقي اسطنبولي ذهب إلى هناك”. وكان محمد شقيق خالد شوقي اسطنبولي، الذي فرغAK- 47  في صدر أنور السادات في العام 1981. وكان محمد نفسه مطلوبا في مصر بتهمة القتل.
وعندما انتهى، سألته، “هل هناك دليل على كل هذا؟ “فقال: “بل لدي أكثر من ذلك بكثير. فأنا كنت وزيرا للاقتصاد،  وكلما جاء الوقت لوضع المال في الانتخابات الأميركية، كنت أنا من يفعل ذلك” .
أنا لا اهتم بقيام الحكومات الأجنبية بوضع المال في الانتخابات الأميركية، ولكنني اهتم لخالد شيخ محمد، وكنت أعرف بالفعل المؤامرات التي تحدث- كنت اعلم بخطة خالد شيخ محمد لتفجير الخطوط الجوية الأميركية.
ولكن كيف يمكن لي إيصال المعلومات إلى وكالة الاستخبارات المركزية ؟ فقد كنت خارج الوكالة والشيء الوحيد الذي يمكن فعله هو إرسال المعلومات والوثائق بالبريد الإلكتروني لصديق لا يزال في وكالة المخابرات المركزية والطلب منه تمرير المعلومات لمركز مكافحة الإرهاب، وإدراج جميع البيانات، بما في ذلك اسم “الأمير الأسود”.
كنت آمل أن تقوم واشنطن بارسال شخص للتحدث معه ولكن رد صديقي بعد يومين: “لا مصلحة لنا” لم أكن لاستسلم، لذلك طلبت مساعدة مراسل صحيفة نيويورك تايمز جيم رايزن، فإذا نشرت المعلومات  وخاصة الوثائق في صحيفة نيويورك تايمز ربما تجذب انتباه شخص ما من حلفائنا في الخليج، حول واحد من أكثر الإرهابيين فتكا في العالم.
وفي هذا الوقت كنت قد انتقلت إلى نيويورك، وكان “الأمير الأسود” لا يزال مستعدا لإخراج كل ما لديه، وعندما تقرر ذهاب رايزن إليه اختطف “الأمير الأسود” في بيروت ونقل جوا إلى الدوحة.
وحتى كتابة هذه السطور، هو في سجن بلا نوافذ، وتقول عائلته انه يجري حقنه بالمخدرات. وبمجرد اختفائه هناك حقائق ثابتة أصبح من المستحيل تقريبا الحصول عليها.
وبعد أن اختفى “الأمير الأسود” التقيت في نيويورك بواحد من رفاقه، ولد في سري لانكا، وكان مجنس أميركيا. وكان يعمل للبعثة القطرية في الأمم المتحدة، قال انه كان قلقا من التحدث معي، وأنه لا يريد المزيد من المتاعب”.
وبعد أن أقنعته أنني كنت صديقا “للأمير الأسود”، قال لي قصته: “في العام 1995، عندما أطاح أمير البلاد الحالي بوالده، قمت بخطأ تكتيكي لانحيازي إلى جانب الأب والأمير الأسود، ما جعلني عدوا لوزير الخارجية وأمير البلاد. وفي احد الأيام التقيت وزير الخارجية في نيويورك فقال لي انه يجب أن اختار بين الجانبين، والإبلاغ عن الأمير الأسود”. فقلت “لماذا؟” “أنا لم اكسر القانون”. أجاب الوزير “لا يهم، سترى قريبا”.
كان من الواضح بالنسبة لي أن وزير الخارجية له الكثير من النفوذ في واشنطن، الأموال التي أنفقت سمحت لقطر أن يكون لها تأثير على مكتب التحقيقات الفدرالي، الذي أرسل فريقا إلى الدوحة في شهر فبراير 1996 لاعتقال خالد شيخ محمد. أيضا لتسخير الـ FBI لترهيب المعارضة في قطر.
للأسف، لم تكن تلك هي نهاية القصة، ففي العام 1998، عندما كنت أعيش في فرنسا، تلقيت مكالمة من صحيفة وول ستريت جورنال من شاب يدعى داني بيرل. والتقينا في جنيف لنتحدث عن خالد شيخ محمد وقطر. كان يستمع ، ويأخذ الملاحظات، وبعد فترة قال انه طرح قصة خالد شيخ محمد، ولكن نحن الاثنين لا نملك المزيد من المعلومات لننشرها.
بعد يومين من 11 سبتمبر وصلتني هذه الرسالة على البريد الإلكتروني من بيرل: مرحبا ، كيف الأمور؟ لم يصدر كتابك؟ آمل أنك لم تكن بالقرب من البنتاغون الثلاثاء؟.
بعض المشتبه بهم كان من المفترض أنهم يحملون جوازات سفر تابعة للإمارات العربية المتحدة، وأتذكر انك كنت قد تحدثت عن الفجيرة.
وادعوك للتحدث عن خالد شيخ محمد وقطر.
ليس لدي أي وسيلة لمعرفة ما إذا كان بيرل ذهب إلى كراتشي وسأل عن  خالد شيخ محمد. ولكن صحيفة وول ستريت جورنال تقول لا، انه يعمل على قضية مختلفة.
فبيرل قتل وأصابع الاتهام كانت موجهة لخالد شيخ محمد، فقد علمت من صديق في لندن أنه بعد بضعة ايام من 11 سبتمبر تحدث بيرل مع وزير خارجية قطر للتساؤل عما إذا كان خالد شيخ محمد وراء الهجمات. لم أكن بحاجة إلى معرفة رد القطريين، فبالتأكيد نفوا بشدة معرفة أي شيء عن 11 سبتمبر وخالد شيخ محمد.
وأتساءل عما إذا كان القطريون دعوا خالد شيخ محمد وقالوا له أن بيرل على الطريق.
لكننا لن نجد إجابات للكثير من الأسئلة، فحكومتنا يجب أن تطالب بالحقيقة وتبحث عنها في أماكن مثل قطر والمملكة العربية السعودية. وصدقوني، الأسئلة أكثر من الأجوبة بعد 11 سبتمبر.
وقال قطري آخر لي أنه في أواخر 1990، أيمن الظواهري، نائب بن لادن في مصر، وعشرات الزملاء موجودون في قطر – وبعلم الحكومة. كما في المملكة العربية السعودية، وما زلنا لا نملك جوابا عن: لماذا ظهر عمر بيومي في سان دييغو مع مئات الآلاف من الدولارات، وساعد اثنين من الخاطفين السعوديين. فهو بمتناول مكتب التحقيقات الفدرالية، ويعيش بهدوء في مكان ما في المملكة العربية السعودية.
كثيرا ما كنت أتساءل إذا كان المال الذي تلقاه كولن باول عن خطابه في جامعة تافتس جاء من الحساب الذي تستخدمه وزارة الدفاع السعودية للدفع لعمر بيومي.
لكي نطالب المملكة العربية السعودية بالحقيقة  يجب ان نقولها لأنفسنا قبل ذلك ، والا سيكون هناك المزيد من 11 سبتمبر، والمزيد من المآسي مثل قتل داني بيرل.
المرض اليائس يتطلب علاجا خطيرا
إجابات واشنطن للمملكة العربية السعودية – هي نفسها لبقية دول الشرق الأوسط: الديمقراطية سوف تعالج كل شيء. يجب التحدث إلى العائلة المالكة للتنازل عن جزء على الأقل من سلطتها، وتعيين الأمراء ذوي العقلية الإصلاحية، وتأسيس برلمان نموذجي، إيجاد اثنين من الأحزاب السياسية، إرسال جيمي كارتر لمراقبة الانتخابات الأولية، ومن خلال إيجاد بعض التعديلات الرياض ستكون أنقرة، أو ربما ستوكهولم.
الآلية الحكومية قد لا تعمل بشكل جيد، ولكن الناس سيدعمونها، لأنها ستجتث الفساد، وتقبض على الإرهابيين، وتعترف بحق الشعب في الحكم الذاتي.
وفي مقال لمجلة ناشونال جورنال في  6 أكتوبر 2001 لخص جهاز موثوق في واشنطن المشكلة، وقال نيد ووكر، سفير الولايات المتحدة في “إسرائيل” ومصر والرجل الثاني في سفارة الرياض في العام 1980: “لن تحقق التنمية الاقتصادية الحقيقية دون الديمقراطية، الاستقرار على المدى الطويل يشجع الديمقراطية، ويساعد على بناء المجتمعات المدنية”.
وقال شاس فريمان، السفير السابق للمملكة العربية السعودية: “سيتم توجيه تنظيم القاعدة أولا وأخيرا للإطاحة بالنظام السعودي. وقد خاضت السعودية المعارك الخاصة لمكافحة الإرهاب”. وأضاف أنتوني كوردسمان، وهو خبير شؤون الشرق الأوسط في مركز للدراسات الإستراتيجية والدولية . “المملكة العربية السعودية تقود عملية واسعة النطاق للتغيير الاقتصادي الاجتماعي. إنها تغير وهذا ما دفع الأقليات للجوء للعنف”.
يمكنك سماع هذه النغمة في جميع أنحاء واشنطن، حتى خارج وكالة الاستخبارات المركزية، سوف تنتصر الديمقراطية في الصحراء لأنها انتصرت في أميركا وأوروبا. الناس هم الناس، ونحن جميعا نريد الشيء نفسه .
إن ذلك محض هراء، أنصار الديمقراطية يتحدثون عن انتخابات حرة ونزيهة في المملكة العربية السعودية – شخص واحد، صوت واحد، كل تسعة أمتار مربعة .
دعونا نلقي نظرة على آخر مرة كان فيها انتخابات ديمقراطية حقيقية في دولة عربية: الجزائر في أواخر العام 1991 وأوائل العام 1992. عندما كان الأصوليون على وشك الفوز بأغلبية ساحقة وفرض الدستور الاسلامي، فتدخل الجيش ودخلت البلاد على الفور بحرب أهلية قتلت مئات الآلاف من الناس.
لماذا نتوقع ان تكون المملكة العربية السعودية مختلفة ؟ وفقا لأحد استطلاعات الرأي التي أجريت في أكتوبر 2001، 95 % من السعوديين المتعلمين الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين عاما وواحد وأربعين يدعمون بن لادن.. في أكتوبر 2002 سألت أحد زعماء المعارضة السعودية، محمد المسعري، فقال: “ليس هناك أي شك في أن الحكومة الإسلامية من شأنها ان تخلف آل سعود إذا سمح للسعوديين في تقرير مصيرهم السياسي”.
استطلاع أكتوبر 2001 لم يجب عن سبب دعم السعوديين لبن لادن، على الرغم من أنني أفترض أنه لا يهم حقا. ربما بن لادن لا يجرؤ على فعل ما ترفض الولايات المتحدة الأميركية القيام به: الوقوف في وجه اللصوص الذين يحكمون البلاد. أو ربما كما يقول المحافظون الجدد في واشنطن: “إنهم يكرهون الغرب وقيمه، وأيا كان السبب، فإن الأثر العملي هو انتخابات ديمقراطية في السعودية.
نيد ووكر، الذي يعلم كل شيء عن الديمقراطية في المملكة العربية السعودية، ورئيس معهد الشرق الأوسط، مدعوم جزئيا من الأمراء السعوديين الذين يفضلون الزحف على ركبهم إلى مكة المكرمة للحصول على التصويت الشعبي.
رئيس مجلس الإدارة، ريتشارد بيرل، كان بمثابة شريك في شركات متخصصة في مجال التكنولوجيا، والسلع، والخدمات المتعلقة بأمن الوطن و الدفاع. بينما بيرل كان شديد القسوة وقال إن السعوديين يحثون على الحرب ضد العراق، كان شركاؤه مجتمعين مع كبار رجال الأعمال السعوديين في محاولة لجمع 100 مليون دولار للاستثمارات الجديدة.

لجميع الراغبين في تغيير الواقع الأساسي للعالم:
الوضع هو على النحو التالي :
– العالم الصناعي يعتمد على احتياطيات النفط في العالم الإسلامي وسيحتاج إليها لعقود قادمة، سواء قامت الدول العربية بتطوير احتياطياتها أو آسيا الوسطى.
– من بين الدول النفطية الإسلامية، ليس هناك ما هو أكثر أهمية من المملكة العربية السعودية، لأنها ( أ) تجلس على رأس أكبر الاحتياطيات النفطية، ( ب ) لأنها بمثابة الهيئة المشرفة على السوق الصناعي البترولي العالمي، و(ج ) لديها المال، والإرادة السياسية، والحماسة الدينية لمواصلة السيطرة على شبه الجزيرة العربية وآسيا الوسطى.
– من بين الدول المستهلكة للنفط، لا احد يستهلك أكثر من الولايات المتحدة، وبالتالي ليس هناك من دولة  أكثر اعتمادا على النفط السعودي.
– إذا استطاعت دبابات المملكة العربية السعودية، السيطرة على أربع أسر خليجية أخرى في المنطقة ممن يملكون مجتمعين 60 % من احتياطيات النفط المؤكد في العالم، الاقتصادات الصناعية لن تتراجع، بما في ذلك اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية.
شئنا أم أبينا، الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في مركب واحد، مستقبلها هو مستقبلنا. في نهاية المطاف، ما نحتاج إليه في المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط هو حكم القانون. أنا لا أتحدث عن شرعة الحقوق، وحرية الصحافة، وحرية العبادة، أو الحق في حمل السلاح. أنا أتحدث عن شيء أكثر أساسية – تحريم نشاطات الجهاديين والإخوان المسلمين وتجريم اللجان والسرقة، والرشوة. فقط من خلال معالجة تلك المشاكل يمكن أن تفكر في حقوق الآخرين أو الديمقراطية الحقيقية ،التي من شانها أن تساعد في فرض سيادة القانون، مثل فرض قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، ووقف الرشوة ، ووضع حد للمسؤولين المتقاعدين من الحكومة الأمريكية.
إذا كنت تحمل منطق التقدم إلى الأمام، سيكون من الممكن تعديل قوس الحكومات الشيعية من طهران إلى الكويت إلى البحرين إلى المنطقة الشرقية، جميع البلدان التي عدد سكانها الشيعة كبير جدا. قبل 11 سبتمبر، أي حديث عن بناء الأمة على هذا النطاق كان يسحب من أي نقاش جدي في سياسة واشنطن. نحن الآن نواجه حل البيت السعودي، وليس أمامنا أي خيار آخر. الغزو ​​والثورة قد يكونان الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ الصناعات الغربية لفترات طويلة، واشنطن دفعتنا للتعامل مع الشيطان. وهمسنا في أذنه وقلنا إننا نحبه.عندما تسير الأمور بشكل خاطئ، تقوم واشنطن بوضع يدها وتقول إنها على ما يرام. وكل هذا الوقت كانت أعيننا على المحافظ المنتفخة.